رافقته أثناء عملنا معا أيام السبعينات في صحيفة "طريق الشعب" ، في القسم الفني بمطبعة الرواد. أمتاز كما بقية الرفاق بجدية فائقة في رسم الصحيفة يوم كانت تطبع باللاينو ، يرسم الصفحة في قسم المونتاج بدقة عالية وينهي عمله قبل الجميع، ليتفرغ لمتابعة المطبوع في باقي الأقسام..
كنا مجموعة شباب سمتنا التحدي والإصرار على إتمام مهامنا، رغم تعرضنا للمضايقات أثناء تدهور أوضاع الجبهة الوطنية. كان المرح سمتنا، نضحك من كل قلوبنا مطلقين الأغنيات عند توجهنا الى مطبعة الرواد وسط بيوت مديرية الأمن العامة، يوم كانت في منطقة القصر الأبيض قبل انتقالها الى بناية أخرى حديثة.
اصطبغت أحلامنا بوطن حر وشعب سعيد، بدماء انفراط الجبهة الوطنية بمرور الأيام. وتشتت شملنا وتوزع على بقاع الأرض الأربع، لكن أحلام انتشال لم تنته مثل أحلام الكثير من رفاقنا. وكمن ينتشل أماله من بين ركام الخيبات سعى انتشال وبكل جهد لترميم ما انكسر وتغذية الطموح، لجعل الحياة أكثر قابلية للعيش وفق مبادئ إنسانية خلاقة لا تنتهي.. واصل مسيرته الثقافية في توثيق جماليات الأماكن ورصد أنشطة رفاقنا الثقافية في الخارج، مثل مسرحيات جواد الأسدي ، عبر كاميرا بسيطة رسمت تاريخا. حارب الإحباط ببسالة واستعان بناشطين في مجال طباعة الكتب، وتمكن من نشر كتب أدبية وفنية منها كتاب عن الفوتغراف للمخرج قتيبة الجنابي. ثم عاد لاهتمامه بالصحافة عبر دراسة أكاديمية، فدرس وتخرج من كلية الصحافة في جامعة موسكو عام 1986 ، وتوجه بعدذاك للفن السينمائي فأسس مهرجان الفيلم العربي في روتردام بهولندا عام 2001. وواصل دأبه السينمائي حتى استعانت بقدراته كبريات المهرجانات العالمية السينمائية، ليصبح عضوا للجان التحكيم فيها ومن ثم مبرمجا لأفلامها.
التقيته في أبوظبي حيث عمل لمدة ثماني سنوات مديرا للبرامج العربية في مهرجان أبوظبي السينمائي، ومديرا لصندوق سند لدعم الأفلام، وبعدها لتقيته في مهرجان دبي السينمائي. وهكذا اكتسب انتشال شهرة عالمية حتى استعان به مهرجان الجونة السينمائي في مصر ليصبح مديرا له.
وفي كل مشاركاته حرص على فسح المجال للتعريف بالسينما العراقية، ومد عرى الصداقة والتعاون بين سينمائييها وسينما العالم، بل وتولى تكريم السينما العراقية في بينالي معهد العالم العربي في باريس وطوكيو، وبارما ، وبراغ ، والإسماعيلية .
واصل انتشال نشاطه السينمائي بحرفية عالية، فعمل مبرمجا للسينما العربية في الدورات السادسة إلى العاشرة لمهرجان سييفان للسينما الأسيوية والعربية في دلهي، ونشط عضوا في رئاسة مجلس إدارة منظمة " نيتباك" لتحفيز السينما الآسيوية.
يعاني انتشال اليوم من وضع صحي صعب، يخضع فيه لغسل الكلية مرات أسبوعيا، ومع ذلك يبقى متواصلا مع السينمائيين ويتابع المهرجانات بحرص شديد .. وفي لفتة لطيفة استذكرته أخيرا دار المدى واحتفلت بمنجزاته الفنية، وكان ذلك على هامش مهرجان السينما الأخير في بغداد.
لم يحضر انتشال من منفاه الاختياري في هولندا ، لكن وفاء الأصدقاء وعرفانهم بما قدمه من منجزات كان حاضرا بصورة بهية، عبر اكتظاظ قاعة المدى في شارع المتنبي بجمهور واسع من الفنانين والنقاد والصحفيين. كذلك كرمه أخيرا مهرجان هولندا لأفلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتباره الرئيس الشرفي للمهرجان، ومنحه جائزة لاهاي للسينما تقديرا لمسيرته وإسهاماته البارزة في دعم الفن السابع عربيا ودوليا.