في ظل التطور المتسارع في قطاع الاتصالات حول العالم، يبرز الواقع العراقي كحالة استثنائية، تعكس فجوة عميقة بين تطلعات المواطنين والخدمات المقدمة من قبل شركات الاتصالات.
وبرغم مرور أكثر من عقدين على دخول القطاع الخاص إلى هذا المجال، إلا أن جودة الخدمات لا تزال دون المستوى المطلوب، في وقت يدفع فيه المستخدمون تكاليف مرتفعة مقابل خدمات تعاني من ضعف في التغطية، وانقطاع متكرر، وسرعات إنترنت متواضعة لا تواكب المعايير العالمية.
وبين غياب الرقابة الحكومية الفاعلة وتفشي الفساد والمحسوبية وتضارب المصالح بين الجهات المسؤولة، تظل التساؤلات قائمة بشأن جدوى الإجراءات المتخذة بحق هذه الشركات، التي لم تلبِّ احتياجات المستهلكين، وهل المشهد سيبقى على حاله؟
كم تقدر وارداتها؟
لم تُصدر تقارير دقيقة بشأن إجمالي واردات شركات الاتصالات في العراق لعام 2024، ولكن يجري تقدير حجم الأرباح بناءً على معطيات السنوات السابقة؛ إذ تشير التقارير إلى أن مجمل أرباح هذه الشركات بين عامي 2009 و2020 تجاوز حاجز 6.2 مليار دولار، وهو ما يمثل 28 في المائة من إيراداتها الإجمالية. وحصلت الدولة خلال هذه الفترة على عائدات تبلغ نحو 13 مليار دولار من تراخيص، ضرائب مضافة، وضريبة دخل. وهنا، يمكن افتراض أن العائدات الحالية لا تزال مرتفعة نظراً لاستمرار الطلب على خدمات الاتصالات في العراق، رغم شكاوى المواطنين من تدني جودة الخدمة.
خدمات سيئة
رئيس لجنة النقل النيابية زهرة البجاري، قالت: إن "العقود التي تم إبرامها مع هيئة الاعلام والاتصالات شملت الرخصتين الاولى والثانية وكذلك الرخصة الرابعة، وتم التعاقد مع ثلاث شركات وهي زين العراق واسياسيل وكورك".
واضافت قائلة ان "شركة كورك والتي بذمتها مبلغ مليار وربع المليار دولار، برغم استعدادها للدفع، لكن حتى الان، لم تتم التسوية، ولم نتوصل للحل النهائي بشأن هذه التسوية".
وفيما يتعلق بالرخصة الرابعة اوضحت ان "احدى فقرات البرنامج الحكومي، تنص على تأسيس شركة وطنية لتقديم خدمات الانترنت والاتصالات، وكان هناك قرار برلماني ايضاً لتأسيس شركة وطنية ولكن حتى الان بعد مرور 3 سنوات وقرب دخولنا السنة الرابعة من عمر الحكومة، لم يتم انجاز هذا الملف".
واضاف، ان "هناك احاديث عن وجود موافقة على استقدام مشغل لهذه الرخصة، من دون الاعلان عن ذلك، بينما هذا يعني ان هذه الرخصة لم تعد وطنية في ظل دخول شركة مشغلة اجنبية".
ولفتت البجاري الى ان لجنتها "استفسرت من وزيرة الاتصالات بهذا الخصوص، واوضحت انها مجرد مذكرة تفاهم وقعت مع شركة فودافون لغرض دراسة السوق والجدوى الاقتصادية من هذه الشركة والية التصميم والتشغيل، لوضع خطة لهذه الشركة".
واكدت البجاري ضرورة "تحسين الخدمة التي تقدم الان للمواطن ومتابعة الشركات التي منحت الرخصة وتقييم عملها وجودة الخدمة التي تقدمها".
ونوهت الى انه "بات معروفاً ان خدمات شركات الاتصال غير جيدة وسيئة، في الكثير من مناطق العاصمة بغداد، على سبيل المثال ".
واكدت "ضرورة متابعة وتقييم جودة الخدمات التي تقدمها هذه الشركات، فهي مرتفعة قياساً بالخدمات التي تقدم في الدول الاخرى وجودتها".
وقالت في ختام حديثها ان "هذا الضعف في الخدمة المقدمة نتيجة الضعف الموجود في وزارة الاتصالات".
إيرادات منخفضة
الخبير الاقتصادي احمد عبد ربه قال ان "قطاع الاتصالات من القطاعات المهملة في العراق، والذي يمكن ان يحقق ايراداً قوياً للدولة، وممكن ان يسد جزءاً كبيرا من مصروفات الدولة العراقية".
وتابع قائلاً انه "بسبب الفساد والكومشنات، لم تستطع الدولة حتى الان الاستفادة من واردات هذا القطاع، و هنالك اتفاقات تحصل بطرق مختلفة للالتفاف على القرارات الحكومية والضرائب والرسوم".
واكد في السياق "ضرورة تخليص هذا القطاع من الفساد ومن المحسوبية ومن كل ما يؤثر على ملف الاتصالات في العراق"، مبينا ان ملف الاتصالات "ما يزال متأخراً مقارنة بدول العالم التي قطعت اشواطاً مهمة في تقديم خدمات الجيل الخامس مثلاً، بينما نحن الان حتى نعتمد فقط على الجيل الرابع وهي خدمات ذات جودة سيئة ايضاً". ودعا عبد ربه الى "فرض ضرائب على القطاع الخاص تتماشى مع حجم الايرادات الكبيرة التي يحققها قطاع الاتصالات. اغلب الذين يعملون في قطاع الاتصالات من مستثمرين هم غير عراقيين، وهذا امر خاطئ، و يفترض ادخال مستثمرين عراقيين واشراك القطاع الخاص العراقي، في استثمار هذه القطاعات المهمة والحيوية".
الديون على الشركات
وتشير تقديرات الى ان مجمل إيرادات الدولة من قطاع الاتصالات بين وزارة الاتصالات وهيئة الاتصالات والهيئة العامة للضرائب تقدر بحدود 1.5 ترليون دينار سنويا، مردفا ان هذا "المبلغ قليل جداً، مقارنة بمشاريع الاتصال الموجودة لدينا. أتوقع انه من الممكن ان يحقق لنا هذا القطاع بحدود 7-8 تريليون دينار سنوياً، فيما لو عملنا على تنشيطه بالشكل الجيد".
من جهته، أكد عضو لجنة النقل والاتصالات النيابية، زهير الفتلاوي، أن شركات الهاتف النقال العاملة في العراق عليها مبالغ مالية مستحقة لم يتم استيفاؤها حتى الآن، مشيرًا إلى أن "شركة زين العراق مطلوبة بأكثر من 4 ملايين دولار، بينما بلغت مستحقات شركة آسيا سيل نحو 2 مليون دولار، وشركة كورك أكثر من 870 مليون دولار".
وقال الفتلاوي في تصريح صحفي، إن "هيئة الإعلام والاتصالات تتحمل مسؤولية عدم تدقيق إيرادات شركات الهاتف النقال، رغم تخصيص 3 مليارات دينار من موازنة عام 2020 لهذا الغرض".
وأشار إلى "تخصيص مبالغ إضافية بقيمة 8 مليارات دينار لمتابعة وتدقيق الإيرادات، إلا أن الأموال المستحقة لدى الشركات لم تُستوفَ حتى الآن".