قبل خمسة عشر عاما، وفي بقعة وارفة بظلال النخيل وأشجار السدر والليمون، حط حلم الأكاديمي والفنان والأديب الدكتور سلام حربة في بساتين منطقة الوردية على الطريق الزراعي في مدينة الحلة، ليؤسس شركة للإنتاج السينمائي باسم برج بابل. وربما استلهم الاسم، وهو سارح بأحلام وردية، من اسم المنطقة نفسها. وشرع بتأليف وإنتاج أول فيلم بعنوان " أحلام سعيدة" ، متناولا فكرة موظف بسيط رافض لكل أنواع التعسف والاضطهاد والمظاهر السلبية في المجتمع . يتعرض الرجل لحادث سيارة يفقده ذاكرته مؤقتا، ويجعله يحلم بأحلام سعيدة يتخيل فيها منجزات متحققة أمامه، من إعمار وتعليم متميز ومنشآت صحية راقية وغيرها ، ليصبح عرضة لسخرية الجميع، الذين متمنين عودته إلى حالته الأولى حتى وإن تم ذلك بتعرضه لحادث سيارة آخر.
ويحدث الأمر فعلا بعد مدة، ويرجع الرجل ثانية يطالب بحقوق المواطنة والرخاء الاقتصادي، محرضا الناس على الخروج بمظاهرة احتجاج.
نُفذ الفيلم ببطولة فنانين نجوم وبإمكانات محدودة، وأنفق حربة أموالا لتوفير مستلزمات التصوير والإنتاج وغيرها، من دون بهرجة أو ادعاء، معتمدا صدقا فنيا راقيا لإيصال رسائل لابد منها.
وتمر الأيام ويتعثر الحلم وتتبعثر الجهود، فلا داعم ولا مروّج للأفلام سواء من الجهات الرسمية أو من القطاع الخاص. لكن حربة يواصل جهوده السينمائية، فيخرج العديد من الأفلام القصيرة، ويكتب سيناريوهات لأفلام وأعمال درامية مهمة، منها فيلم " نجم البقال"، الذي أنتج ضمن أفلام بغداد عاصمة الثقافة العربية، على يد المخرج العراقي المغترب الدكتور عمار علوان، وكان من الأفلام الجيدة وحصد جوائز عربية وعالمية.
ولاحقا تم تأبين المخرج في أربعينية رحيله في مسرح الرشيد، لكن لم يتذكر أحد كاتب سيناريو الفيلم سلام حربة ولم تتم دعوته.
ولم تتعطل جهود حربة الفنية فعمد لكتابة الدراما التلفزيونية بمسلسلات عديدة، أهمها مسلسل شارع أربعين بثلاثين حلقة من إنتاج المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون عام 2001، ومسلسل ألوان الرماد بثلاثين حلقة لقناة السومرية عام 2005 من إخراج كارلو هارتيون، وأعمال أخرى للقناة العراقية منها مسلسل صندوق الأسرار بثلاثين حلقة ، وحرائق الرماد بثلاثين حلقة أيضا، فضلا عن كتابة أعمال فنية عديدة لقنوات عراقية أخرى.
ويستند حربة على ثقافة أكاديمية عالية وخيال باذخ في كتابة الرواية والقصة وله إصدارات مهمة منها رواية قيلولة ، وبيت طوفان، وقافز الموانع .. ولم يتوقف اجتهاده وكان آخر ما كتبه مسلسل طويل عن الشاعر مظفر النواب. لكنه رغم كل جهوده في الكتابة والإنتاج، يتوقف اليوم عند عدم دعوته من قبل مهرجان السينما الأخير في بغداد، موجها اللوم إلى المعنيين ويكتب على صفحته في الفيس بوك قائلا: " سؤالي أين الكتاب في هذه المهرجانات وخاصة كتاب السيناريو، لماذا لا يكون لهم الدور الأهم فيها لأنهم خالقوا النصوص وهم الحلقة الأهم في الفن؟ ويتساءل : هل هناك فن جيد من دون نص جيد في السينما والتلفزيون والمسرح .. ألم يقل الفريد هتشكوك : السيناريو أولا والسيناريو ثانيا والسيناريو ثالثا؟!