اخر الاخبار

العربي الجديد

للأسبوع الثاني على التوالي، تعيش محافظة السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق شمالي البلاد، والتي يسيطر عليها عملياً حزب الاتحاد الكردستاني بزعامة بافل الطالباني توتراً أمنياً وانتشاراً لوحدات عسكرية خاصة مرتبطة بالحزب، إثر عمليات ملاحقة طاولت عدداً من القيادات والناشطين السياسيين المعارضين للطالباني.

عمليات الاعتقال، التي تأتي بالتزامن مع بدء المفوضية العليا للانتخابات في بغداد المصادقة على قوائم الأحزاب والقوى السياسية التي ستخوض الانتخابات العامة بالعراق في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، خيمت أمنياً على المحافظة، وشهدت عمليات إغلاق محطة فضائية وموقع إخباري، واعتقال ناشطين ومدونين على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك.

ولم يتخلل الأحداث التي تجري في السليمانية أي تدخل، سواء من أربيل بوصفها الحكومة المحلية لإقليم كردستان، أو بغداد التي اكتفت بإصدار بيانات تدعو فيها إلى "احترام القانون" و"عدم الإخلال بالنظام"، فيما برز مساء الجمعة الماضي موقف للسفارة الأميركية، إذ أشارت عبر حسابها على منصة إكس، إلى أن "بعثة الولايات المتحدة في العراق تتابع الوضع في السليمانية عن كثب، وتؤكد رفضها لأي أعمال عنف تهدد السلامة العامة والاستقرار، كما تحثّ جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس".

ونفذت وحدات "الأسايش"، وهو جهاز الأمن الخاص المرتبط بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ويديره رئيس الحزب بافل الطالباني، في 12 أغسطس/آب الحالي، عملية اعتقال لأبرز قيادات التيار المدني الليبرالي المعارض، وهو شاسوار عبد الله، زعيم حركة الجيل الجديد، تحت غطاء وجود مذكرة توقيف قضائية بحقه. كما طاولت عمليات الاعتقال، في الوقت ذاته، شخصيات مدنية مماثلة تحت الذريعة ذاتها، التي جاءت تحت عنوان "الإخلال بالأمن" من محكمة السليمانية الواقعة أساساً تحت تأثير الحزب الحاكم في المدينة، تلتها فجر أول من أمس الجمعة عملية محاصرة مقر إقامة رئيس حزب جبهة الشعب، لاهور شيخ جنكي، وهو الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قبل أن يطاح منذ سنوات. ودارت مواجهات عنيفة بين حماية شيخ جنكي وأفراد الأمن الذين حاصروا المكان، استمرت عدة ساعات، قبل أن يقبَض عليه مع نحو 40 شخصاً من مرافقيه وأفراد حمايته، وشقيقه بولاد شيخ جنكي وناشطين سياسيين في حزبه. وتم الإعلان عن مقتل ثلاثة من عناصر الأمن وجرح آخرين بالمواجهات من كلا الجانبين.

 

شيخ جنكي شكك بوجود أمر قضائي باعتقاله

شيخ جنكي، الذي كان يشغل سابقاً منصب الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني، كان قد شكك بوجود أمر قضائي باعتقاله. وقال، وفقاً لتسجيلات صوتية نشرها خلال محاصرته بمقر إقامته والفندق القريب منه، إنه لم يتلق أي تبليغ من القضاء، ويعتقد أن أمر الاعتقال صادر عن بافل الطالباني، الذي يجتمع مع كبار قادة الأجهزة الأمنية في السليمانية ويتخذ بدلاً من الحكومة القرارات المهمة، بما فيها الأمنية والقضائية. وأضاف: لا توجد حكومة في السليمانية، فكل شيء يخضع لإرادة رئيس حزب الاتحاد، والحكومة غائبة تماماً. وأشار إلى أن قياديين عراقيين، بينهم زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، اتصلت به وعبرت عن رفضها لما يحدث.

لكن مدير شرطة السليمانية، آرام محمد صالح، قال إن أمر اعتقال لاهور شيخ جنكي صدر "عن محكمة تحقيق أمن محافظة السليمانية، وذلك وفقاً للمادة 56 من قانون العقوبات العراقي"، معتبراً أن عملية الاعتقال جاءت وفقاً لمذكرات قضائية ضده. وصدرت، الخميس الماضي، مذكرة توقيف عن محكمة تحقيق الأمن في السليمانية استناداً إلى المادة 56 من قانون العقوبات العراقي، التي تنص على "ملاحقة من يخطط أو يتفق مع آخرين على ارتكاب أفعال تهدد الأمن والاستقرار العام".

 

إجراءات معقدة في السليمانية

المعادلة المعقدة سياسياً وأمنياً في إقليم كردستان فرضت وجود جناحين للبشمركة، وجناحين لقوات الأمن (الأسايش)، وسلطات للسليمانية شبه مستقلة عن أربيل. وسعت الولايات المتحدة وفرنسا تحديداً طوال العقدين الماضيين لتوحيد الجانبين أمنياً وإدارياً، لكن ذلك لم يتم على أرض الواقع. وفرض بافل الطالباني، وهو النجل الأكبر لزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني الذي توفي في العام 2017، إجراءات أمنية وسياسية معقدة في المحافظة، ضمن مسعى يؤكد مراقبون أنه يهدف لاحتكار المشهد السياسي بيديه ولو بالقوة، بعد تراجع شعبيته في السنوات الأخيرة وازدياد الانشقاقات من حزبه، وكان أبرزهم الرئيس العراقي السابق برهم صالح وقياديون آخرون أسسوا الحزب مع والده، أبرزهم ملا بختيار. ويعتبر بافل الطالباني الحليف الموثوق لإيران وللفصائل المسلحة المرتبطة بها، خاصة جماعتي "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي و"بابليون" بزعامة ريان الكلداني.

وجاء اعتقال لاهور شيخ جنكي بعد أيام من اعتقال شاسوار عبد الواحد. وأفادت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" بأن "رئيس الجمهورية السابق برهم صالح وبعض قادة الحزب السابقين، مثل النائبة السابقة آلا طالباني وملا بختيار، أبلغوا بأنهم سيكونون أهدافاً إذا قاموا بأي تحركات جديدة لهم في إطار مواجهة حملة بافل الطالباني ضد خصومه بمدينة السليمانية".

 

"شراكة" بين بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي

وكان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (يكتي)، الذي يحكم مدينة السليمانية، ثاني أكبر مدن إقليم كردستان العراق، يُدار منذ وفاة مؤسسه جلال الطالباني في 2017 بالشراكة بين بافل الطالباني مدعوماً بوالدته هيرو إبراهيم أحمد (زوجة جلال الطالباني)، ولاهور شيخ جنكي، ابن شقيق الطالباني والقيادي الفاعل بالحزب. لكن في مطلع أغسطس 2021، قاد بافل الطالباني حملة على شيخ جنكي وأعضاء آخرين من قيادة الحزب وجرّدهم من مناصبهم.

وقالت مصادر سياسية من مدينة السليمانية، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حدث في السليمانية أخيراً طبيعي بعد سلسلة التصفيات التي شهدتها المدينة ضد من وقف بوجه بافل الطالباني، لكن العنف الذي وقع تجاه لاهور شيخ جنكي كان مبالغاً فيه، وكان من المفترض ألا يحدث وسط مدينة سكنية ومدنيين تعرضوا لخسائر مادية كبيرة بسبب الهجوم المسلح الذي أسفر عن احتراق نحو 50 سيارة وتضرر كبير في الفنادق والأبنية القريبة من مقر شيخ جنكي". وأكدت أن "بافل الطالباني يتجه لتصفية أي وجود لقوى المعارضة في السليمانية، على أمل الحصول على غالبية أصوات المحافظة في الانتخابات المقبلة، خصوصاً أن أكثر من نصف أصواتها تذهب للقوى المعارضة".

ورفض معظم أعضاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التعليق للصحافة بأمر من بافل الطالباني، إلا أن أحدهم تحدث مع "العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، وقال إن "معظم أعضاء الحزب فوجئوا بقرار الهجوم على مقر لاهور شيخ جنكي في حي سرجنار وسط مدينة السليمانية، حيث لم تكن هناك أية بوادر سبقت الحدث تؤشر إلى وقوع اشتباك، ما يعني أن بافل الطالباني اتخذ القرار بنفسه ومن دون مشاورة المكتب السياسي للحزب". وأوضح أن "بافل يريد السيطرة على الحياة السياسية في مدينة السليمانية، لا سيما وأنه أطاح قائد حزب الجيل الجديد قبل ذلك، وهمّش دور برهم صالح، وهو قيادي بارز، ولم يبق غير بافل وبعض من رفاقه ممن يريدون البقاء لوحدهم في الحكم".