اخر الاخبار

التقت “طريق الشعب”، اخيراً، بالشخصية الشيوعية والمناضل الدكتور غازي الخطيب، في مناسبة بلوغه التسعين عاماً، واجرت معه حواراً مفصلاً عن نشأته وتاريخه وانجازاته العلمية والاكاديمية.

والخطيب كان متفوقاً، منذ صباه وشبابه في دراسته وحصل على أعلى شهادة في مجال اختصاصه (الدكتوراه) التي مكنته من تولي عدة مواقع علمية أخرها رئيس جامعة المثنى، الذي جعل من هذا الصرح العلمي أيقونة حياة في هذه المدينة الغافية على نهر الفرات، تتلمذ على يديه عدد كبير من الطلبة وبالأخص طلبة الدراسات العليا. 

الخطيب استمد وعيه السياسي من أحوال مدينته البائسة التي تعاني من الفقر والحرمان وحارب منذ شبابه الظلم والطغيان فكان بحق شخصية وطنية، انتمى إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي ووضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار فتحمل السجن والتعذيب من أجل وطن حر وشعب سعيد.

• في مناسبة بلوغكم التسعين من عمركم حدثنا عن حياتكم الشخصية؟

الخطيب: أنا من مواليد مدينة السماوة التي كانت قضاءً تابعا إلى لواء الديوانية، ولدت في ٥/٩/١٩٣٣ كما دونه السيد الوالد الذي كان حريصاً على كتابة هذه التواريخ لكل أبنائه، كان دخولي إلى المدرسة الابتدائية متأخراً فكنت قبلها عند الشيخ شهاب أتعلم قراءة القرآن وختمه.

درست في المدرسة الابتدائية الأولى في السماوة وكانت هي المدرسة الوحيدة فيها، تقع في الصوب الكبير في نهاية منطقه الجسر يطلق عليها منطقة الشرقي.

أكملت الدراسة الابتدائية وانتقلت إلى متوسطة السماوة في منطقة القشلة (الصوب الصغير). بعد تخرجي من المتوسطة التحقت في ثانوية الديوانية لعدم وجود ثانوية في السماوة.

بدايات العمل السياسي في هذه الفترة في الخمسينات (١٩٥٠) لم يكن هناك العديد من الأحزاب أو التنظيمات الطلابية والشبابية في السماوة، كنت مع مجموعة من شباب المدينة نطلع على الأوضاع السياسية في البلد، نتفاعل معها وأخذنا الحماس الوطني بتشكيل مجموعتين، مجموعة شباب عكد السماوة ومجموعة شباب عكد دبعن، كانت هذه المجموعة تضم المناضل الكبير خضير سيد عباس ومهدي الحصيني وعبد المطلب شيخ محمد وبالي آل مصيوي والكثير لا أتذكر أسماءهم.

اجتمعت المجموعتان في يوم من الأيام وقررنا كتابة منشورات ضد  نوري سعيد والحكومة، انقسمنا إلى ثلاث مجموعات واحدة تلصق الشعارات في منطقة القشلة والثانية في منطقة الشرقي والثالثة في منطقة الغربي ودون توجيه من أحد ودون الرجوع إلى أحد.

كان من نصيبنا أنا وخضير عباس لصق منشورات منطقة الغربي، كان على الجميع تنفيذ هذه العملية وقت العشاء لأن في هذه الفترة تكون الشوارع فارغة ومظلمة.

كنا نلصق المنشورات في شارع العيادة الشعبية حالياً (الغربي) المؤدي إلى محطة القطار، وفي آخر منشور لكنا نريد أن نلصقه على عمود كهرباء ولكنه لم يلتصق بسبب صدأ العمود فواجهنا صعوبة باللصق فتأخرنا، خلال هذه الفترة لمحنا شخص اسمه شاكر بتور عرفنا وأخبر الشرطة بذلك.

في اليوم التالي صدر أمر إلقاء قبض عليَّ وعلى خضير عباس حسب قانون كان سائدا في حينها (قانون مكافحة الشيوعية والصهيونية).

علم خالي محمد شلال بذلك وأخذنا بهدوء وسلمنا للشرطة وأصدر الحاكم مذكرة توقيف لمدة أسبوع بعدها نحال إلى المحاكمة.

كان خالي محمد شلال متنفذا وعلى علاقة بالحاكم، وبضغط الناس وخالي كانت تجري محاولات لإطلاق سراحنا.

لقاء مع قائد شيوعي

في موقف السماوة (الخناق حاليا) التقينا بأربعة من قادة الحزب الشيوعي تم جلبهم من سجن نقرة السلمان وهم كل من عمر علي  الشيخ، وسلطان ملا علي، و هادي هاشم واعتقد رابعهم حميد عثمان.

بدأ الرفيق عمر الشيخ (أبو فاروق) تقديم محاضرات لنا ونحن في السجن ولكن كنا لا نفقه منها شيئا لصغر سننا ودقة المعلومات وعمقها كان يعيدها علينا ويكررها. أبلغنا هادي هاشم سيطلق سراحنا قريباً، في يوم المحاكمة اكتظت المحكمة بإعداد غفيرة من أهالي السماوة، شباب ومعممين ووجهاء المدينة، بحيث أن الحاكم في وقتها تعجب وقال ما الذي يحصل؟! قالوا له اليوم محاكمة ابن شيخ موسى وبن سيد عباس.

كنا تعودنا من الرفاق مناداتهم باسم رفيق ونحن في قفص الاتهام سألني الحاكم ما اسمك فأجبته نعم رفيق استغرب من الإجابة نحن في المحكمة ثم جاء الدور على خضير وأجابه أيضا بكلمة رفيق.

أجابنا ممتعضا (تردون تهجمون بيتي)، انتهت المحاكمة وأطلق سراحنا لعدم كفاية الأدلة وخرجنا من السجن مع الآلاف من المنتظرين ونحن مرفوعي الرأس. كانت هذه الحادثة الأولى ذات الطابع السياسي في السماوة وأثارت الانتباه لدى الشبيبة من أن هناك تحركا سياسيا مضادا للحكومة.

في انتفاضة تشرين

وأضاف الخطيب بعد إنهاء مرحلة المتوسطة انتقلت إلى الديوانية لدراسة الثانوية فيها، جرى في هذه المرحلة تشكيل اتحاد الطلبة واتحاد للشبيبة في السماوة والديوانية. التحقت بالحركة السياسية هناك وشاركت في انتفاضة تشرين والتظاهر مع أهالي الديوانية التي على إثرها سقط زميلي وعلى مقربة مني شهيدا بعدما استخدمت قوى الأمن الرصاص الحي على المحتجين.

بدأت ملاحقة الشرطة لنا وأثناء هذه الملاحقة فتحت لنا امرأة باب بيتها لتحمينا من الشرطة وبعد خمس دقائق تقريبا طرق باب بيتها فأخذتني المرأة إلى غرفتها وفتحت الباب للطارق وإذا هو زوجها وكان مفوض أمن بالشرطة والمرأة لم ترتعب حافظت على رباطة جأشها فقام زوجها بأكل بعض الطعام وشرب الماء وترك المنزل إلى دائرته ومرت المسألة بسلام وكذلك أنا تركت المنزل بسرعة وشكرت المرأة على موقفها الإنساني والوطني واتجهت إلى القسم الداخلي لكي أخذ ملابسي واعود إلى السماوة بالقطار.

* ما حصيلة تجربتكم خلال تلك السنين؟ 

الخطيب: الذي حصدته خلال هذه المسيرة الطويلة أن نظافة الإنسان وصراحته وثقته بنفسه يجلب له حب الناس ومساندتهم له وأن كل الذين زاملوني في هذه المراحل كانت لهم بصمة واضحة في الأخلاق الحميدة والنظافة والطيبة في التعامل مع الآخرين، وكنا صفا واحدا أمام كل المشاكل أو المعوقات التي تحدث في مسار الحياة التي فيها الكثير من المطبات ولكن تم تجاوزها بسبب المحبة الدائمة والتعاون في السراء والضراء من أجل الوصول إلى بناء النفس ومن ثم بناء الوطن.

في نهاية المطاف النصر لقوى الخير

*ما الذي تراه في المشهد السياسي الآن؟ 

الخطيب: المشهد السياسي الآن معقد جدا والاضطراب على أشده في هذا البلد الطيب ذي الحضارات القديمة والتاريخ الكبير ،الصراع يجري بين قوى الخير في البلد من أجل بناء بلد آمن ينعم الناس فيه بالحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون والاقتصاد المتين والعيش الكريم لكافة الناس وبين الجهة الأخرى من هذا الصراع. هناك العديد من الناس والتكتلات السياسية التي تتصارع مع الخيرين لنهب البلد وخدمة الأجنبي واستمرار التخلف فيه والإنسان ليحار فيه كيف يتحمل ما يقوم به المارقون من أفعال يندى لها الجبين: فساد، سرقة أموال ،تحطيم البنى التحتية للبلد من أجل إرضاء الأجنبي. ولكن رغم كل السرقات المليونية والسلاح المنفلت والاختفاء القسري للناشطين ستنتصر قوي الخير على هذه الطغمة الفاسدة.

الحزب علمنا محبة الناس

•من خلال حياتكم العملية والحزبية ماذا اقتنصتم في مواقف مؤثره جعلتكم أكثر تجاوبا في التعامل مع الاخرين ؟ 

الخطيب: التعامل مع الناس مسألة حساسة، عندما يكون الإنسان أميناً لمبادئه يكون أكثر تأثيرا على الآخرين. منذ الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي علمنا الحزب على محبة الناس والوقوف بجانب قضاياهم المشروعة والتعامل مع أدوات الحياة بشكل واضح من أجل إقناع أبناء الشعب العراقي بحل المسائل المعقدة كافة.

الايام القادمة حبلى

* دعا الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الحادي عشر القوى المدنية والديمقراطية الى ضرورة توحيد جهودها وعملها، هل انت متفائل بدور القوى المدنية حالياً؟ 

الخطيب: القوى المدنية تمثل ثقلاً كبيراً في تطوير الوضع السياسي للبلد ولقد ناقش المؤتمر الحادي عشر للحزب هذا الموضوع بشكل تفصيلي لكون نحن نعيش وضعاً فيه سمات ثورية يتطلب منا التوقف عند المتغيرات التي تطرأ على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بشكل سليم والعمل بما ينسجم مع مطالب الناس.

أنا أعتقد أن تشرين هي ثورة وكان من الممكن تطويرها لتغير واقع البلد وهذه الثورة مستمرة والأيام القادمة حبلى بما تحمله من تطورات لمصلحة الوطن والمواطنين. القوى المدنية فيما لو توحدت قياداتها سيكون تأثيرها فاعلاً في حسم الكثير من الامور لمصلحة الناس والقضاء على الفساد والمحسوبية والمحاصصة الطائفية والتوجه بناء الدولة المدنية على قاعدة العدالة الاجتماعية.