اخر الاخبار

العربي الجديد

يؤخذ على الانتخابات البرلمانية التي من المفترض أن تُجرى في العراق الشهر المقبل (11 نوفمبر/ تشرين الثاني)، أنها خالية من البرامج التي يقدمها المرشحون للناخبين، فيما يتمظهر السباق الانتخابي باللافتات والصور في الشوارع والساحات، من دون أن تظهر أيّ برامج انتخابية للأوضاع السياسية والخدمية والاقتصادية. ويتنافس أكثر من 7900 مرشح على 329 مقعداً نيابياً في الانتخابات التي يقاطعها كثير من العراقيين؛ لشعورهم باليأس من حدوث أي إصلاحات بنيوية في الدولة العراقية التي تُدار بطريقة المحاصصة الحزبية والطائفية، فيما يشير مراقبون إلى أن أعداد المتنافسين في الانتخابات العراقية المرتقبة غير مسبوق في العالم.

وبحسب مصادر من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإنّ "أعداد المرشحين عالية في هذه الانتخابات لأن قانون الانتخابات الحالي (سانت ليغو) يسمح للأحزاب بتسجيل قوائم كاملة بعدد المرشحين في كل دائرة مضروباً في اثنين"، مبينة لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر من 400 حزب يشارك في الانتخابات، فيما بلغت التحالفات السياسية نحو 140 تحالفاً، وفي بغداد مثلاً يتنافس نحو 5 آلاف مرشح على 65 مقعداً في مجلس النواب المقبل".

وأضافت "الانتخابات الحالية تخلو من برامج المرشحين التي من المفترض أن تكون مقنعة للناخبين، لأنّ غالبية المرشحين يتعكّزون على أصوات عشائرهم وأبناء جلدتهم، في حالة دعم شعبي لمرشح قد يكون غير مؤهل أصلاً ليكون في البرلمان"، موضحة أنّ "المفوضية تركز على المال الذي يُنفق على الحملات الانتخابية، والخروقات التي قد تحدث في الدعايات الانتخابية، ناهيك عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية والرقابية والقضائية في حال كان المرشح محكوماً بقضايا مخلة بالشرف أو منتمٍ لتنظيم أو حزب محظور، وأن المفوضية لا تستبعد المرشحين بطريقة مزاجية إنما لأسباب حقيقية".

ويشير مراقبون إلى أنّ التصنيفات السياسية المعروفة في العراق هي الأخرى ذابت في الانتخابات المرتقبة، وتحديداً مفاهيم "الإسلامي والمدني والليبرالي"، لأن الأحزاب تعمل حالياً على شحن جمهورها بالمال والحملات الدعائية الضخمة، التي تنفق عليها الأحزاب والتحالفات المليارات، في دلالة على تراجع القيم السياسية وارتقاء الخزائن المالية لهذه الأحزاب، التي تتهم بأن أموالها "مسروقة من الدولة العراقية عبر مشاريع لم تكتمل وصفقات مشبوهة".

الانتخابات العراقية المرتقبة فرضت حالة من التشاؤم على معظم المراقبين والمحللين، ولا سيّما أن الانتخابات استحالت من أداة ديمقراطية للتغيير، إلى حالة مكررة ضمن نفس الدائرة التي يشهدها العراق منذ عام 2003، ومن دون وجود حلول أو مخرجات للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن طريق مجلس النواب القادم، مع هيمنة للوجوه القديمة، ما زاد رقعة المقاطعين للانتخابات، بطريقة عفوية، عدا التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر، الذي اختار طريق المقاطعة.

في السياق، قال محمود الدباغ، وهو عضو المكتب التنفيذي في حراك "البيت العراقي"، إن "عدم وجود البرامج الانتخابية يُعدّ نتيجةً متراكمة للقواعد المشوّهة التي أرسى دعائمها النظام السياسي بعد عام 2003، التي ركّزت على الشريحة الزبائنية من الناخبين، فقد أصبح الاهتمام منصبّاً على المنافع المادية المباشرة التي يحصل عليها الناخب، بعيداً عن البرامج الانتخابية للمرشحين التي يفترض أن تسهم في تحقيق التنمية وتنفيذ المهام الدستورية داخل قبة البرلمان".

وأكمل الدباغ، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "هذا المؤشر هو دليل واضح على غياب الوعي الديمقراطي لدى الأحزاب السياسية ومرشحيها، إلى جانب وجود تجهيلٍ متعمّدٍ للناخبين بهدف حرمانهم من إدراك حقوقهم السياسية التي تمكّنهم من المطالبة ببرامج انتخابية حقيقية"، مضيفاً أن "هذا الواقع أسهم في إحداث قصورٍ تشريعي مستمر على مدى الدورات البرلمانية السابقة، واقتصر دور النائب على خدمة جمهوره ضمن الإطار الزبائني ذاته، ما أدى إلى تقويض أي إمكانية للتقدم في الحياة السياسية في البلاد".

أما الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، فقد لفت إلى أن "الزحام الانتخابي من المتنافسين غير المسبوق سببه المال المسروق من الدولة"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "غياب البرامج الانتخابية يمثل أعلى حالات الفراغ السياسي ليس للمرشح وحزبه فحسب، بل لشكل النظام الذي صار يتعامل مع الدولة العراقية بوصفها مصرفاً مالية يدر مليارات الدولارات، وليس أكثر من ذلك".