اخر الاخبار

يأتي اليوم الدولي لمنع التطرف العنيف ليضع الدول أمام مسؤولياتها في مواجهة هذه الظاهرة، لكن في العراق، يبدو أن الحكومة ما زالت بعيدة كل البعد عن تقديم حلول حقيقية. فعلى مدار السنوات الماضية، اكتفت السلطات بمعالجات أمنية سطحية، في حين تجاهلت الجذور العميقة للتطرف المرتبطة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعصف بالبلاد.

ولم تقدم الحكومات المتعاقبة سياسات واضحة أو تنشئ مؤسسات فعالة لمعالجة التطرف. بل على العكس، ساهمت الطبقة السياسية الحاكمة في تعميق الانقسامات الطائفية واستثمارها لأغراض سياسية وانتخابية، ما خلق بيئة خصبة لانتشار الفكر المتطرف.

شريك صامت

الأحزاب المتنفذة تغذي التطرف وخطاب الكراهية وتستغل مشاعر الخوف والانقسام لضمان بقائها في السلطة، في ظل غياب تام لبرامج التنمية الحقيقية أو إصلاحات اقتصادية جدية. كما أن الافتقار إلى الشفافية بشأن مدى نجاح أو فشل السياسات الحكومية يجعل من الصعب تقييم فعالية هذه الجهود.

ويؤكد معنيون، انه بدون إرادة سياسية حقيقية، ومعالجات مؤسسية شاملة تتجاوز الحلول الأمنية إلى إصلاحات جذرية في البنية الاجتماعية والسياسية، يبقى العراق يدور في دوامة العنف والتطرف، وستظل الحكومات المتعاقبة شريكاً صامتاً في استمرار هذه الأزمة.

العراق يرفض أشكال العنف

وفي هذه المناسبة، قال رئيس الوزراء محمد السوداني، في تدوينة له على منصة (x)، أن العراق يرفض كل أشكال العنف، مؤكدا "استمرار العراق على منهجه الدستوري والقانوني والأخلاقي، الرافض لكل أشكال العنف، وخطابات التطرف الداعمة لها".

وأضاف، أن “شعبنا حارب الإرهاب وهزمه نيابةً عن العالم الحرّ، وأرسى قواعد الاستقرار والسلم الأهلي”، مبينا أن “العراق يقف اليوم إلى جانب كل الجهود الإقليمية والدولية التي تعمل على تعزيز أمن الشعوب، الشقيقة والصديقة، وحمايتها من خطاب التطرف، والتحريض والعدوان ومصادرة الحقوق التاريخية”.

تحديات كبيرة

وفي هذا الصدد، اكد رئيس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية، د. سعد سلوم أن اليوم الدولي لمكافحة التطرف العنيف يُعد مناسبة مهمة للتذكير بمخاطر هذه السياسات وتداعياتها الاجتماعية، مضيفا أن "تقييم فعالية المعالجات الحالية يواجه تحديات كبيرة، أبرزها غياب الأرقام الدقيقة التي تعكس مدى نجاح أو فشل الجهود المبذولة في هذا المجال".

وأشار سلوم في حديث مع "طريق الشعب"، إلى أن "جذور التطرف ليست أمنية فقط، بل تمتد إلى أبعاد ثقافية، اقتصادية واجتماعية، ما يستدعي وضع سياسات شاملة وفعالة تعالج هذه الظاهرة من كافة جوانبها".

وأضاف، أن البطالة "تمثل أحد المحركات الأساسية للتطرف، إلى جانب الفجوة الجيلية وغياب المشاركة السياسية الفعالة للشباب، حيث تستهدف الفئات المتطرفة بشكل خاص الشباب بين سن 13 و15 عاماً".

وشدد المتحدث على أن "الاكتفاء بالإجراءات الأمنية، مثل الإعلان عن القبض على بعض المتطرفين أو رصد الظواهر المتطرفة، ليس كافياً"، مؤكداً أهمية "معالجة الجذور العميقة للتطرف، من خلال الاستعانة بخبراء متخصصين، وتعزيز الشفافية مع الجمهور عبر إعلان الإحصاءات الدقيقة وقياس مدى نجاح السياسات المعتمدة في مواجهة هذه الظاهرة".

وزاد بالقول أن "المعالجة الشاملة للتطرف، التي تأخذ في الحسبان البُعد الثقافي والاجتماعي إلى جانب الأمني، هي الفيصل الأساسي لمنع انتشار خطابات الكراهية والتطرف في المجتمع العراقي".

الاستثمار في التطرف لصالح من؟

وضمن السياق، قال رئيس مؤسسة مدافعون لحقوق الانسان، د. علي البياتي، أن المناسبات التي تحددها المؤسسات الدولية تشكل فرصة للدول والمجتمعات، لمراجعة أوضاعها وتقييم سياساتها في ما يتعلق بالتطرف ونتائجه، مشيراً إلى أن العراق لا يزال يعاني من مشكلات التطرف التي أدت إلى حروب أهلية ومجازر وابادات من دون وجود معالجات مؤسسية حقيقية على المستوى الوطني.

وأضاف البياتي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن جذور التطرف خاصة في مجتمعات الشرق الأوسط متأصلة تاريخياً ودينياً واجتماعياً، لكن ما يُفعل هذه الجذور هو الدعم السياسي للمؤسسات الإعلامية وتورط الأحزاب السياسية المتنفذة في لعب دور كبير في تأجيج هذا الخطاب".

وتابع بالقول: إن "الأحزاب المتنفذة تستخدم الأدوات الطائفية كوسيلة انتخابية بدلاً من تقديم برامج ومشاريع حقيقية تخدم المواطن، ما يؤدي إلى كسر ثقة الشعب"، مشيرا إلى أن "غياب الإنجاز الحقيقي في العراق يدفع هذه الأحزاب إلى تحريك المشاعر الطائفية وتخويف المجتمع من “الطرف الآخر” خلال كل دورة انتخابية".

وأكد البياتي أن "الخطوة الأساسية لمواجهة هذا الواقع، تبدأ بتشريع قانون يجرم الطائفية، سواء من قبل الأفراد أو السياسيين أو المؤسسات الإعلامية، مع فرض عقوبات واضحة. وبدون هذه الإجراءات، ستبقى مكافحة التطرف مجرد عناوين للاستهلاك السياسي والإعلامي".

وفي ختام تصريحه، شدد البياتي على أن الأحزاب المتنفذة "تتعامل بسطحية مع المجتمع والفرد، وتعمل بشكل دؤوب على إبقاء المواطن في حاجة دائمة إليها للحصول على أبسط حقوقه وخدماته. كما أنها تسعى إلى تسطيح وعي المجتمع وحصر الأفراد في قوالب ضيقة، لتنصّب نفسها كمدافع عن فئات معينة، ما يعزز من نفوذها، ويضمن استمرارها في المشهد السياسي".