اخر الاخبار

على شاشات ونوافذ المؤسسات الحكومية والمهنية المتعلقة بالإعلام والصحافة، يظهر بشكل متواصل العشرات ممن يدعون “التحليل السياسي” ليوجهوا أبشع خطاب طائفي يمكن للمرء أن يسمعه، فيما يحرضون على العنف بطريقة مباشرة من خلال قنوات فضائية جعلتهم ضيوفا دائمين على شاشاتها، ليعبروا بدلها منها عن الأفكار التي لا تستطيع أن تقولها مباشرة.

ويتحدث هؤلاء عن ضرورة إدارة السياسة بواسطة الطوائف والقوميات وغيرها من التسميات التي تمزق الثوب الوطني، ويكتبون على منصاتهم الالكترونية تغريدات تدعو إلى تصفية الخصوم أو يستشهدون بعبارات تاريخية محتواها القتل. وتقدم هذه القنوات الفضائية باستمرار هؤلاء الذين لا يملكون تخصصات معنية بالسياسة، وحتى وأن امتلكوها فهم لا يتمتعون بأدوات تؤهلهم لإنتاج الفكر السياسي، لتحولهم إلى نجوم بارزين في مشاهد الخراب، فيما همّشت المحللين والمختصين الذين ينشغلون بالهم العراقي.

إساءة إلى التحليل السياسي

لعل أبرز مثال يمكن تناوله في ظاهرة التحليل السياسي التي أنتهكها الطارئون، هو ما قام به هؤلاء المتاجرون بالسياسة بعد أحداث العنف الأخيرة داخل المنطقة الخضراء.

فبدل التهدئة والدعوة إلى الحوار ومغادرة نهج الحكم الحالي، مارس محللو الفضائيات هوايتهم ودعوا إلى زيادة العنف وأعربوا عن أشرس خطاب محرض على العنف دون أن تلاحقهم أية مؤسسة رقابية.

وينشغل هؤلاء “المحللون” بتشويه شكل الصراع السياسي الحقيقي وتحويله بطريقة التهريج والشتيمة والصراخ إلى قضية طائفية أو قومية أو أي تسمية لا علاقة لها بأرض الواقع.

وتقول بعض الآراء إن هؤلاء الدخلاء على التحليل السياسي يتسابقون على القنوات الفضائية للظهور، لكن مجريات الأحداث تبين أن بعض القنوات الفضائية هي التي تصر على اظهارهم، وتعمل على تسويق خطابهم لغايات سياسية، لا تقدر على قولها مباشرة.

وبحسب وجهة نظر الأكاديمي والمحلل السياسي د. جاسم الموسوي، فإن الكثير من الفضائيات هي من تبادر لاستقطاب هذا النوع من المحللين من أجل أن تمرر بواسطة ألسنتهم ما لا تستطيع قوله مباشرة.

وخلال حديثه مع “طريق الشعب”، يقول الموسوي إن هؤلاء ليسوا بمحللين وانما “مرتزقة يتاجرون بالسياسة وهموم الناس وهم يختلفون عن المنشغلين بالحقل السياسي من المتخصصين، وكذلك عن القانونيين أو الاعلاميين والصحفيين القريبين من هذا المشهد”، مضيفا أن “الكثير من القنوات الممولة بواسطة جهات فاسدة تريد أن تمرر خطابها السيئ ولكنها غير قادرة، لذلك تلجأ إلى هؤلاء والعيب ليس فيها أو بالمتاجرين في السياسة، وإنما العيب في هيئة الإعلام والاتصالات والادعاء العام فلا بد من تفعيل المادة 195 من قانون العقوبات العراقي، الذي يقطع الطريق على من يدفع صوب الحرب الطائفية أو الفتنة ويعاقب بأشد العقوبات”.

ويتابع الموسوي قائلا: أن “ظهور هؤلاء أمر متقصد من قبل بعض الفضائيات من أجل اثارة الفتنة، وما يسهل من هذه العملية هو الفوضى التي تحيط بالبلد والسماح لأي شخص أن ينتحل صفة المحلل السياسي دون مراجعة كنيته أو نتاجه أو اختصاصه، وهذا ما جعل مخابرات دول عديدة تستخدم هذا النوع من الناس لتدمير البلد وتمزيق وحدته”، مردفا “المتاجرين بالسياسة ممن يدعون أنفسهم بمحللين، يضعون الامن القومي والاجتماعي في خطر كبير ويجب على هيئة الاعلام أن تغلق مكتب أي قناة تروج العنف والطائفية، والأمر أيضا مرتبط بالهيئات الأخرى”.

وشدد على أن “غياب أصحاب التخصص والمنشغلين بصناعة السلام عن المشهد ليس بسببهم، بل لأن القنوات التي تستقطب الطائفيين لا تريد إظهارهم، ويفترض أن من يصنع الرأي بالبلد هم المحللون الحقيقيون والموضوعيون الذين يتبنون خطابا محترما إضافة إلى منتجي الفكر والكتاب والعقلاء. إن ما يقلق الناس حاليا هو تزايد المحللين السياسيين الطائفيين على حساب صوت الفكر والحوار الهادئ”.

الموسوي يقول إن بلدانا كثيرة في أوروبا “لا تتسامح مع مثيري الفتن رغم المساحة الكبيرة من حرية التعبير فيها. الخلل في العراق أن مؤسسات الدولة تدار وفق المحاصصة الطائفية وبضمنها هيئة الاعلام والاتصالات، كما ان الادعاء العام اصبح يتكئ على غيره والقضاء لا يلاحق مثيري الفتن”.

مهنة شوهها الفاشلون والطائفيون

ويجمع الكثير من المتابعين للشأن السياسي على أن مهنة التحليل في هذا الحقل المهم حولها البعض إلى مصدر للاسترزاق والحصول على المكافئات عبر ارضاء هذه الجهة أو تلك.

ويرى مراقبون للشأن السياسي أن عمل الكثير من المحللين لا يخضع للضوابط الحقيقية وجرى تشويه الأمر وتحويله إلى بوابة طائفية ومناطقية لا تحظى بمتابعة الجهات المختصة، حتى وصل الأمر ببعض المحللين إلى لفظ أبشع العبارات واستخدام أخطر الطرق لتأجيج الشارع.

وتقول الناشطة الصحفية أمل صقر، إنّ الادعاء العام معطل، ولا يتابع الكثير من القضايا وبضمنها قضية التحليل السياسي التي تتعرض إلى التشويه وينتهكها الدخلاء.

وتوضح صقر لـ”طريق الشعب”، أن “بعض المحللين يعتمدون خطاب التحريض ومفردات الكراهية والنعرات الضيّفة وهذا ما يغيب عن دور القضاء للأسف الشديد، رغم أن الكثير من اللقاءات مرصودة ومعروفة للجهات المعنية”، لافتة إلى أن “هؤلاء المحللين ينقلون وجهات نظر لقوى متنفذة مؤمنة بالتحريض والعنف والطائفية. وجرى الحديث لمرات عدة مع هيئة الاعلام والاتصالات حول هذا الأمر ولكن القائمين على الهيئة يقولون إنهم يعملون بموجب نظام داخلي ولا يوجد قانون ينظم العملية، لذلك فان الهيئة غير قادرة على محاسبة القنوات التي تستضيف نماذج طائفية تحمل لقب المحلل السياسي بدون وجه حق”.

وأقدمت هيئة الاعلام والاتصالات لمرات عدة على غلق مكاتب قنوات أو إذاعات لأسباب عدة، كشفت هي عنها، لذلك تبين المجريات انها قادرة على القيام بخطوات جادة تجاه من يستقطب الخطاب الطائفي ويسوقه عبر شاشته.

وتضيف صقر “انا لا ألوم ابتعاد المهنيين والمختصين بالسياسة عن المشهد، فالوضع الامني والانفلات اعطى للمتاجرين بالسياسة فرصة الظهور على حساب الوطنيين، فضلا عن انتشار الفوضى التي تهدد المنشغلين بالهم الوطني. كما ان نقابة الصحفيين لا تقوم بواجباتها ولا تحمي الصحفيين والاعلاميين القادرين على انتاج رأي محترم في عالم السياسة، ولا تقوم بدورها ومهامها كنقابة واعطت هوياتها لمواطنين بعيدين عن المجال، فيما يتم تهميش المعنيين ويتم تسويق الطارئين ويظهرون دائما رغم سوء خطابهم”.

وتقول المتحدثة أن “المال السياسي لعب دورا في انعاش ظاهرة الدخلاء على التحليل السياسي، فالأحزاب المتنفذة فتحت قنوات ومنصات سوقت عبرها هؤلاء، وأرادت بهم التأثير على الرأي العام، واقناع الناس بما لا تقدر ان تقوله مباشرة”.