تبرز بين فترة وأخرى، محاولات الإساءة للحزب الشيوعي العراقي وتأريخه الزاهر بالتضحيات ولمناضليه وشهدائه.
تتعدد الأسباب خلف هذه المحاولات المزرية، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة وتزايد نشاط مرشحي الحزب ووسائل اعلامه، يبدو هذا سببا جديدا ومقنعا، لتلك الأصوات التي ترتفع مداهنة بحجج حرية التعبير، ناسين أن الشتيمة عمرها لن تكون وجهة نظر! من أسوأ ما قرأت مؤخرا، من بعض الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تساوي، بسذاجة بالغة، وطبعا بلؤم مقصود، بين الشيوعيين والبعثيين، بحجة أنهما تعاونا في سبعينيات القرن الماضي في تحالف سياسي واحد، وانهما من (طينة واحدة) وأن الخلاف بينهما كان فقط حول (السلطة والسيطرة)!
يشعر المرء بالغثيان من كتابات كهذه، تعبر عن جهل كامل بالحقائق وتقفز على معطيات تاريخية لتقدم افتراءات تحاول تسويقها، تساوي فيها بين الجلاد والضحية! تختلف الدوافع عند كتبة مثل هذه الافتراءات، فبعضها واضح كونه مدفوعا من جهات ليست مجهولة للقارئ الحصيف الملم بتاريخ العراق والحركة الوطنية، وبعضها ـ كما يبدوـ يعبر عن جهل وسذاجة فكرية فيقع في مطب الاصطفاف إلى جانب أعداء الحقيقة أن لم نقل الشعب!
ليس ثمة من عاقل، ملم بتاريخ العراق، واكتوى بظلم حكومتي حزب البعث الأولى والثانية وويلاتهما، لا يمكنه الشهادة بوطنية الحزب الشيوعي العراقي ومعارضته للطغمة البعثية الديكتاتورية، ونضاله من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، حيث اتبع مختلف الوسائل النضالية، بما في ذلك أسلوب الكفاح المسلح لمواجهة عنف النظام البعثي الصدامي الشوفيني وقدم خلال ذلك شهداءً من خيرة مناضليه من بنات وأبناء العراق البررة. ولأجل تنوير المتطاولين على تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، أجدني ملزما، أعلامهم بأن أدبيات السياسة تعرف "التحالفات" بانها أحد ركائز العمل السياسي، وليس من حزب سياسي حصيف، في ظروف التعدد الفكري والسياسي، يمكنه تجاوز موضوعة التحالفات وعدم اللجوء اليها، فهناك تحالفات انتخابية حول برنامج معين، بنقاط محددة او واسعة، وهناك تحالفات سياسية لتشكيل حكومات تعاون (في بعض البلدان الأوربية يسمونها حكومات قوس قزح)، والغرض منها تحقيق اهداف مشتركة حيث يكتسب أعضاء التحالف زخما اكبر في التأييد والعمل المشترك استنادا إلى جماهيرية وثقل كل طرف حليف، فهكذا تخبرنا تجربة بلدنا بأن (جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست عام 1956 وضمت حزب الاستقلال، حزب البعث، الحزب الشيوعي، الحزب الوطني الديمقراطي ولاحقا الحزب الديمقراطي الكردستاني، كانت أحد الأسباب المهمة لنجاح حركة الضباط الاحرار في 14 تموز 1958 وتحولها إلى ثورة شعبية، والتي انتكست بسبب انقلاب 8 شباط الأسود الدموي في 1963، على يد البعثيين الذين اعترفوا بأنهم (جاؤوا بقطار أمريكي!)، وحين عاد حزب البعث العراقي، إلى السلطة في عام 1968، طرح برنامجا وضع نفسه فيه على يسار كل القوى السياسية، بما في ذلك الحزب الشيوعي العراقي، عميد اليسار والحركة الوطنية العراقية، وكما ذكر المناضل الأستاذ جاسم الحلوائي في مقال له عن تجربة الحزب الشيوعي العراقي في مجال التحالفات (موقع الحوار المتمدن اذار 2014) أشار فيه إلى ( في تشرين الثاني 1971 طرح البعث مشروع "ميثاق العمل الوطني" فدخل الحزب الشيوعي معه في حوار أفضى، بعد تلكؤ وتوقفه أحياناً بسبب سعة الخلافات بين الحزبين، إلى إعلان الجبهة بين الطرفين في تموز 1973). لم يكن الحزب الشيوعي ساعيا إلى السلطة، بقدر ما وجد في التحالف أيامها وسيلة لتحقيق طموحات أبناء الشعب، وهكذا فأن ما تحقق من انجازات اقتصادية واجتماعية، في السنوات الأولى من حكم البعث الثاني، يدرك أبناء الشعب العراقي، انها لم تحدث لولا دعم ووجود الشيوعيين في التحالف، فهي كانت ضمن برامجهم النضالية مثل: تأميم النفط، توسيع الإصلاح الزراعي، إبرام اتفاقية آذار 1970وصدور قانون الحكم الذاتي لكردستان، معالجة ظاهرة البطالة، ارتفاع مستوى معيشة الشعب، تقلص نسبة الأمية وازدهار الأدب والفنون، ومع سعي البعث لاحتكار السلطة وتبعيث المجتمع العراقي، راحت الجبهة تلفظ أنفاسها ، خصوصا بعد صدور تقرير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في اذار في 1978، الذي عالج وانتقد بقوة الكثير من المظاهر السلبية، وطالب بإنهاء فترة الانتقال وإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً دائماً للبلاد.
ومن الجدير بالذكر ان تحالف الجبهة الوطنية اشترك فيه أيضا أحزاب قومية كردية وشخصيات وطنية مستقلة، واستخلص الشيوعيون من هذه التجربة المرة والدامية، إن أي تحالف مع إي حزب سياسي يتطلب الاستناد إلى أسس ديمقراطية مؤسساتية، لأجل توفر تكافؤ الفرص في العمل وضمان استقلال الحزب سياسياً وتنظيمياً وفكرياً.
ومن حق كل مواطن التساؤل، هل كانت سياسة الحزب الشيوعي العراقي، كمؤسسة سياسية اجتماعية، صائبة دوما؟ لا يدعي الشيوعيون أنفسهم ذلك، فهم يذكرونا دائما بان السياسة على الأرض لا تسير بخط مستقيم دائما، وأكاد اجزم شخصيا بأن الحزب الشيوعي العراقي هو الحزب العراقي الوحيد، الذي دأب في مؤتمراته الوطنية العامة على تحليل وتقييم تجربته لكل فترة واستخلاص الدروس منها، بما في ذلك تحالفاته السياسية، التي تعددت وتنوعت والتي اجتهد دائما السعي من خلالها لتحقيق حياة حرة كريمة للشعب العراقي، ووضع كل الحقائق والدروس امام أعضاء الحزب وأبناء الشعب بكل شجاعة وشفافية. وهكذا، فمن المخجل أن يأتي شخص ما، بدون اطلاع كاف، وبحجة حرية التعبير ليشتم الحزب الشيوعي العراقي ويساويه مع حزب مجرم لفظه التاريخ مثل حزب البعث الشوفيني الفاشي!