يزيد الانغماس الكبير لدى الأطفال في الألعاب الإلكترونية من المشكلات الصحية والنفسية، وبالتالي تأثيرها على المستوى العلمي، فيما يشير باحثون إلى أنها تثير شعور العداء والعزلة الرقمية بين الأطفال.
وقررت وزارة الداخلية الشهر الماضي حظر وإيقاف الألعاب الإلكترونية مثل بوبجي، فورتنايت، وروبلوكس، "لأنها أصبحت تهديداً للأمن الاجتماعي وتبديداً لأموال ووقت الأطفال والمراهقين".
الألعاب الإلكترونية العنيفة
أطلق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان تحذيراً حول تصاعد المخاطر المرتبطة بالألعاب الإلكترونية العنيفة مثل بوبجي، روبلوكس ، فري فاير، كول أوف ديوتي، وجي تي أي، مشيراً إلى ما تشكله هذه الألعاب من تهديد مباشر على السلوك النفسي والاجتماعي للأطفال واليافعين في العراق.
وقال فاضل الغراوي، رئيس المركز، أن هذه الألعاب أصبحت "بيئة خصبة لنشر ثقافة العنف والجريمة، إلى جانب تأثيرها السلبي على الصحة النفسية والعقلية للأطفال، من خلال تعزيز مشاعر العدوان، والعزلة، والإدمان الرقمي، والانفصال عن الواقع".
واضاف الغراوي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان المركز أجرى دراسة ميدانية في بغداد شملت حوالي 1000 طالب وطالبة من المرحلة الابتدائية، أظهرت أن 94.6 في المائة منهم يلعبون ألعاباً إلكترونية، وأن 64.8 في المائة يلعبون بشكل يومي. كما بيّنت الدراسة، طبقا للغراوي، أن 47.6 في المائة من الأولاد يفضلون الألعاب العنيفة مثل الأكشن المفتوحة والعنف.
ونبه الى أن الأطفال الذين يتعرضون للألعاب العنيفة يظهرون سلوكاً عدوانياً أعلى، حيث بلغت نسبة من أبلغوا عن عدوان مادي 35.4 في المائة مقارنة بـ 4.9 في المائة لدى من لم يمارسوا هذه الألعاب. كما بلغت نسبة من أبلغوا عن حالة غضب 11.1 في المائة بين من يلعبون ألعاباً عنيفة، مقابل 1.6 في المائة لدى من لا يلعبون.
ولفت الى ان العراق شهد في الآونة الأخيرة حوادث مأساوية مرتبطة بالألعاب الإلكترونية، كان آخرها حادثة طفل أقدم على تصرف خطير متأثراً بمحتوى إحدى الألعاب.
ودعا رئيس المركز جميع الأسر إلى مراقبة استخدام أطفالهم للأجهزة الذكية، وتحديد أوقات اللعب، وتوعية الأبناء بمخاطر الألعاب التي تحرض على العنف أو تتضمن محتوى غير مناسب لأعمارهم.
وشدد على أن حماية الأجيال الناشئة من العنف الرقمي والسلوكيات السلبية تمثل مسؤولية وطنية ومجتمعية مشتركة تستدعي تكاتف جهود الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والإعلام، والجهات الحكومية لتوفير بيئة رقمية آمنة وصحية للأطفال في العراق.
قضية تربوية ونفسية
من جهتها، تقول د. إسراء نجم الحجيمي، باحثة اجتماعية واكاديمية إن "الالعاب لم تعد مجرد تسلية بريئة، بل تحولت إلى قضية تربوية ونفسية واجتماعية تستحق الدراسة والاهتمام. أود الإشارة إلى أن ظاهرة انغماس الأطفال والمراهقين في الألعاب الإلكترونية، وخصوصاً العنيفة منها، تحمل أبعاداً نفسية واجتماعية معقدة تستدعي اهتمام الأسرة".
وتوضح الحجيمي لـ"طريق الشعب"، أن من أبرز التأثيرات النفسية التي تُلاحظ على الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية العنيفة هي الاندفاعية، ضعف التركيز، التوتر العصبي، وتبلد المشاعر تجاه العنف الواقعي.
كما تشير إلى أن "الطفل المدمن على هذه الألعاب يميل إلى العزلة الاجتماعية وتراجع التفاعل الوجداني مع الأسرة والأقران، نتيجة اندماجه في عالم افتراضي يمنحه شعوراً زائفاً بالنجاح والانتصار المستمر دون ضوابط واقعية".
وترى الحجيمي أن العلاقة بين الألعاب الإلكترونية العنيفة والسلوك العدواني باتت موثقة في عدد من الدراسات النفسية والسلوكية، قائلة، أن هذا النمط من التفكير يعزز نزعات العدوان اللفظي والجسدي”، ويؤثر سلباً على أساليب التواصل داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع.
وتحذر من أن الانغماس المفرط في العالم الافتراضي يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل الواقعي والتعاطف الإنساني، مشيرة إلى أن “الألعاب التي تعتمد على المنافسة الشديدة تُضعف روح التعاون والمشاركة الاجتماعية، وتؤثر على تكوين الشخصية المتوازنة والنضج العاطفي للطفل".
وفي جانب آخر من حديثها، تلفت الحجيمي إلى أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية يُعد شكلاً من أشكال الإدمان السلوكي الذي تتشابه آلياته العصبية مع إدمان الإنترنت أو حتى المخدرات. وتشدد على ضرورة إيجاد توازن تربوي وأُسَري في التعامل مع الألعاب الإلكترونية، قائلة.
الحماية من العنف الرقمي
وذكرت الناشطة في مجال حقوق الطفل والتعليم نور الخفاجي، أن "لألعاب الإلكترونية العنيفة أصبحت تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، ما يشكل تهديداً لحقهم في بيئة آمنة وصحية كما نصت اتفاقية حقوق الطفل".
وأوضحت الخفاجي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الأبحاث المحلية والدولية أظهرت أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في ممارسة الألعاب العنيفة يظهرون ارتفاعاً ملحوظاً في السلوك العدواني، والانفعالات السريعة، والعزلة الاجتماعية، كما تظهر لديهم مشكلات في كيفية إدارة الغضب وحل النزاعات بشكل سليم".
وأضافت أن "التأثير لا يقتصر على الصحة النفسية فحسب، بل يمتد إلى الجانب التعليمي، إذ يلاحظ تراجع التحصيل الدراسي، وانخفاض التركيز والانتباه داخل الصفوف، فضلاً عن إهمال الواجبات المدرسية بسبب الانغماس في اللعب"، مشيرة إلى أن "الأطفال الذين يفضلون هذه الألعاب غالباً ما يميلون إلى تقليد السلوكيات العنيفة، وهو ما يزيد من صعوبة التربية والتأهيل الاجتماعي لهم".
ولفتت الخفاجي إلى أن "المدارس يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التوعية الرقمية، عبر إدراج برامج تعليمية وأنشطة تثقيفية توضح مخاطر هذه الألعاب وأضرار الإفراط فيها، مع تفعيل ورش عمل لأولياء الأمور لتعليمهم كيفية مراقبة استخدام أبنائهم للأجهزة الذكية ووضع حدود زمنية مناسبة".
وذكرت الخفاجي أن "الحكومة العراقية مطالبة بوضع ضوابط قانونية صارمة لتنظيم تداول الألعاب الإلكترونية بما ينسجم مع قيم المجتمع ويحمي الأطفال، إلى جانب مراقبة محتوى الألعاب قبل السماح بتداولها، مع تطوير حملات توعوية عبر وسائل الإعلام لتعزيز الاستخدام الآمن للتكنولوجيا".
وأضافت أن "حماية الأطفال من العنف الرقمي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني والجهات الحكومية، ويجب أن تُعتبر أولوية وطنية، إذ إن أي تقصير في الرقابة أو التوعية يعرض الأجيال الناشئة لمخاطر نفسية واجتماعية مستمرة، قد تمتد آثارها إلى مستقبلهم التعليمي والمهني والاجتماعي".
وتابعت بالقول: "في ظل الانتشار الواسع للأجهزة الذكية والألعاب الرقمية، يجب توفير بيئة رقمية آمنة، وتشجيع الألعاب التعليمية والمحتوى الإيجابي الذي يطور مهارات الأطفال، بدلاً من السماح للألعاب العنيفة بأن تتحول إلى مصدر للعنف والسلوكيات السلبية في المجتمع العراقي".