اخر الاخبار

يقول ناشطون في الحراك الاحتجاجي إن تعقيدات المشهد السياسي الحالي تتعمق بعيدا عن مطالب المنتفضين، والتي كان في مقدمتها الكشف عن قتلة المتظاهرين. ووفقا لقولهم، فإن الحوارات السياسية التي تجريها القوى المتنفذة حاليا لا تأبه بمصير البلد أو احقاق الحق وضمان العدالة لأرواح الشهداء، لافتين إلى أن عدم محاسبة القتلة سيضع الحكومة والبرلمان والقضاء أمام لوحة احتجاجية مختلفة عن السابق، تكون أقوى وأوسع وتطالب بما هو أبعد مما طالبت الجماهير فيه سابقا.

المحاصصة والعدالة نقيضان

مؤلمة المشاهد التي سجلتها كاميرات المتظاهرين في ساحة التحرير والنسور وغيرها من ساحات الاحتجاج العراقية، فقد كانت تغصّ بمئات المحتجين، بينما تسمع أصوات اصطدام القنابل الدخانية برؤوس الشباب السلميين والرصاص الذي يخترق اجسادهم بطريق القنص والرمي العشوائي وغير ذلك من وسائل قمعية قاسية جدا. كل ذلك كان يحصد أرواح المحتجين، الناشطين، الصحفيين والعنف يتواصل ولا يكف الجميع عن رفع عبارة “من قتلني”، ولا من مجيب على هذا السؤال من تشرين 2019 الى آب 2022.

إن الحكومة التي جاءت بعد ذلك ووعدت بتقديم القتلة إلى العدالة، لم تقدم ما يرجوه المنتفضون سوى ببعض النتائج البسيطة دون أن تكشف حتى عن دوافع الجرائم لصغار الجناة الذين تورطوا بالقتل وأصبحوا قرابين للقتلة والفاسدين الكبار.

ما أثار المواطنين على مدار الأشهر الماضية، هو استمرار المفاوضات بين القوى السياسية وهي تتحاور على أمور لا علاقة لها بالبرامج السياسية ولا حتى بمطاليب الناس التي تدعو لإنقاذ البلد واحقاق الحق لمئات الشهيدات والشهداء.

ورغم حديث بعض الجهات السياسية عن الشرعية أو أهمية القضاء، لكنها تتجاهل أن هذه الشرعية سواء كانت لمجلس النواب أم الحكومة، قد اصبحت بنظر الناس أمرا غير مهم، بل فاقدة لقيمتها وفقا لحجم الفساد الهائل وتحكم المسلحين بمصير البلاد وافلات كبار المجرمين المتواصل من العقاب. وعن القضاء، يطرح الكثير من العراقيين تساؤلات عن دوره ازاء ما يجري وخصوصا في ملف قتلة المتظاهرين وطمسه وتشويهه وإبقائه ثانويا مقابل حوارات سياسية تريد تعزيز الفساد لا أكثر، فالجميع يطالب القضاء أن يأخذ دوره ويحيي هذا الملف الواضح.

وفي مقال سابق للباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمختصة بشؤون العراق في منظمة هيومن رايتس ووتش، بلقيس والي، قالت إنه “في حال لم تكن السلطات العراقية قادرة على اتخاذ خطوات لوقف عمليات القتل خارج نطاق القضاء، فإن مناخ الخوف الملموس الذي خلقته سيحدّ بشدة من قدرة أولئك الذين كانوا يدعون إلى التغيير، على المشاركة في الانتخابات البرلمانية”، وهذا ما حدث فعلا بعد المقاطعة الشعبية الواسعة لعملية الاقتراع التي وصفوها بغير المجدية في ظل اساليب القتل والسرقات ورعاية كل اشكال الفساد.

ووفقا لقول والي، إن المتظاهرين كانوا يطالبون بمزيد من الإجراءات الحكومية لكبح الفساد وضمان الوصول الكافي للكهرباء والمياه والوظائف، وهم سلميون في الغالب. لكن القوات المسلحة في بغداد وأجزاء أخرى من العراق استخدمت الذخيرة الحية لاستهدافهم، بل واختطفت واعتدت وقتلت منظمي الاحتجاجات. 

فشل الحكومة الحالية

من جانبه، يؤكد الناشط في الاحتجاجات والحقوقي أمير لفتة، أن شرعية النظام سقطت مجتمعيا لأن قتلة المتظاهرين احرار ولم يصلهم القضاء والجهات المعنية.

ويقول لفتة: “تخلت الحكومة عن وعودها بالكشف عن هؤلاء المجرمين. ولم تقدم أي مجرم إلى العدالة”.

ويشير لفتة خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، إلى أن “رئيس الوزراء أعلن بعد توليه المنصب، تشكيل لحنة للكشف عن قتلة المتظاهرين، إلا أن لجنته لم تظهر أية نتيجة مهمة، والقوى المتنفذة فيها من كان يبرر للقتل علنا وهو الان يتفاوض على مصير البلاد بأكملها، ولا أحد يقدر على محاسبته وهذا ما يجب ان يقال إلى القضاء”.

وبحسب الباحث في الشأن السياسي، أحمد التميمي، فإن جهات سياسية داخل البرلمان ـ لم يسمها ـ “متورطة بملف الاغتيالات، وتقوم بحماية الجهات المسلحة الخارجة عن القانون، لأنها تابعة إلى أجندات. وفي الواقع فإن هذا الأمر حقيقي، وهو بمثابة إشكالية عميقة في جذور نظام المحاصصة المأزوم” بحسب قوله.

ويقول التميمي لـ”طريق الشعب”، إن “جهات وأطرافا معنيّة بالاحتجاجات أعلنت مواقف شديدة بشأن المشاركة في الانتخابات السابقة وقاطعتها لهذا السبب وأسباب أخرى وأن البرلمان الحالي ولد عاجزا، لأنه لا يحمل ثقة الناس، فضلا عن تشكيله وفق قانون انتخابات مناطقي ينافي الروح الديمقراطية”. 

ما جدوى هذا الأداء السياسي؟

وتصاعدت في الآونة الأخيرة، مواقف كثيرة بشأن الجدوى من العملية السياسية التي تقوم منذ عام 2003 على المحاصصة الطائفية، حيث يجري التشديد على ايجاد شكل جديد يعيد صياغة التجربة وفقا لتطلعات الناس والقوى الوطنية.

وفي ظل دوامة الأزمة السياسية، يتواصل المواطنون والناشطون في مختلف مناطق البلاد بالتظاهر لأجل مطاليب لا حصر لها، بينما يؤكدون أهمية تقديم قتلة المنتفضين الى العدالة.

وبعد مرور ذكرى استشهاد ريهام والوزني، أغرق ناشطون ومواطنون، منصات التواصل الاجتماعي بالأسئلة عن قتلة زملائهم، والى متى يستمر رعاة المحاصصة الطائفية بقيادة هكذا سلوك داخل منظومة الحكم دون أن يحاسبوا على ما اقترفوه؟