اخر الاخبار

تعتقد الكتل السياسية المتمسكة بمنهج المحاصصة الفاشل كخيار وحيد لإدارة البلاد ان مشكلة القطيعة بين منظومتها السياسية والشعب يمكن حلها من خلال تشكيل الحكومة، وان باستطاعتها تجاوز الازمة الحالية من خلال اتباع نفس الآليات العقيمة، التي اوصلت بلادنا الى ما هي فيه من فشل وانهيار.

وهذا رغم ادراك اغلب المهيمنين على المشهد السياسي للأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الكتل المتنفذة بحق العراقيين، حيث تفاقمت نسب الفقر والبطالة والامية، وبات الفساد عرفا سائدا في التعاملات اليومية لاقتصاديات الأحزاب المتنفذة.

أزمة بنيوية

ويعتقد مراقبون للشأن السياسي، ان ازمة المنظومة الحاكمة في العراق بنيوية، وتتمثل في غياب العدالة الاجتماعية والتفاوت الطبقي، تفشي الفساد وعدم محاسبة مرتكبي الجرائم بحق المحتجين، وعليه فإن هذه العوامل سوف تجعل من مهمة اية حكومة مقبلة شبه مستحيلة في ظل اعتماد ذات المنهج المتبع في تقاسم ثروات البلاد على اعتبارها غنيمة سياسية.

في هذا الشأن، يقول عميد كلية العلوم السياسية السابق في جامعة بغداد د. عبد الجبار احمد، ان “تكليف السوداني بتشكيل الحكومة هو حل لجزئية صغيرة من الازمات السياسية التي تهيمن على البلاد، وهي محاولة للاعتراف بنتائج الانتخابات لا اكثر”، مشيرا الى عدم قدرة اية حكومة على إعادة ثقة المواطنين في النظام السياسي. 

ويعتقد احمد في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “البلاد بحاجة الى عقد سياسي جديد يقدم بعد مراجعات لأدوات وإجراءات المنظومة السياسية، ومن ثم العمل على البحث عن خيارات سياسية دستورية مقبولة من الشعب العراقي، وتطبيقا للمبدأ الأساسي وهو الديمقراطية”، مشددا على ان “المنظومات السياسية التي مسكت زمام الأمور تتحدث عن مناهج ديمقراطية للحكم في البلاد، الا ان الواقع يقول ان لا ديمقراطية في بلاد تحكمها أحزاب سلطة فاسدة”.

لا تعويل على الحكومة

ويستبعد احمد ان تكون من أولويات الحكومة المقبلة حصر السلاح في يد الدولة والكشف عن قتلة المتظاهرين نتيجة للظروف السياسية التي لن تسمح بذلك، داعيا الى ضرورة تشريع قوانين تعطل ممارسة الفساد في البلاد، ومن ثم العمل على محاسبة رؤوس الفساد الكبيرة في السلطة.

ولا يبتعد الكاتب فارس حرام برأيه كثيرا، فهو يعتقد ان “الازمة السياسية في البلاد كبيرة وان التشكيلة الحكومية المرتقبة، لا يعول عليها في تخليص البلاد من ازماتها السياسية، وذلك لاتباعها نهج الفساد في اختيارها تشكيلة عبر المحاصصة الطائفية التي تقوض وتهدد بناء الديمقراطية في البلاد”.

ويُشير حرام في حديث لـ”طريق الشعب”، الى ان “الديمقراطية في البلاد تعاني من تحديات كبيرة وان جميع ما تعمل عليه السلطة الحاكمة هو تهديد للديمقراطية التي تزعم المضي وفقها”، مبينا ان “الفساد المالي والخلافات السياسية المستمرة وعدم حسم كثير من القضايا التي يعاني منها العراقيون، وغياب العدالة الاجتماعية، ولدت قناعات غير قليلة لدى الشارع بان الازمات السياسية الراهنة لا تحل بوجود هؤلاء”.

صلاحيات يومية

ويحدّد حرام مهمات الحكومة المقبلة بتمشية الأمور اليومية، وان المضي بأكثر من تلك الخطوة هو ضرب من الخيال، وخارج عن امكانياتها. 

يقول الخبير الأمني عماد علو لـ”طريق الشعب”، ان الحكومة المرتقبة لا يعول عليها في فتح ملفات بهذا الحجم الخطير، خاصة وانها انتهاكات مارست وتمارس بدعم دولي، وبحماية حكومية.

ويبيّن علو، ان “جميع منظومات الحكم المتعاقبة في البلاد مدانة في ارتكاب جرائم قتل بحق المتظاهرين، وعدم محاسبة أصحاب السلاح المنفلت”، مشددا على ضرورة قيام القضاء بدوره في حسم مثل هذه الملفات، الذي سوف يكون كفيلا بإعادة الثقة للمواطنين بالقانون.

تحديات جدية

ولا يقتصر عدم التفاؤل على الأوساط المحلية، فقد نشر موقع “the Century foundation” تقريرا تساءل فيه عن قدرة رئيس وزراء جديد مثقل بالسياسات القديمة نفسها، أن يوقف انزلاق البلاد إلى مزيد من عدم الاستقرار والبدء في العمل على الإصلاحات التي تمس الحاجة إليها؟

ويضيف التقرير، ان الرهان ـ لسوء الحظ ـ هو توقع القليل من الحكومة العراقية القادمة، مبينا ان “الفصائل السياسية العراقية تعارض أي استثمار جاد في قدرات الدولة ومؤسساتها، خوفًا من أنه إذا تمكنت الدولة من الحكم بفعالية، فإن تلك الفصائل ستفقد قدرتها على إدارة مضارب الفساد مع الإفلات من العقاب”.

ويطرح التقرير سؤالا اخر، حول جدية ائتلاف الأحزاب الذي سيشكل الحكومة للمضي قدما في معالجة قائمة طويلة من التحديات الهائلة التي تتراوح بين الفساد والبنية التحتية الهشة والاقتصاد الهش وتغير المناخ وغيرها، منوها بأن معالجة هذه التحديات تتطلب إصلاحات جادة وعميقة من شأنها أن تؤثر على المصالح السياسية والاقتصادية لهذه الأحزاب. هل هم على استعداد لقبول تكلفة البقاء في السلطة؟ أم أنهم سيستمرون في عرقلة الإصلاحات الأساسية، وبالتالي دفع العراق نحو الانهيار العنيف والمفاجئ؟”.