رغم ما تقدم عليه الحكومة من إجراءات للحد من انتشار المخدرات، وابعاد تاثيراتها المميتة على المجتمع والشباب فيه بشكل خاص، فان الإعلانات المتكررة اليومية عن ضبط شحنات وكشف شبكات والقبض على تجار محليين ودوليين. لم تتراجع. لا بل ازدادت في الفترة الأخيرة، ما يبيّن ان حال المخدرات، رغم الجهود موضع التقدير، لا يزال خارج السيطرة والاطمئنان الى ان منحنى التسويق والترويج والتعاطي يسير نحو انحدار تدريجي.
ظاهرة المخدرات لابد ان ينظر اليها في ابعادها المختلفة وتأثيراتها المتعددة، وان تُعامل بعمق كونها ازمة حقيقية يعاني منها المجتمع، ولم تعد حوادث منفصلة هنا وهناك، او في هذه المحافظة او تلك، وان من شأن الاستهانة باضرارها، ان تستفحل تأثيراتها الفادحة على الجميع واولهم الفئات الشبابية.
ان الإعلانات المتكررة عن المخدرات لا تبعث على الارتياح، بل هي مدعاة للقلق وتؤشر حقيقة ان حجم ما يهرب ويتداول في السوق قد يكون أكبر مما يجري الاعلان عنه، وان شبكات وعصابات التهريب باتت أقدر على تجاوز إجراءات السلطة وأجهزتها ذات العلاقة. وهذا يستثير تساؤلا مشروعا عن مدى الفجوة بين الجهد الأمني المبذول للسيطرة على الظاهرة، والطلب المتزايد على المخدرات. وهنا لا بد من القول ان من الصعوبة بمكان التصدي للظاهرة على وفق إجراءات امنية وقانونية لوحدها، على أهميتها، نظرا لحجم المشكلة الكبير والتزايد الحاصل في أنواع المخدرات وهذا حسب تقارير ومعطيات تنشر باستمرار، وتقول ان البلد لم يعد مجرد ممر للمخدرات، بل كذلك صانع ومستهلك.
ولا يمكن فصل تفاقم هذه الظاهرة عن مدى الاهتمام الرسمي بها والضعف البيّن في قدرات المنظومة الصحية، العلاجية والتأهيلية، كذلك المؤثرات المجتمعية والعشائرية، والتردد في طلب العون والدعم من جانب المتعاطين.
وترتبط الظاهرة ايضا بالوضع العام في البلد، وبتفشي الفساد والرشا وحالات التواطؤ، وعدم القدرة على انفاذ القانون بحق الجميع، وضعف السيطرة المتمكنة على الحدود، وتدخلات عناصر القوة والنفوذ، وعدم الثقة بمؤسسات الدولة، وشعور المواطنين بانعدام العدالة وتكافؤ الفرص، وبقاء البطالة والفقر بمستويات عالية.
والمقلق ان تقارير عدة تؤشر عدم قدرة شبكات المهربين وكبار التجار على العمل من دون حماية او تغطيات معينة وتغاضي، فتجارة المخدرات بما تحققه من أموال ضخمة قادرة على شراء المواقف والذمم او استغلال ضعف الرقابة.
ويبدو ان متابعين عديدين مقتنعون بان أي تصدٍ فاعل لظاهرة المخدرات، يصعب تصور حصوله دون مواجهة واسعة وحازمة مع ظاهرة الفساد، وعلى مختلف الصعد والمستويات.
وبرأينا ان مشروعا واسعا ومتكاملا لمكافحة هذه الظاهرة المتفاقمة، يحتاج الى مقاربات متعددة مترابطة ومتسقة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية وصحية وأمنية وقانونية، وان مشروع التصدي يفترض فيه ان يعتمد أيضا على المدرسة والاسرة ووعي المواطن، وإعادة بناء منظومة القيم السامية في المجتمع.
ان برنامجا كهذا يتطلب وضع استراتيجية بعيدة المدى، لا تكتفي بمجرد ملاحقة المهربين والمتاجرين، بل وتعمل على تجفيف منابع الطلب، وترقية الوعي بالمخاطر، وتوفير البدائل للمواطنين، وفتح فضاءات جديدة للشباب، وتطوير منظومات المعالجة والتاهيل التي تحترم كرامة الانسان، وتوفر له فرصة حقيقية للعودة الى المجتمع والاندماج فيه.
ان التعامل الجاد مع هذه الظاهرة يفرض الإقرار بان استمرارها يحمل مخاطر جمة، وان الأمور وصلت الى حافة الكارثة المحدقة او انحدرت اليها، وهذا يتطلب حراكا غير تقليدي، ومداخل شاملة للمعالجة، لإنقاذ مجتمعنا وشبابنا من هذه الآفة.