اخر الاخبار

ولد سعدون لولاح حمادي في كربلاء سنة 1930، وتخرج في الجامعة الامريكية في بيروت وانتمى فيها سنة 1949 إلى حزب البعث، وهو من الجيل المؤسس للحزب في العراق، حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من الولايات المتحدة الامريكية.

أول منصب تولاه كان وزير الإصلاح الزراعي في وزارة البعث الأولى بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، وبعد عودة البعث إلى السلطة عبر انقلاب 17 تموز 1968، عين رئيساً لشركة النفط الوطنية (1968-1969) ثم وزيراً للنفط (1969-1974) وللخارجية (1974-1983)، ثم نائباً لرئيس الوزراء ثم رئيساً للوزراء سنة 1991 إلى جانب توليه رئاسة ما كان يسمى بالمجلس الوطني لدورات عدة.

 اعتقل بعد سقوط نظام البعث في 9 نيسان 2003، وعندما أطلق سراحه لجأ إلى قطر سنة 2005 حيث توفي سنة 2007

 بدأ حمادي بكتابة مذكراته سنة 1996، وصدر الجزء الاول منها في بيروت سنة 2022 من قبل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وفي المذكرات الكثير من المغالطات والأفكار البالية التي اتسم بها البعثيون تجاه التطورات السياسية الداخلية التي شهدها العراق خلال المدة (14 تموز 1958-9نيسان 2003)، كان الرجل يعيش خائفاً في ظل حكم حزبه، لم يعرف بالجرأة والشجاعة في مواقفه، بل كان مسايراً لنظام حزبه ويردد أدبياته، اذ حمل عبد الكريم قاسم مسؤولية إحياء التمرد في (الشمال) سنة 1961، ويصف الثوار الكورد بالمتمردين، والبيشمركة بالمليشيات وحرص على عدم ذكر كلمة كوردستان في الـ(440) صفحة من الجزء الأول من مذكراته.

 ومما يدل على هاجس الخوف لديه لم يدل بأية معلومات عن حزبه وحياته السياسية خاصة بعد أن فصل من مناصبه بعد غزو العراق للكويت، كما أنه رفض مقابلتي سنة 1994 لأغراض البحث العلمي، وأغلب الظن أنه انزوى في داره وامتنع عن مقابلة وسائل الإعلام والباحثين، وبقي معزولاً إلى ان اعتقلته القوات الامريكية التي أطلقت سراحه لأنه لم يكن يشكل خطراً في اعقاب سقوط النظام.

 الأمر الذي يهمنا من مذكراته اعترافاته بالأخطاء التي ارتكبها حزبه خلال المدة (1958-1963)، علماً كان هو أحد كبار القياديين وعضو القيادة القطرية للحزب وفي أوقات مختلفة، وأشرف وتولى مسؤولية إدارة اثنين من أهم ملفات الدولة: الطاقة، والعلاقة الخارجية.

كتب حمادي، في معرض حديثه، عن صراع البعث مع الحزب الشيوعي العراقي حول الوحدة العربية التي كان يصر البعث عليها مع مصر، والاتحاد الفيدرالي الذي كان الحزب الشيوعي يراه نظاماً مناسباً بعد ثورة 14 تموز 1958، يقول: اعتقد الآن ان الاتحاد الفيدرالي هو الصيغة الملائمة لأي وحدة، الا اننا عارضنا هذا الامر في ذلك الوقت من دون دراسة (ص 51).

وحول سياسة البعث وموقفه من حكومة عبد الكريم قاسم بعد ثورة 14 تموز 1958 كتب يقول: إنني اشعر الآن بان قيادتنا كانت ضعيفة في التخطيط السياسي ورؤية الأمور على حقيقتها، لا كما نرغب في ان تكون، لم نستطع ان نبحث موضوع الوحدة بهدوء في العراق بعد الثورة لنتخذ موقفاً يجنب البلاد الانقسام، فربما كان من الممكن الاتفاق مع الشيوعيين على صيغة للاتحاد الفيدرالي، وان كان هناك شكوك في حقيقة نياتهم!! كأن لم نتصل بالاتحاد السوفيتي الذي كان يوجههم ونبحث الموضوع مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر + سوريا) للتوصل إلى صيغة (ص65) مقبولة للجميع، ولم نتصل بالحزب الشيوعي العراقي، ولم نعمل شيئاً غير رفع شعار الوحدة المتحور حول شخص من أسوأ الاشخاص الذين تولوا المسؤولية منذ ان تعرفت إليهم، وهو عبد السلام عارف، الذي كان جاهلاً طموحاً دون استحقاق، وغير صادق في مواقفه، ولم يكن يهمه شيء غير أن يحكم، وهكذا من دون تخطيط وبُعد نظر، اندفعنا بذلك الانقسام وضاعت الفرصة (ص66).

وحول صواب تطبيق الفيدرالية في البلاد العربية، كتب حمادي يقول:

 لعل اهم ما يتسم به ميثاق الوحدة الثلاثية (مصر+ سوريا + العراق) هو أن اتخذ منحى الوحدة الفيدرالية، وكأنه بذلك يريد الاعتراف بان منهج الاندماج في الوحدة بين مصر وسوريا سنة 1958 كان خطأ يحب معالجته، وارى الآن ان النظام الفيدرالي الذي يحافظ على بعض خصوصيات الاقطار العربية في الاتحاد هو النظام الصحيح...، البلاد العربية لا يلائمها غير النظام الفيدرالي (ص78).

وعن تأييد حزب البعث لعبد السلام عارف في صراعه مع عبد الكريم قاسم، ودون أدنى تحفظ، كتب حمادي يقول: كم كنا مضللين بهذا الإنسان الذي كان مرائياً في كل شيء تقريباً: في قوميته، تدينه، وعلاقاته بحزبنا وبجمال عبد الناصر، كان يريد الحكم فقد (ص52)، وقال عنه في مكان آخر: نصبت الحزب عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية، بدافع ساذج وقصر نظر سياسي، على أساس انه واجهة سياسية يكسب الحزب من ورائها دعماً سياسياً، وتلك التصورات ثبت خطؤها.

 وكتب حمادي عن الغاء قانون مساواة المرأة بالرجل في الإرث الذي شرعه عبد الكريم قاسم، والغاه البعث بعد انقلابه في 8 شباط 1963 يقول: كانت هناك اجراءات فيها الكثير من التسرع وقصر النظر والتفكير الساذج في ما يتعلق بكيفية توطيد حكم (الثورة -يقصد انقلاب شباط) ولعل ابرزها الغاء قانون مساواة المرأة بالرجل في الارث، وكان ذلك تحت ضغط رجال الدين، وبتصور ساذج عن ان ذلك سيكسب النظام الجديد تأييداً شعبياً واسعاً، لم أكن مع تلك الاجراءات ولا ازال أعده خاطئاً، إن القول بتطبيق الشريعة يعني ببساطة القول ان المجتمع لا يتطور، الأمر الذي لا يقبله عقل الانسان السوي (ص 74-75).

إن اعترافات حمادي الخطيرة واعترافات غيره من القياديين البعثيين الذين بدأوا بنشر مذكراتهم أمثال: خالد علي الصالح، محسن الشيخ راضي، نزار حمدون، طاهر توفيق العاني، جواد هاشم وسواهم، على ما اقترفوه من اخطاء وجرائم ادخلت العراق في ذلك النفق المظلم منذ انقلابهم في 8 شباط 1963، جاءت كما يقال "بعد خراب البصرة" وليس عن تأنيب الضمير.