خلال الأسابيع الأخيرة، سجلت عشرات المدارس العراقية إصابات واسعة بنزلات البرد والإنفلونزا بين التلاميذ، وسط شكاوى متزايدة من الأهالي وانتقادات تربوية ونقابية، تُحمّل إدارات المدارس ومديريات التربية مسؤولية سوء تقدير الأوضاع الجوية، والإصرار على إقامة الفعاليات والأنشطة الصباحية والاحتفالات المدرسية في أجواء شديدة البرد وغير مستقرة.
وبحسب مصادر تربوية وطبية، فإن عدداً غير قليل من المدارس في محافظات مختلفة سجل حالات مرضية، تزامنت مع استمرار الاصطفاف الصباحي اليومي وإقامة احتفالات ومناسبات رسمية، بعضها سياسي وطني، في ساحات المدارس المكشوفة، إضافة الى تنظيم زيارات لمسؤولين من مديريات التربية، تتطلب وقفات طويلة للتلاميذ والاستماع إلى كلمات وخطابات مطولة لا تتناسب مع قدراتهم الجسدية على التحمل، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة وتأثر البلاد بمنخفضات جوية متتالية.
ويشير مراقبون إلى أن هذه الأنشطة تأتي غالباً بتوجيهات مركزية من المديريات، لإحياء مناسبات معينة، من دون مراعاة كافية للظروف المناخية أو الفئات العمرية الصغيرة، ما انعكس سلباً على صحة التلاميذ، خصوصاً في المدارس الابتدائية.
وعلى إثر ذلك، وجّهت وزارة التربية بإيقاف الاصطفاف الصباحي والنشاطات الخارجية، نظرا لسوء الأحوال الجوية، لكن أولياء أمور وتربويين يأملون أن يُراعى هذا التوجيه بشكل مستمر وليس مؤقتا.
المدارس ساحات احتفالات!
في حديث صحفي، يقول المواطن إبراهيم المعموري، أن "المدرسة تحولت من مكان للتعليم إلى ساحة احتفالات يُهمل فيها الجانب الصحي، وكأن صحة الأطفال مسألة ثانوية".
فيما تُطالب أسر عديدة بمنح إدارات المدارس صلاحيات أوسع لتعليق الاصطفاف الصباحي في الساحات والأنشطة الخارجية عند سوء الأحوال الجوية، بدلا من الالتزام الحرفي بتوجيهات لا تراعي قدرات التلاميذ البدنية.
في السياق، يقول المواطن تحسين جاسم، وهو والد لتلميذين في المرحلة الابتدائية، أن "إجبار الصغار على الوقوف في الساحات المدرسية صباحا خلال موجات البرد أدى إلى تكرار إصابة ولديّ بالزكام والإنفلونزا، واضطرارنا إلى إبقائهما في المنزل أياماً عدة"، مبيناً في حديث صحفي أن "ما يحصل لا يراعي أعمار التلاميذ ولا حالاتهم الصحية، خصوصاً في المدارس التي تفتقر إلى قاعات مهيأة للأنشطة الداخلية”.
ويضيف قوله أن "الحرص على الانضباط الشكلي لا يجب أن يكون على حساب صحة الأطفال".
انتقادات تربوية
من جهتها، انتقدت نقابة المعلمين وعدد من التربويين هذه الممارسات، معتبرين أن الإكثار من الفعاليات غير الصفية جاء على حساب العملية التعليمية والصحة.
ويقول عضو النقابة غانم السامرائي، أن "المدرسة ليست ساحة للمناسبات والاحتفاليات، بل بيئة تعليمية يجب أن تدار وفق أولويات واضحة، في مقدمتها سلامة التلاميذ والمعلمين"، مشيراً في حديث صحفي إلى أن "الاصطفاف الصباحي والاحتفالات، رغم رمزيتها، لا ينبغي أن تفرض في كل الظروف، خصوصاً مع تقلبات الطقس وانخفاض درجات الحرارة".
ويدعو السامرائي إلى "إعادة النظر في فلسفة الأنشطة المدرسية، وربطها بالمنفعة التعليمية الفعلية، لا بالمظاهر الشكلية"، مشددا على "ضرورة التنسيق مع الجهات الصحية، وتوفير إرشادات واضحة لإدارات المدارس حول كيفية التعامل مع موجات البرد والأمطار، لتجنب تفشي الأمراض الموسمية داخل الصفوف".
وعلى وقع تلك الشكاوى، وجه وزير التربية إبراهيم نامس الجبوري، بإيقاف الاصطفاف المدرسي والأنشطة الخارجية، نظراً لانخفاض درجات الحرارة وتأثر البلاد بمنخفض جوي. وذكر بيان للوزارة أن الجبوري أكد "أهمية تبليغ الإدارات المدرسية كافة بالالتزام التام في تنفيذ هذا التوجيه، لضمان توفير بيئة تعليمية آمنة ومناسبة للتلاميذ".
ولاقت الخطوة ترحيبا حذرا من الأهالي والتربويين، الذين طالبوا بتحويل القرار إلى سياسة دائمة، خصوصاً عند سوء الطقس.
ويجمع تربويون وأولياء امور على أن الأزمة كشفت خللاً أعمق في إدارة البيئة المدرسية، يتمثل في تغليب الطابع الاحتفالي والشكلي على الجوانب العلمية والصحية.
فيما يدعو الاختصاصي في الشأن التربوي، هاشم علي، وهو مدير مدرسة متقاعد، إلى "اعتماد سياسات مرنة، تضع صحة التلاميذ في صدارة الاهتمام، وتمنح إدارات المدارس هامش قرار أوسع للتعامل مع الطقس، بعيداً عن الضغوط الإدارية والرمزية"، مشدداً في حديث صحفي على "ضرورة أن يكون التعليم أولوية في خطط المدارس".
بيئة غير صحية
ولا تتوقف أسباب انتشار الأمراض الموسمية بين الطلبة على الفعاليات التي تُقام في الهواء الطلق، بل تتعدى ذلك إلى افتقار البيئة المدرسية للأجواء الصحية. إذ لا تتوفر أجهزة تكييف في معظم المدارس، ولا حتى شبابيك وأبواب تحمي من تقلبات الطقس.
وفي هذا السياق يقول المواطن حسّان فاضل، أحد أولياء الأمور، أن "سوء البيئة المدرسية في عدد من المدارس، لا سيما المتهالكة والكرفانية، يزيد من معاناة التلاميذ خلال فصل الشتاء وفصل الصيف أيضا"، موضحا أن "الأبواب والشبابيك في كثير من الصفوف لا تحمي من البرد، مع غياب وسائل التدفئة أو التكييف، ما يجعل الأطفال عرضة للأمراض".
ويضيف قوله أن "الاكتظاظ داخل الصفوف يساهم هو الآخر في سرعة انتقال الفيروسات بين التلاميذ، ويضاعف من الإصابات بالأمراض الموسمية، في ظل افتقار المدارس لشروط صحية مناسبة".
وفي وقت لاحق قالت وزارة التربية في بيان انها وجهت بالغاء الاصطفاف الجماعي يوم الخميس.