اخر الاخبار

مر أكثر من شهرين على بدء العام الدراسي، بينما لا تزال أعداد كبيرة من التلاميذ والطلبة بلا كتب مدرسية.

وتأتي هذه المشكلة في وقت يعاني القطاع التعليمي من أزمة عميقة تشمل النقص الحاد في الأبنية المدرسية والكوادر التدريسية، ومشاكل أخرى لا حصر لها، لكن التأخر في توزيع الكتب أصبح أخطرها نظرا لعودة الدوام الحضوري وبقاء ذوي الطلبة حائرين بكيفية توفير الكتب التي تدور حول عمليات طبعها شبهات فساد كبيرة.

ويوجه أصحاب مطابع محلية أصابع الاتهام إلى متنفذين يحيلون عقود الطبع إلى الخارج لمصالح نفعية، برغم قدرتهم على طباعتها في الداخل بأحسن المواصفات وبأقل الأسعار.

 تلاميذ وطلبة بلا كتب!

واستطلعت “طريق الشعب” آراء عدد من المواطنين بشأن أزمة الكتب المدرسية وكيفية التعامل معها لسد احتياجات التلاميذ والطلبة، فيما أكدوا أنها “مهزلة لا مثيل لها” كلفتهم الوقت والجهد والمال للقيام بدور الدولة التي تتفرج على ما يجري.

ويقول المواطن أركان هاشم، وهو أب لثلاثة أولاد في المرحلة المتوسطة ببغداد، انه سأم الانتظار للحصول على الكتب الدراسية من المدارس “فالكوادر التدريسية تعدنا وهي لا ذنب لها بما يجري، وأصبحت مجبرا على التوجه إلى شارع المتنبي لشراء ما يلزم لضمان عدم ضياع الفصل الدراسي الأول”، مستغربا “قرار وزارة التربية بإعادة الدوام الحضوري لأربعة أيام في الأسبوع وعدم استعدادها لهذا الأمر المهم”.

وحتى لحظة أعداد هذا التقرير، لم يصدر من وزارة التربية سوى بعض التبريرات والوعود بشأن هذه الأزمة الكبيرة، فيما ينتظر الأهالي حل المشكلة خصوصا وأن ثلث الموسم الدراسي شارف على الانتهاء، ولم يتبق الكثير ليكمل الطلبة والتلاميذ نصف الموسم بالكامل. فلم توفر الوزارة الكتب، بينما يتوجه أولياء الأمور إلى المكتبات لتعويض النقص.

من جانبها، تؤكد المواطنة أم مريم، التي تعيش في العاصمة أيضا، أنها لجأت إلى “الاقتراض من أجل شراء الكتب المدرسية لثلاث بنات وولد في المراحل الابتدائية والمتوسطة”، مبينة أن “الأسعار مكلفة وحتى التي تباع بعد استنساخها لا تقل كلفة الكتاب الواحد عن خمسة الاف وبدأت الأسعار تتصاعد خصوصا للمراحل الثانوية والإعدادية في الوقت الذي يعاني الكثير من الفقر والبطالة والتهميش وعدم قدرتهم على تسديد كلف هكذا متطلبات هي أصلا ضمن واجبات الدولة”، متهمة وزارة التربية بـ”التقصير والإهمال وتورط مسؤولين كبار بملف فساد طباعة المناهج خارج العراق خصوصا وأنه على لسان نواب وسياسيين جاءت هذه التأكيدات وباتت القضية بمثابة الفضيحة لكن دون جدوى من إيقافها”. وحاولت وزارة التربية تبرئة ساحتها من هذه التهم عبر المتحدث باسمها، حيدر فاروق، والذي قال، في تصريح للتلفزيون الرسمي: إن تأخر تسليم الكتب المدرسية يعود إلى عدة عوامل، من بينها “تأثير ظروف جائحة كورونا، والتحول بين الدوام الحضوري والتعليم عن بعد”، مضيفاً أن السبب المباشر هو “قلة المخصصات المالية لطباعة الكتب، كما اتهم بعض إدارات المدارس بتسريب الكتب المدرسية إلى الأسواق”. لكن المبررات التي تسوقها وزارة التربية لا تقنع غالبية المواطنين الذين يواصلون كيل التهم إلى مسؤولي الحكومة، ويتسق ذلك مع وجود اعترافات بالفعل متداولة لسياسيين ومسؤولين كبار في الحكومة حول وجود فساد كبير في جميع مرافق الدولة، وأن ضحيتها المواطن البسيط.

  الفساد وراء القصة

وتحدث مشرف تربوي لـ”طريق الشعب”، عن أسباب جعلت القطاع التعليمي يصل إلى هذه المشكلة والحال المتردي والمؤسف.

ويقول المشرف الذي لم يكشف عن أسمه، أن “السبب الأول هو وزارة التربية التي تتحمل تبعات عدم تسليم الطلبة كتبهم في الوقت المحدد وما ينتج عن ذلك من خراب تعليمي جسيم. كما أن المعاناة لهذا القطاع تعود للمحاصصة الطائفية والفساد الذي استشرى في وزارة التربية وبقية وزارات الدولة، ولم تفسر الوزارة على سبيل المثال أسباب هذه المشكلة، وبررت بكلام غير منطقي. وهناك مؤشرات واضحة على وجود ملف فساد ضخم لمتنفذين يحتكرون طباعة الكتب المدرسية، فضلا عن إناطة مسؤولية الطبع لمطابع تابعة لهم ولأخرى خارج البلد، بينما هناك عشرات المطابع المحلية الرصينة التي تهمش ولا تستفد الوزارة من الطباعة فيها بالأسعار والمطالب المراد تحقيقها”.

ومؤخرا أصدرت محكمة تحقيق الرصافة أمر استقدام بحق مسؤولين سابقين للتحقيق بعقود طباعة المناهج في وزارة التربية.

وقالت هيئة النزاهة العامة في بيان طالعته “طريق الشعب”، أن “قاضي تحقيق محكمة الرصافة المختصَّة بالنظر بقضايا النزاهة، أصدر أمر استقدامٍ لوزير التربية والمدير العام لشركة النهرين للطباعة وإنتاج المستلزمات التربوية السابقين، استناداً إلى أحكام المادة 340 من قانون العقوبات”.

وأضاف البيان أن “تفاصيل القضية تشير إلى اتهام أحد أعضاء مجلس النواب بالاستيلاء على عقود الوزارة لطباعة الكتب والدفاتر، وإحالة عقد طباعة الدفتر المدرسي من قبل قسم العقود إلى شركة النهرين التي قامت بدورها بإحالة العقد لإحدى الشركات الأهلية، لغرض طباعته خارج العراق”.

وزاد البيان أن “قاضي التحقيق ونتيجة المعطيات المتوفرة لتوصيات الفريق التحقيقي المؤلف في الهيئة، قرّر إصدار أمر الاستقدام بحق المشكو منهما، استناداً لمضامين المادة الحكمية”.

هذا وقد أعلنت النزاهة في وقت سابق عن صدور أحكامٍ قضائية مختلفة بحق الوزير ووكيل التربية ومدير قسم الرقابة الداخلية وسكرتير الوزير السابقين، فضلاً عن المدير المفوض للشركة المتعاقدة معها، على خلفية مخالفات شابت عقداً أبرمته الوزارة مع إحدى الشركات الأهلية”.

 لماذا لا تحل المشكلة؟

تشكل المطابع العراقية قطاعا من قطاعات الصناعات الوطنية العراقية. ومنذ نشأته ساهم وبشكل كبير وفعال في إنتاج المطبوعات على اختلاف أنواعها، وفي مقدمتها المطبوعات المنهجية للمراحل الدراسية كافة. وبعد عام 2003 تعرض هذا القطاع إلى ضربة قوية كبقية القطاعات الصناعية من خلال عزوف معظم الوزارات وفي مقدمتها التربية عن طبع متعلقاتها الدراسية لدى هذه المطابع صاحبة الخبرة والكفاءة، وتفضيل مطابع في دول مجاورة تتعاقد بأرقام مثيرة للريب، ولا تحقق النتائج المرجوة في كل مرة. ويتحدث ماجد عبد الرحمن وهو صاحب مطبعة محلية عن تفاصيل عديدة بشأن مشكلة المطابع العراقية التي تعاني الإهمال والتهميش في ملف طباعة الكتب؛ إذ يقول لـ”طريق الشعب”: “أتذكر حادثة مهمة في هذا الجانب، فقبل بداية العام الدراسي 2011 - 2012 ومع موسم طباعة الكتب المدرسية أثيرت تلك المشكلة بشكل أعمق بعد تجاهل وزارة التربية مطالبات أصحاب المطابع بتحويل مطبوعات التربية اليهم، وتحويلها إلى جهات حكومية وعربية، فيما تبين لاحقا أن السبب الرئيسي هو الفساد والصفقات التي أحالت العقود إلى الخارج عن طريق جهات متنفذة، ما جعل أصحاب المطابع محبطين وفاتت فرص عمل على أعداد هائلة من الأيادي العاملة”، مضيفا “أن المطابع العراقية تمتلك مواصفات فنية وتقنية عالية وان ما يشاع عن ضعف مواصفاتها الفنية عار عن الصحة، بدليل أن تجربتها طويلة في طبع المناهج الدراسية ولكافة المراحل، وقامت بطبع كافة الوثائق واللوازم الحكومية بمواصفات عالية الجودة كصكوك المصارف/ جواز السفر/ هويات الأحوال المدنية/ شهادة الجنسية العراقية، ونماذج مختلفة من كافة الوثائق والوصولات، وكل ما تحتاجه وزارات الدولة العراقية”.

وتابع عبد الرحمن، أن إهمال المطابع من قبل الحكومة العراقية وعدم إحالة مطبوعاتها إليها والاستمرار حتى اللحظة بتهميش الجهود المحلية يعني “توقف عدد من هذه المطابع عن العمل أو تقليص دورها وتسريح آلاف المنتسبين من عمال وفنيين وحرفيين، مع العلم بأنه في فترة من الفترات نفذت مطابعنا المحلية طباعة الكتب، التي أقرت وزارة التربية بروعة النتائج وبفترات قياسية ونوعيات ممتازة. وهذا كان عمل أغلب المطابع ما عدا نسبة ضئيلة جدا لم تحقق المطلوب”.

عرض مقالات: