اخر الاخبار

وكالات

كشف انتخاب زهران ممداني لمنصب رئيس بلدية مدينة نيويورك عن اتساع الهوة بين الناخبين اليهود الديمقراطيين التقليديين والناخبين التقدميين الشباب، الأمر الذي قد يعيد تشكيل المشهد السياسي لسنوات في المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل.

ورغم اتهامات بمعاداة السامية بسبب دعمه الفلسطينيين ضد حرب الإبادة الإسرائيلية، تمكن ممداني، وهو اشتراكي ينتمي للحزب الديمقراطي، من التغلب بسهولة على آندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك السابق (ديمقراطي) الذي خاض انتخابات رئيس البلدية مرشحاً مستقلاً. واستفاد ممداني، المسلم المهاجر، من موجة غضب حيال الإبادة في غزة بين بعض الديمقراطيين واليهود الأميركيين. وتجلى ذلك في احتجاجات في جامعة كولومبيا في ربيع العام الماضي دعمها ممداني. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث العام الماضي أن نصف الأميركيين اليهود تحت سن 35 عاماً قالوا إن النهج الذي اتبعته إسرائيل في الحرب مقبول، مقابل 68% من اليهود الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً فأكثر.

وفي نيويورك، أظهرت استطلاعات لآراء الناخبين لدى الخروج من مراكز الاقتراع أن نحو ثلث الناخبين اليهود المشاركين في الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء أيدوا ممداني، وهو ما ساهم في تحقيق فوز أثار قلق خصومه اليهود غير المعتادين على دعم المرشح الخاسر. وقالت هيندي بوبكو، نائبة رئيس الاتحاد اليهودي في نيويورك، وهي منظمة يهودية كبرى غير ربحية: "في صباح اليوم التالي للانتخابات، استيقظ كثيرون من أفراد مجتمعنا وهم يشعرون بالقلق. هناك الكثير من الغموض حول كيف سيتصرف رئيس البلدية ممداني بعد توليه المنصب".

وسرعان ما واجه ممداني اختباراً، فعندما نُقشت كتابات معادية للسامية على جدار مدرسة يهودية في بروكلين في الساعات التي تلت انتخابه، ندد رئيس البلدية المنتخب بهذا الفعل. وقال عبر منصة إكس: "بصفتي رئيس بلدية، سأقف دائماً بثبات مع جيراننا اليهود لاستئصال آفة معاداة السامية من مدينتنا".

 

"عولمة الانتفاضة"

عبر معارضو ممداني اليهود عن قلقهم إزاء رفضه التنديد بعبارة "عولمة الانتفاضة"، وهو شعار دعم للفلسطينيين يفسره البعض بأنه دعوة للعنف ضد اليهود. وبعد ترشيحه، أبلغ ممداني مجموعة من قادة الأعمال في أحاديث خاصة أنه لن يستخدم هذه العبارة، وسيثني آخرين عن استخدامها، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يوليو/تموز. وقال إنه يدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تدعو إلى المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل.

وأطلقت رابطة مكافحة التشهير، الأسبوع الماضي، ما عرف باسم "مرصد ممداني" لمراقبة اختياراته للمناصب التنفيذية وغيرها من القرارات التي قد تلحق ضرراً بالمجتمع اليهودي. كما أنشأت خطاً هاتفياً ساخناً للإبلاغ عن حوادث معاداة السامية في نيويورك. وقال جوناثان غرينبلات، الرئيس التنفيذي للرابطة: "مهمتنا بسيطة للغاية - حماية الشعب اليهودي".

 

استمالة الناخبين

وفي ظل الانقسامات بين الديمقراطيين بشأن جرائم إسرائيل في غزة، حاول الرئيس الأميركي المنتمي للحزب الجمهوري دونالد ترامب، المؤيد القوي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتهم في المحكمة الجنائية بارتكاب جرائم حرب، إقناع الناخبين اليهود بأن حزبه هو الخيار الأفضل لهم. وجاء هذا المسعى رغم أن منافسة ترامب في انتخابات 2024 الديمقراطية كامالا هاريس فازت بنسبة 79% من أصوات اليهود البيض في عام 2024، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

وقال ترامب، يوم الثلاثاء، إن أي ناخب يهودي يدعم ممداني هو "شخص غبي". وهزت اتهامات تتعلق بمعاداة السامية الحزب الجمهوري بعد أن استضاف المحلل السياسي اليميني تاكر كارلسون السياسي القومي نيك فوينتس الذي يروج لتفوق البيض، الشهر الماضي، في مقابلة عبر البودكاست الذي يقدمه.

وتعرض كارلسون، الذي عمل سابقاً في قناة فوكس نيوز، لانتقادات شديدة من جانب النواب الجمهوريين بمن فيهم السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس، الذي قال هذا الأسبوع "إن حفنة من الأصوات تنشر هذه القمامة، وهذا يضعنا جميعاً أمام لحظة اختيار".

ويخطط الجمهوريون لاغتنام فرصة انتخاب ممداني لكسب المزيد من الدعم اليهودي في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، عندما تكون السيطرة على الكونغرس على المحك. وقد يكون هذا الدعم محورياً في الدوائر المتأرجحة، مثل الدائرة التي يمثلها الجمهوري مايك لولر شمالي مدينة نيويورك. وقال فورد أوكونيل، وهو خبير في شؤون الحزب الجمهوري: "إن صعود ممداني إلى قصر غرايسي (مقر رئيس بلدية نيويورك) قد يعيد كتابة قواعد اللعبة بالنسبة للجمهوريين، ويعزز قبضتهم على مجلس النواب".

ومن المتوقع أن يلعب ممداني دوراً مؤثراً في سباق العام المقبل على منصب حاكم نيويورك. وكانت إليز ستيفانيك، وهي حليفة بارزة لترامب، أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها ستسعى للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، وهاجمت الحاكمة الديمقراطية كاثي هوكول لتأييدها ممداني.

 

كتلة غير متجانسة

وشكل غلاء الأسعار وتكاليف المعيشة في المدينة عاملاً أساسياً في حملة ممداني، إذ أدى إلى تعزيز الدعم بين الناخبين التقدميين الشباب، حتى إن بعض منتقدي ممداني، مثل غرينبلات، يعزون فوزه إلى تركيزه المستمر على القضايا الاقتصادية. وأشار أنصار ممداني اليهود إلى أن الانتخابات تثبت أن أصوات اليهود بعيدة كل البعد عن أن تكون متجانسة.

وقالت روني زهافي برونر (26 عاما)، وهي إسرائيلية شاركت في حملة ممداني: "أدعم ممداني ليس رغم مواقفه من إسرائيل وفلسطين، بل بسببها... بالنسبة لي، التنديد بالإبادة الجماعية ليس مخاطرة كبيرة". والتف آخرون حول كومو (67 عاما) بسبب دعمه إسرائيل. وقالت أليسون ديفلين (50 عاماً)، وهي يهودية مقيمة في مانهاتن صوتت لكومو: "أشعر بالإحباط. أشعر بالقلق بالتأكيد لأنني يهودية وصهيونية". وأضافت: "لا أعرف ماذا سيحدث. لا أعرف إن كنت سأبقى في المدينة بعد هذا".

وعبرت كورين غرينبلات (27 عاماً)، التي تعمل في قطاع التعليم العالي في المدينة، عن تقديرها للطريقة التي اتبعها ممداني "في التواصل مع مجموعة واسعة حقاً من المجتمع اليهودي، وليس فقط أولئك الذين يتفقون معه سياسياً تماماً، لأن المجتمع اليهودي متنوع سياسياً للغاية". وقالت إن الحرب على غزة أحدثت "تغييراً جذرياً في السياسة اليهودية الآن، حيث بات واضحاً تماماً أن هناك يهوداً مؤيدين لفلسطين، ويهوداً مؤيدين لإسرائيل. وهناك يهود لا تربطهم أي علاقة بإسرائيل".

وقال آندروي كاهن، وهو حاخام من بروكلين، إن ممداني أكد مراراً التزامه بمكافحة معاداة السامية وانتقد جماعات مثل رابطة مكافحة التشهير "بسبب تعميق الانقسام من خلال استخدام الخوف اليهودي ذريعةً للمراقبة". وقال كاهن: "دعونا نعطيه فرصة لإثبات أن التزامه بمكافحة معاداة السامية حقيقي، ولنعمل معه على بناء جسور التضامن بين المجتمعات بما يضمن مزيداً من الأمان لجميع سكان نيويورك".