استذكر الوسط الثقافي وعدد كبير من المواطنين والناشطين، أمس الأول، الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال الشهيد كامل شياع، أحد أبرز الوجوه الثقافية التي جرى استهدافها بعد عام 2003. إذ شكّلت حادثة الاغتيال في حينها حدثا مفصليا في الحياة الثقافيّة، فالشهيد الذي أمضى عقودا في المهجر، عاد إلى الوطن بعد سقوط نظام البعث مُحاولًا وضع بصمته في بناء المشهد الثقافي الذي تعرض إلى الكثير في زمن الدكتاتورية.
لماذا يغتالون كامل؟
وأحدث اغتيال كامل شياع في حينها صدمة كبيرة خصوصا للوسط الثقافي الذي يعرف جيدا من هو هذا الشخص وما الأثر البالغ الذي تركه.
وعن هذه الذكرى، يقول الرئيس السابق للاتحاد العام للأدباء والكتّاب، الناقد الأدبي فاضل ثامر، أن استذكار كامل شياع بعد مرور 14 عاما هو “استذكار المفكر الذي خسرناه والذي كان يمتلك فضلاً عن رؤيته الفلسفية، قدرة على قيادة وتنظيم الانشطة الثقافية الخلاقة”.
ويوضح ثامر لـ”طريق الشعب”، أن الشهيد “عندما كان مستشاراً في وزارة الثقافة كان هو العقل المفكر وراء الكثير من المشاريع والفعاليات التي كان يترك بصمته عليها. من المؤسف أن تحجم الجهات الامنية ومن ورائها الحكومة عن الكشف عن قتلة الشهيد مما يثير الشبهات في تورط أطراف معينة في جريمة اغتيال كامل شياع، بل يمكن القول ان هذه الجريمة كانت البداية الحقيقية لمسلسل الاغتيالات التي طالت الناشطين والمفكرين والصحفيين وشبان انتفاضة تشرين، لذا نطالب بالكشف السريع عن قتلة كامل وكل شهداء شعبنا”.
واضاف الناقد قائلا “لقد اثبتت الحقائق الملموسة ان المثقف العراقي لا يتمتع باي حماية بل هو مستهدف من عدة أطراف تناصب الثقافة العداء، لأنها لا تعيش الا في اجواء الجهل والخرافة، نحن بدورنا ندعو لرعاية المثقف وتوفير الحماية له”.
أيقونة العقل الأنيق
من جانبه، يصف وكيل وزارة الثقافة، عماد جاسم، الشهيد بأنه “أيقونة العقل الأنيق والقمر المتحضر”.
ويقول جاسم لـ”طريق الشعب”، إن كامل شياع هو “أحد أهم قامات التمدن في عراق الفجيعة، رحيله طعنة وجع ما زالت تزيد من قتامة ايامنا. كنت اجالسه لساعات مبهورا بطروحاته وبسعة معرفته وبتلك الروح الوطنية التي أتت به من المنفى الى عراق التناحر، لكنه يحتفل بنصوص فلسفية واخرى شاعرية لا يرغب بنشرها في الصحف والمجلات، ويرتضي ان تكون مادة للحوار مع محبيه”.
وأكد المتحدث أن “تلك الرصاصات التي اغتالته في ظهيرة السبت على سريع محمد القاسم كانت تستهدف العراق الذي نتمنى، تستهدف تلك الحكمة والروح الشفيفة وذلك النبل والفرادة في كل شيء”.
وبيّن انه “المتوج بالجمال، يسعى ويعمل دؤوباً لرفع شأن الثقافة بالرغم من صعوبة المهمة في ظل وضع مأسوي تعيشه البلاد، ويختار ان يكون المدافع الشرس عن قيم التمدن محتفلا بتاريخه المضيء وضميره المهني الذي ما زال علامة فارقة في تاريخ وزارة الثقافة التي عمل بها مستشارا”. ولفت إلى أن “الشهيد زرع محبة خالصة وظل جسر التواصل مع النخب المثقفة وهو يرسم ملامح التغيير وخطط النجاح لمؤسسات هذه الوزارة التي خسرت اهم اعلامها على مرّ تاريخها، مثلما خسر العراق الجوهرة الإنسانية والمفكر المتورد بالمعنى، لذلك فقد توجهت تلك الكواتم لاغتياله، لأنه كان يحمل على عاتقه حلم التغيير برؤاه التصحيحية وخطابه العقلاني وافكاره التجديدية”.
مشروع ثقافي
أما الامين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب، عمر السراي، فيقول ان اغتيال كامل شياع لم يكن اغتيالا طبيعيا، بل كان “عملية مدروسة لاستهداف الثقافة”.
ويوضح السراي لـ”طريق الشعب”، أن “الراحل كان يمثل طاقة حيوية كبيرة لمشروعه الثقافي الذي بدأت تتضح معالمه من خلال عمله في وزارة الثقافة. كان اغتيال كامل شياع الاول محاولة لإيقاف بعض المشاريع التي كان يؤمن بها دائما، فضلاً عن ذلك نلاحظ أن هذه العملية جرت تحت انظار سلطات وقيادات امنية وحكومية في منطقة معروفة ومشهودة”.
وأشار الامين العام إلى أن “مجريات ملاحقة المجرمين او التحقيقات لم تسفر عن نتائج ملموسة، وان كل هذه الامور تعطي اجابة كبيرة على أن حاملي الثقافة المنفتحة والمدنية والمشاريع الثقافية الحقيقية هم عرضة للاستهداف، لذلك اوصلت عملية اغتياله رسالة لجميع المثقفين بأن بقاءهم يشكل خطورة على جهات مسلحة تواصل مشروعها لاغتيالهم لذلك بعد رحيله كانت هناك مشروعات كبيرة تعطلت بسبب هذا الرحيل”.
واشار السراي، الى ان “هذه المسألة تثير الحزن من جانب والخوف من جانب آخر. حيث أنها تثير الحزن لعدم وجود اهتمام وعناية لملاحقة قتلة الرموز الوطنية وحملة العقول، وتثير الخوف لتوصل رسالة الى كل من يحمل هذا التوجه الفكري والثقافي هو عرضة الى القتل والترويع، والدولة العراقية لم تكن معنية دائما في كشف القتلة او ملاحقتهم او الوصول الى نتيجة تطمئن الاوساط”.