اخر الاخبار

لم يعد الغبار في بادوش بمحافظة نينوى، مجرد جزء من المشهد اليومي، بل تحول إلى تهديد صحي مباشر لسكان المنطقة، حيث تتساقط جزيئاته على المنازل والشوارع بلا توقف، حاملة معها أمراضا تنفسية وحساسية متزايدة وأضرارا محتملة للكلى والرئة، وحتى بعض أنواع السرطان. هذا الواقع المرير يعكس إخفاقا متكررا في مراقبة معامل الإسمنت، التي تعمل خارج المعايير البيئية، دون فلاتر حديثة أو تدابير للحد من الانبعاثات، في وقت لا تزال الإجراءات القانونية بطيئة أمام انتشار التلوث.

أهالي بادوش وناشطوها البيئيون يصفون الوضع بالكارثي، محذرين من استمرار هذه المخاطر على الصحة العامة، في ظل إجراءات شكلية لا تكفي لوقف الانتهاكات البيئية، فيما يدعون إلى فرض رقابة صارمة وتطبيق القوانين لحماية الهواء والإنسان من آثار تلوث المعامل المتزايد.

معامل الإسمنت خارج معايير البيئة

وأكدت رحمة إياد، ناشطة بيئية من نينوى، أن الغبار الذي يتساقط يوميا على المنازل والشوارع لم يعد جزءا من المشهد الاعتيادي، بل أصبح يشكل خطرا مباشرا على صحة السكان، مشيرة إلى ازدياد حالات الحساسية والاختناق وأمراض الكلى وبعض أنواع السرطان خاصة بين الاطفال، نتيجة لغياب أنظمة الترشيح والفلاتر الحديثة في معامل الإسمنت التي تعمل دون رقابة صارمة أو تدابير للحد من الانبعاثات.

وأوضحت رحمة لـ "طريق الشعب"، أن معامل الإسمنت في بادوش، سواء القديمة أو التوسعة أو الجديدة، لا تزال تعمل خارج المعايير البيئية المطلوبة، ولم تستكمل إجراءات السلامة اللازمة، رغم إدراج أحدها ضمن القرار 427 كمشروع استراتيجي، ما سمح له بالعمل دون الحصول على الموافقات الرسمية.

وأشارت إلى أن السلطات البيئية في نينوى بدأت تتخذ إجراءات قانونية لإغلاق المعامل المخالفة التي لا تلتزم بالمعايير البيئية، داعية إلى تعزيز الرقابة وتطبيق القوانين للحفاظ على صحة المواطنين وحماية البيئة.

متابعة ميدانية للانبعاثات

بدوره، يؤكد مدير اعلام بيئة نينوى، نشوان محمد، أن المديرية أقامت دعاوى جزائية ضد إدارات هذه المعامل "لغرض توجيه عقوبات بحق الأشخاص المسؤولين عن استمرار المخالفات البيئية".

ويقول، أن الفرق الفنية التابعة للمديرية "رصدت الانبعاثات المخالفة، ورفعت تقاريرها إلى الوزارة، ليصدر على أثرها وزير البيئة توجيها بغلق هذه المعامل، لعدم حصولها على الموافقات البيئية".

ويشير إلى أن الإجراءات القانونية لا تزال مستمرة أمام المحاكم، بالتزامن مع متابعة ميدانية للانبعاثات التي يشكو منها أهالي بادوش منذ سنوات دون حلول جذرية حتى الآن.

مخاطر صحية

فيما يؤكد طبيب مختص بأمراض الجهاز التنفسي وناشط في مجال الصحة من منطقة بادوش، دنيال عبد العزيز، أن معامل الإسمنت في البلدة تعمل دون وجود فلاتر متطورة لتحويل الأتربة والغبار إلى سوائل، ما يؤدي إلى انتشار واسع لمشكلات صحية بين السكان.

وقال عبد العزيز لـ"طريق الشعب"، إن معامل الإسمنت تعمل بشكل مستمر دون أي أنظمة ترشيح أو فلترة للهواء الخارج منها، وهذا الأمر يتسبب في إطلاق كميات ضخمة من الغبار والملوثات في الجو، ما يعرض سكان بادوش لخطر الإصابة بأمراض متعددة".

وأضاف: نشهد ارتفاعا ملحوظا في حالات الحساسية الجلدية، بالإضافة إلى ازدياد عدد الإصابات بالأمراض التنفسية الحادة مثل الاختناقات المزمنة، وأمراض سرطانية خطيرة، خصوصًا تلك التي تصيب الرئتين، التي تعد الهدف المباشر لهذه الملوثات".

وأوضح أن عدم وجود فلاتر متطورة ومعايير سلامة بيئية مناسبة في معامل الأسمنت يزيد من تعرض السكان لهذه الأمراض بشكل يومي، مشيرا إلى أن الهواء الملوث الناتج عن هذه المعامل يحمل جسيمات دقيقة تدخل إلى الرئتين وتؤدي إلى تدهور الحالة الصحية بشكل تدريجي، مع وجود حالات إصابة متكررة بين الأطفال وكبار السن.

وحذر من أن استمرار العمل في هذه الظروف البيئية سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية، داعيًا الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لفرض رقابة صارمة على معامل الأسمنت، وإلزامها بتركيب فلاتر متقدمة ومعدات حديثة للحد من الانبعاثات، حفاظًا على صحة سكان بادوش وحمايتهم من مخاطر أكبر.

أوضاع بيئية سيئة في قرية القبة

من جانبه، أكد الناشط البيئي قتيبة محمد، من محافظة نينوى، أن أزمة التلوث لا تقتصر على بلدة بادوش فحسب، بل تمتد إلى مناطق أخرى عديدة في المحافظة، مشيرًا بشكل خاص إلى قرية القبة التي وصفها بأنها تعاني من أوضاع بيئية سيئة جدا، حيث يتعرض السكان منذ ١٠ سنوات لتراجع مستمر في جودة الهواء بسبب الغبار السام والانبعاثات الملوثة التي تتساقط بلا هوادة على منازلهم وشوارعهم.

وقال قتيبة لـ"طريق الشعب": إن التلوث في نينوى أصبح كارثة حقيقية، وأثره يمتد الى كافة المناطق، والناس هنا يعانون بصمت من تدهور صحتهم بسبب الهواء الملوث الذي يستنشقونه يوميا".

وانتقد الناشط بشدة ما وصفه بـ "الإجراءات الشكلية" التي تتخذها الحكومة المحلية، مؤكداً أن هذه التحركات ليست سوى محاولات إعلامية فارغة لن تُحدث أي تغيير حقيقي على الأرض، وقال: "كل ما نراه من تحركات وتصريحات رسمية لم يعد يقنع أحدا، فأصبح واضحا أن هذه التصريحات هدفها فقط تحسين الصورة الإعلامية وليس حل المشكلة الحقيقية.