اخر الاخبار

تطعّمت قوائم المتنفّذين بوجوهٍ لا ظلّ لها في عالم السياسة. لا يحمل أيٌّ منها فكراً سياسياً، ولا خبرة في العمل التنظيمي، ولا معرفة بالعلاقات الوطنية، ولا ممارسة تُذكر في الشأن العام. لا متابعة، لا معطيات ولا تحليل ولا موقف ولا قرار. وجوهٌ أطلّت فجأة، لا تعرف حتى عدد نواب دائرتها، ولم تقرأ قانون الانتخابات، ولم تكلف نفسها الاطّلاع على النظام الداخلي لمجلس النواب، ولم تسمع من الدستور سوى اسمه. دخلت السباق الانتخابي كما يدخل لاعب هاوٍ حلبةً لا يعرف قوانينها، مسلّحاً بالغرور والمال وصورٍ ازدحمت بها الأرصفة والمباني حتى شوّهت البصر والذوق معاً.

منهم من جاء من فضاء "السوشيال ميديا"، ظانّا أن جمع "اللايكات" يساوي جمع الأصوات، وأن السياسة مشهدٌ استعراضيّ آخر بين إعلانٍ ودعاية. ومنهم من خرج من الملاعب أو المسارح، يخلط بين الحضور البرلماني وظهور المشاهير، بين الجمهور والناخبين، وبين المجد الشخصي والصالح العام. وهناك من لا يفرّق بين التصريح والتجريح، ولا بين الخطاب والمسخرة.

وبلغ الجهل بإحدى المرشّحات ممن يدعين وصلا بالدين أن قالت، بعد البسملة: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، ظانّةً أنّها آية قرآنية. وألقى مرشح بيت أبو القاسم الشابي فقال: (إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلا بدّ يستجيب للقدر)، في مشهدٍ يختصر انحدار الوعي إلى دركٍ من الرثاثة.

لم يُدعَ هؤلاء لخدمة الوطن، بل لتجميل الوجه القبيح لقوائم المتنفذين، وتحصيل الأصوات لها عبر تسويقٍ رخيصٍ، لا يمتّ إلى أي مبدأ بصلة. صار المرشّح سلعةً تُباع وتُشترى، والمقعد النيابي صفقةً تُدار كما تُدار الحملات التجارية. المال السياسي يفيض من خزائن المتنفذين ومن جيوب الفاسدين، حتى تحوّلت الانتخابات من ممارسةٍ ديمقراطية إلى مزادٍ علنيّ لمستقبل البلاد.

ليست المشكلة في الجهلة الذين يترشّحون، بل في القوى التي تفتح لهم الأبواب وتمنحهم المنابر، ظنّاً منها أن الجماهير يمكن أن تُقاد كما يشتهي أصحاب النفوذ. وهكذا يُختطف المشهد الانتخابي من القوى الوطنية والإصلاحية التي تسعى لاستعادة حقوق الناس بالطرق الشرعية، بعد أن صادرها المتنفذون، لتُحاصر بين المال والنفوذ والدعاية الزائفة.

مع ذلك، يبقى في البلاد ما يُبقي الأمل حيّاً. فثمة قوى وطنية صادقة ما زالت تؤمن بأن العراق يمكن أن يُستعاد من بين أنقاض الخراب، وهي تقاوم بصمتٍ نبيلٍ من أجل العدالة والكرامة. هي ضمير الوطن الحيّ، تمشي بين الناس كبذرةٍ عنيدةٍ لا تموت، بل تُبرعم الرجاء في الأرض المتعبة، وتذكّر الجميع بأن الفجر طالع مهما طال الليل. فالأمل ليس شعاراً، بل فعل مقاومةٍ يوميّ، يكتبه المخلصون بعرقهم وصبرهم، ويعيدون به للبلاد معناها، وللإنسان مكانته، وللحلم حقه في الحياة.