اخر الاخبار

أزيح الستار يوم السبت 20 أيلول 2025 في إسبانيا عن لوح تذكاري يخلد المناضل الأممي العراقي الأصل نوري روفائيل، الذي تطوع في لواء أبراهام لينكولن في الحرب الأهلية الإسبانية، حضر تلك المراسيم عدد من الجمعيات الإسبانية والمؤرخين هناك إلى جانب الدكتور موفق داود وعائلته والذي سعي لجمع سيرة نوري روفائيل النضالية في السنوات العشر الأخيرة إلى جانب باقي المتطوعين من الدول العربية الذين بلغ عددهم حوالي 800 من مجموع 45000 متطوع من حوالي 50 دولة آنذاك.

كان نوري المتطوع الوحيد الذي قدم مباشرةً من العراق إلى إسبانيا قبل 87 عاما، وهذا اللوح التذكاري هو الوحيد والأول الذي يخلد اليوم متطوعا عربيا.

تخللت الاحتفالات مساء ذلك اليوم ندوة وعرض أعمال عشرة فنانين استلهموا وكرموا المتطوع نوري روفائيل في الحرب الأهلية الإسبانية وشعروا بارتباط قوي بوطنهم ونضال شعبهم وشعب إسبانيا وكتالونيا. لذلك أبدعوا هذه الأعمال الفنية تخليدًا لذكرى نوري رفائيل والمتطوعين المناهضين للفاشية، ومن الفنانين المذكورين، جودت حسيب، منير حنون، صادق طعمة، وائل المرعب، سعد علي، سعد كاظم، سلام الشيخ، عماد المندلاوي، وعماد المولي. ولابد من تقديم الشكر إلى طلال جموعة وناشئة  كوتاني ود. مونا حنا وحسان عاكف وزهير الجزائري وسلم علي وآخرين من مجلس السلم والتضامن العراقي وجمعيات وكوادر اسبانية للاستشارات.

وفي كلمة مؤثرة خلال إزاحة الستار من قبل الدكتور موفق داود والتي تناولت ضمنا بعضا من سيرة المناضل نوري الذاتية جاء مايلي: ((...أيها الأصدقاء والرفاق والضيوف الكرام، نجتمع اليوم لنحفر اسمًا في الذاكرة، ستبقى هذه اللوحة شعلةً تُخلّد تضحية رجلٍ اختار أن يكون في طليعة المدافعين عن الإنسانية والديمقراطية، مُلهمًا الآخرين في هذا الوقت العصيب.  نوري رفائيل هو أبن بغداد، متطوع، مُقاتل على خط المواجهة في الحرب ضد الفاشية.   من ضفاف نخيل دجلة إلى بساتين الزيتون في نهر إيبرو في كتالونيا. من أرضٍ تحت الاحتلال البريطاني إلى بلدٍ يُحارب القوى الفرانكونية الظلامية. عندما وُجّه النداء عام ١٩٣٧ للدفاع عن الجمهورية الاسبانية، لم يسأل هذا العراقي: "لماذا أذهب هناك بعيدا عن العراق؟".

كان نوري روفائيل من بين العديد من المتطوعين العرب الذين عبروا القارات للانضمام إلى الألوية الأممية، لكنه كان الوحيد الذي جاء مُباشرةً من العراق. بالنسبة لهم، كان انتصار الجمهوريين في إسبانيا يعني إنهاء الاستعمار في العالم العربي على المدى البعيد، وبداية تحررهم.  كان نوري رفائيل أحد رواد الفكر الطليعي النخبوي في العراق، تميزت مسيرته المهنية بالنضال المتواصل منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، درس في الجامعة الأمريكية في بيروت ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية. بعد عودته إلى العراق، ترك بصمات مؤثرة على الحركة السياسية العراقية خلال فترة الانتداب البريطاني. كان أحد مؤسسي "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار" في العراق، في 31 مارس 1934، وهي المنظمة التي أصبحت فيما بعد الحزب الشيوعي العراقي

في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام ١٩٣٧، غادر العراق بعد اعتقال معظم الكوادر التقدمية. كان في جبهة أبرو، التي خاضت بلا شك أشرس المعارك وأكثرها دموية في الحرب الأهلية بأكملها. كان نوري في الجبهة من فبراير/شباط إلى ديسمبر/كانون الأول عام ١٩٣٨. كان هنا طوال الـ ١١٥ يومًا القاسية.

كتب في ملفه: "جئتُ إلى إسبانيا لمُحاربة الفاشيين الذين سعوا لتدمير الجمهورية الإسبانية." "أدركتُ كم من الناس يستطيعون القتال والتضحية من أجل حريتهم واستقلالهم."

نعم... إنه أحد أبطال الألوية الأممية، لقد وهب نفسه لإسبانيا دون قيد أو شرط.

كما قالت دولوريس إيباروري، لقد ضحى المتطوعون بعلمهم وخبرتهم؛ بدمائهم وحياتهم؛ بآمالهم وتطلعاتهم - ولم يطلبوا منا شيئًا..... يا أمهات! يا نساء! عندما تمر السنين وتُبلى جراح الحرب؛ عندما تتلاشى ذكرى الأيام الحزينة والدموية في هبة الحرية والسلام والرفاهية؛ عندما يتلاشى الحقد ويشعر جميع الإسبان بالفخر بوطن حر، تحدثوا إلى أطفالكم. أخبروهم عن رجال الألوية الأممية هؤلاء، قد يكون هذا أول نصب تذكاري لمتطوع من الدول العربية في إسبانيا... تحية للعديد من الأبطال ...))

يقول د. موفق داود انه تم جمع المعلومات، ودراستها ومراجعة الملفات والكتب وتم الاتصال بالأكاديمية الإسبانية، وتم تصميم النصب وأخذ الموافقات من الجهات الرسمية الكتالونية في إسبانيا لنصب هذه الجدارية في أعلى تل من جبال باندولس في موقع نصب السلام. COTA 705 SERRA DE PÀNDOLS-MONUMENTO A LA PAZ

وتم تثبيت هذا النصب ليعبر عن القوة الدافعة للتضحية والدفاع عن القيم الإنسانية والديمقراطية، وما تمتع بهِ المناضل نوري من روح أممية مما يعطي الإلهام للآخرين، لذا فاليوم يسجل التأريخ أحد المواقف البطولية والتضامنية الأممية، لهذا المناضل الأممي الذي تطوع في الدفاع عن الجمهورية الإسبانية التي قامت ما بين الاعوام (١٩٣٦  ١٩٣٨). تطوع مع الآلاف من الأمميين والوطنيين ضد التمرد والانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال (فرانكو) وبتدخل موسوليني، لم يهن عليه أن يرى إسبانيا تغرق بالدماء، وتجهض الجمهورية.

ولد نوري روفائيل عام ١٩٠٥ في بغداد، وبعد ان أنهى الابتدائية والمتوسطة سافر إلى بيروت عام ١٩٢٣ والتحق بالجامعة الامريكية هناك، وعاد إلى العراق حاملا شهادة في هندسة الطرق والجسور، عمل استاذا لمادة الرياضيات في إحدى الثانويات بين الاعوام١٩٣٠ـ ١٩٣١، ثم التحق بأحدى الجامعات الامريكية في مجال الهندسة في ولاية ماساتشوستس عام١٩٣٣، عاد إلى العراق والتحق بجماعة (الأهالي) التي كانت حديثة التشكيل، عمل مهندسا مساعدا في مديرية المساحة  والطرق، وفي آذار 1934م أسس مع (عاصم فليح وجميل توما، ويوسف اسماعيل) الحزب الشيوعي العراقي، ولكن انفرط عقد هذه المجموعة بعد اعتقال عاصم فليح، وكما هو معلوم ان تلك الفترة شهدت العديد من الإرهاصات الفكرية والسياسية في العراق. 

تعرض للاعتقال والسجن في الفترة (٢٩ تشرين الثاني - ١٧ نيسان ١٩٣٧)، وغادر العراق بعد إطلاق سراحه بفترة وجيزة متوجها إلى فرنسا لشعوره بالخطر من الاعتقال إثر الفوضى التي تلت اغتيال بكر صدقي، وغادرها إلى إسبانيا ملتحقا بقوافل المتطوعين عن الجمهورية الثانية، وانضم إلى (كتيبة ابراهام لنكولن الأممية) التي كان معظمها من الأمريكان، وتطوع هناك كجندي ثم عريف ورقي إلى رقيب. وأهم مشاركاته كانت في المعارك البطولية في (غندسيا  آبرو  على الحدود مع كتالونيا)، غادر إسبانيا مشيا على الأقدام بعد انهيار مقاومة الجمهوريين، واعتقل في الحدود الفرنسية الإسبانية، وحاول الفرار ثلاث مرات لكنه نجح في المرة الرابعة، وتشاء الصدف ان يصحبه زميله (يوسف اسماعيل) إلى باريس، وبعد فترة زار السفارة العراقية وهناك التقى زميل دراسته قنصل العراق (علي حيدر سليمان) الذي أصدر له جواز سفر مؤقت وأعطاه بعض المال لتأمين عودته إلى العراق.

وفي العراق من جديد قام بالعديد من المهام النضالية، وتعرض للاعتقال في عدة سجون، حيث اعتكف عن العمل السياسي ومارس التجارة حتى قيام ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨، وعين مديرا للسكك الحديدية، كان ناشطا في حركة أنصار السلام، ومرة أخرى تعرض للاعتقال عقب حركة الشواف عام ١٩٥٩، ولجأ إلى الاختفاء لعدة سنوات إثر انقلاب شباط ١٩٦٣، خرج من جديد عام ١٩٦٨ لكنه كان متعبا، فلم يمارس اي نشاط سياسي حتى رحيله عام ١٩٨٥.

وعشية الذكرى الثمانين لسقوط الجمهورية الاسبانية، تعود ذكرى نوري روفائيل إلى الحياة مرة اخرى في إسبانيا، حيث قام فريق أممي بالأبحاث العديدة لجمع معلومات وافية عن جميع المناضلين الأمميين الذين ساهموا في النضال ضد الفاشية، فتصدرت صورهما مع نبذة عنهما وعن مآثرهما البطولية في فريق المتطوعين الاجانب، بالإضافة إلى الكثير من الكتابات التي نشرتها صحف اليسار والمحاربين القدماء وأنصار الجمهورية عنهم.

فتيحة لهؤلاء الأوفياء الذين لم ينسوا المناضلين الأمميين، وألف تحية لروح المناضل الأممي العراقي نوري روفائيل.

ـــــــــــــــــــــــ

1-      دولوريس إيباروري (بالإسبانية: María de los Dolores Ibárruri y Gómez) دولوريس إيباروري وتسمى أيضا لاباسيوناريا هي مناضلة شيوعية إسبانية ولدت في الباسك من أسرة فقيرة يعمل أعضاؤها في المناجم. انضمت عام 1917 إلى الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، ثم ما لبثت أن التحقت في 1921 بالحزب الشيوعي الإسباني الذي أسسه عمال ثوريون تأثروا إلى حد كبير بتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي. وفي سنة 1925 بدأت تكتب في الجرائد العمالية المحلية، وتوقع باسم «لاباسيوناريا». أصبحت في العام 1931 عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الإسباني. سجنت ثلاث مرات بين 1932 و1936 وقاست عذاب الجوع والحرمان والنفي.