كان لعصر التنوير الأثر الكبير على الكاتب الألماني الكبير ليسنك، وقد تتوج هذا التأثير في مسرحية "ناتان الحكيم" امتدت للفترة الأدبية المعروفة باسم عصر التنوير تقريبًا 1720 - 1790. وتُعد فجر العصر الحديث في الأدبِ وسائر الشؤون الحياتية، وقد جاء روادها من البرجوازية الأوروبية، الذين ناضلوا من أجل الحرية والفكر، وتمردوا على هياكل السلطة السائدة. وكان من المبادئ الأساسية لعصر التنوير أن على كل فرد استخدام عقله الخاص، وبالتالي تحرير نفسه من الظلم. نشأت هذه الفكرة مع الفيلسوف إيمانويل كانط، الذي ساهم بشكل كبير في تشكيل هذا العصر.
وكان يُنظرُ إلى عصر التنوير بأنه مجرد فترة أدبية في القرن الثامن عشر، أعقبت عصر الباروك، وبالتالي فُهم على أنه انتقال من العصر الحديث المبكر إلى الحداثة. وشملت الحركات المضادة لعصر التنوير: عصر (العاصفة والاندفاع)، اللتين تطورتا أيضًا من منتصف القرن التاسع عشر فصاعدًا. على النقيض من هذه الحركات، التي اتسمت بالعاطفة والعبقرية، اعتبر عصر التنوير العقلانية أهم الصفات الإنسانية. استُخدم مصطلح (التنوير) لأول مرة حوالي عام 1770 لوصف تلك الحقبة في البلدان الناطقة بالألمانية. وقد صاغ كانط مصطلح (التنوير) في مقالته الشهيرة ( ما التنوير؟) المنشورة في مجلة برلين الشهرية عام 1784. أما في الفرنسية، فيُستخدم مصطلح (قرن الأنوار) بينما في البلدان الناطقة بالإنكليزية، فيُطلق على عصر التنوير اسم (التنوير أيضاً)، حيثُ يرمز نور المعرفة إلى جلب النور إلى ظلمات العصور الوسطى. وبناءً على ذلك، كان من أهم اهتمامات عصر التنوير تحرير الناس من تبعية العصور الوسطى للنبلاء والكنيسة.
وفي العودة لمسرحية (ناتان الحكيم)، والتي تعد مسرحية فلسفية من تأليف غوتهولد إفرايم ليسينك، والتي نُشرت في عام 1779. استعان ليسينك بمصادر أدبية وتاريخية عديدة أثناء كتابتهِ للمسرحية، حيثُ تعد هذهِ المسرحية المتقنة من حيث النص والهدفِ والمضمون مسرحية تستكشف مُثُل عصر التنوير في التسامح ونظرة عميقة للإنسانية. تدور أحداث المسرحية في القدس خلال الحملة الصليبية الثالثة عام 1192. عنوان المسرحية يشير إلى التاجر اليهودي ناتان، الذي تُجسّد شخصيته انسجامًا تامًا بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. ومثلُها كمثلِ مسرحية (إفيجينيا في تاورس) لغوته. ولأهمية مسرحية (ناتان الحكيم)، فإنها تُدرّس ضمن المناهج الدراسية في ألمانيا منذ أوائل القرن التاسع عشر. خلال فترة الديكتاتورية النازية، وقد مُنعت المسرحية لتصويرها أفعالًا نموذجية لبطل المسرحية ناتان. تُعد المسرحية من أهم أعمال الكلاسيكية الألمانية، وتُعبّر عن رؤية مثالية للإنسانية. على خلفية الحملة الصليبية التاريخية، يخلق ليسينك واقعًا مُعاكسًا مُسترشدًا بمُثُل عصر التنوير.
ويُعدّ (الخاتم) محور المسرحية وحيث يرمز ليسنك إلى جميع مُثُل التنوير في التسامح والتعايش. وكان اعادة صياغة موضوع أدبي شائع الاستخدام ومتداول في الثقافات العالمية، ليوظفه في فكرة اندماج الثقافات. في أوائل القرن الثالث عشر، كتب الكاتبُ الإيطالي (جيوفاني بوكاتشيو) قصة مشابهة في مجموعته القصصية (ديكاميرون). باستخدام مثل الخاتم أيضاً. وفي المسرحية يحاول ناتان الحكيم تجنب معضلة مُستحيلة. وحين يسأله السلطان أي الطوائف الدينية الرئيسية (يهود، مسيحيون، أم مسلمون) على حق. وهنا لابد أن نشير إلى تلك الحقبة التي كُتِبتْ فيها المسرحية سادت فيها الصراعات بين الشرقِ والغرب للاستحواذ على القدس. وكان الصراع مريراً على الشرق الأوسط والمدينة المقدسة (القدس) على أشده. كان ذلك في زمن الحملة الصليبية الثالثة، كان السلطان مهتمًا بحل هذا الصراع الدموي. يُجيبه ناتان بقصة (الخاتم):
ينتقل الخاتمٌ المقدس والقادر على إرضاء الله والإنسان من الأب إلى ابنه المُفضّل. ويتمكن هذا الابن أن يُورثه كذلك إلى أحد أبنائهِ المفضلين لديهِ، حيث ان الأبٌ لديهِ ثلاثة أبناء، لا يُفضّل أيّاً من أبنائه لِذا صنع خاتمين إضافيين مشابهين للخاتم حتى لا يعرف أيُ أحدٍ منهم الخاتم الأصلي. وبدأ الأبناء يتجادلون حول أصل الخاتمين المصنعين، تماماً كما يتجادل اليهود والمسيحيون والمسلمون حول الدين الحق.
ويلجؤون إلى المحكمة لإيجاد الخاتم المفضل، أو معرفتهِ. ولم يتوصل القاضي إلى قرار حول أيُ الخواتمِ هو الأصل. عندها نصح بإثبات أصل كل خاتم من الخواتم الثلاثة وأن يثبت ذلك في التعايشِ والتفاهمِ فيما بينهم.
(ناتان الحكيم) لعب الدور الريادي في الأحداث وفي تقريب وجهات النظر بين الراهبِ الذي يمثل الديانة المسيحية، وبين صلاح الدين الأيوبي الذي يمثل الديانة الإسلامية، وقد سعى ليسينك إلى تعزيز مثاله التنويري عن الحركات الدينة التي كانت سائدة في تلك الحقبة، ونظر إليها بعقلانية كبيرة وبفكرٍ تنويري أيضاً. وقد تأثر مفهومه للدين تأثرًا شديدًا بالاعتبارات العقلانية، والنظر الى التدين الذي يقوم على العقل، ويختلفُ اختلافًا كبيرًا عما يُسمى بالموروثات الدينية السائدة، ليُمثل التوافق والتناغم بين الأديان ويسود المفهوم الشامل للتدين القائم على العقل والاعتبار العقلاني انطلاقًا من روح عصر التنوير، مؤكداً على قوة العقل في صنع السلام.
ان أهم مُخرجاتْ عصر التنوير هو زوال الفوارق الطبقية وإمكانيات التعليم الجديدة، حيثُ تغيرت النظرة إلى العالم وفهم الإنسانية، حينَ برز الفرد ككائن مستقل. وقد أوجزَ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط عصر التنوير بسمتين حين قال:
(تحلّ بالشجاعة لاستخدام فهمك الخاص).
(التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي فرضه على نفسه).
وخلاصة ما ذهبَ إليه كانط هو أن البشر يمتلكون القدرة الفطرية والحق في التفكير العقلاني. ومن هنا انبثق هدف اكتشاف الأفراد لكفاءاتهم الذاتية، وعيش حياة يقررون مصيرها بأنفسهم من خلال التعليم. وقد أُشير إلى هذا التطور أيضًا باسم التحرر.