اخر الاخبار

من مداخلة كتبتها بسبب التراجع الخطير في الانتخابات.

المشكلة التي يواجهها الحزب الشيوعي وبقية التجمعات والحركات المدنية اليسارية في الانتخابات المحلية تكمن في ضعف قدرات الحزب الإعلامية وحتى الإعلانية، والأخطر في طبيعة تحالفاته الانتخابية التي كثيرًا ما تأتي متأخرة ومرتبكة ومستعجلة، دون وعي بحقيقة سير الانتخابات وآلياتها وتوجهاتها.

الوعي وتحرير الوعي الانتخابي يفترض القيام به من الآن، وليس قبل شهر أو حتى ستة أشهر من بدء الانتخابات.

التحضير للانتخابات ودراسة عناصر الضعف والقوة في القوائم المتنافسة ليس بالأمر العسير، كما أن شروط الحملة الانتخابية تبدأ من نقطة اختيار الشعار المختزل والمؤثر بلغته وحجم حروفه، إلى لون الصورة أو البوستر أو الجدارية، ثم إلى المكان المخصص لها.

مشكلة الحزب أنه ينطلق بحملته على أساس أنه من الأحزاب التاريخية المعروفة بنضالها ونزهتها والتصاقها بشعبها، متجاهلًا عدم قدرة الأجيال الصاعدة على فهم هذه المعادلة السياسية الموجودة كحقيقة داخل الحزب وفي عقول وعواطف أعضائه، لكنها غائبة في الشارع وبين فئات اجتماعية مشغولة في لقمة العيش وصعوبة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وطبعا السياسية منها.

هناك ضعف في الوعي والإدراك السياسي لفهم تقلبات المجتمع، الذي بات ضحية لوسائل إعلام مبتذلة، ومواقع تواصل منحرفة، وحصانة فكرية غير متوفرة.

لهذا أقول: إن الحزب بحاجة إلى طاقات شبابية كبيرة متغلغلة في صفوف الجماهير، تبث الوعي والمعرفة، ومعرفة كيف يفكر المواطنون، ومن أي شيء يتذمرون، وكيف ينظرون إلى المستقبل كما هم يتصورون.

الدراسات والمناهج الأنثروبولوجية الحديثة في علوم الاجتماع أصبحت مهمة جدًا لمعرفة تقلبات المجتمع وتوجهاته الآنية والمستقبلية.

وأنا هنا أتحدث كصديق، أشعر أن الفشل المستمر في الانتخابات ربما سيقوض وجود الحزب كحركة سياسية نضالية جماهيرية تراكمية، وكمقدرة تفاعلية تراتبية، والسبب يكمن في ضعف الاستخدام الأمثل لقدراته وتثوير الثقافة الحزبية كمنظومة معرفية متواصلة مع الجماهير، وليست منقطعة ومبتسرة، تتمظهر من خلال المهرجانات الموسمية فقط.

أشعر أن هناك هوة عميقة بين فكر الشباب المتحول وتعليمات الكهول الثابتة؛ إنها تفرعات في المنطلقات الحزبية وفي الأصول، تبدو لي أنها آخذة في التجذر بسبب الإهمال وضعف المعالجة أحيانًا، وربما تجاهل أهميتها وخطورتها في معانٍ أخرى.

إن البحث عن المعنى هو ديدن الفلاسفة والمجددين، الذين يحذرون من البناء على أنقاض التجارب القديمة الفاشلة التي ظلت طريقها في مقابر الأوهام.

لا بد من دراسة وتحليل مناهج الحياة السياسية القديمة، وترك الفائض منها، ووضع آليات جديدة باستخدامات معرفية متطورة، لأن القديم – حتى القديم من الأفكار – يجب أن يُقرأ بوعي سياسي جديد. تحرير الوعي مسألة مهمة في التوجهات والدراسات الحداثوية المعاصرة، في ظل مجتمعات وعوالم تعتمد على التحديث المستمر. ولا ننسى أننا نعيش عصر الذكاء الاصطناعي، الذي سيقوض الكثير من الأفكار والعقائد البليدة، والجهل المقدس، والعبودية المختارة، والمواطن المستقر الذي تؤدلجه النظم الرأسمالية البغيضة.

من ثبات القول: إن التجديد بات مطلوبًا، والبحث عن قيادات شابة ملهمة ومؤثرة من أولويات التطوير الحركي والتفاعل الجماهيري. والحياة في النهاية هي فن التدريب على الابتكار والإبداع وقيم الجمال.