اخر الاخبار

يواجه العراق تحديًا خطيرًا يتمثل في التلوث بالألغام ومخلفات الحروب، حيث يُصنّف واحداً من أكثر دول العالم تلوثًا بالقنابل الموقوتة.

فنتيجة للحروب الطويلة والصراعات التي اقحم العراق فيها، تنتشر الألغام في محافظات عدة، أبرزها البصرة وميسان وديالى، إضافةً إلى المناطق الحدودية، ما جعلها فخاخًا مميتة يذهب ضحيتها الأبرياء باستمرار.

خطة وزارة البيئة

وأعلنت وزارة البيئة عن خطة تهدف إلى تطهير العراق من هذه الألغام بحلول عام 2028، ورغم الترحيب بسقف زمني لإنهاء هذا الملف، يؤكد خبراء ضرورة تخصيص ميزانيات ودعم دولي لتحقيق هذا الهدف وتجنيب العراقيين المزيد من الخسائر.

تخصيصات شحيحة!

يقول مدير قسم التوعية في دائرة شؤون الألغام، مصطفى حميد، أن دائرته حددت حجم التلوث بالألغام والذخائر بحدود 6400 كيلومتر مربع، عام 2003 اثناء تأسيسها.

 ويؤكد انه "في الوقت الحالي بقي من المساحة الملوثة ما يقارب 2100 كيلومتر مربع وبنسبة إزالة تتجاوز 57 في المائة".

وبالحديث عن أنواع الألغام يبين حميد لـ "طريق الشعب"، أن "أنواع الألغام الموجودة في العراق تكون عادة ألغام مضادة للأفراد والدروع، وذخائر عنقودية تتركز في محافظة المثنى، والعبوات الناسفة التي تُعتبر من مخلفات داعش". ويشير الى أن "محافظة البصرة تعد الأولى بحجم التلوث، تليها محافظات ديالى والأنبار وبابل والمحافظات المحررة من داعش".

وذكر ان العراق لديه ثلاث اتفاقيات تهدف للتخلص من التلوث بالألغام: اتفاقية أوتاوا للألغام المضادة للأفراد، اتفاقية القنابل العنقودية، واتفاقية خاصة بالعبوات الناسفة". وأوضح ان "السقف الزمني للاتفاقيتين الأولى والثانية يمتد لسنة 2028".

وعلل حميد سبب تأخر العراق في تنفيذ الاتفاقية التي كان يفترض الانتهاء منها سنة 2018، بـ "الحرب على الإرهاب وعدم توفر الموارد المالية لعدم إقرار الموازنات في أعوام سابقة".

ويؤكد حميد، أن "العراق سيكون خالياً من الألغام نسبيا، فهذا يعتمد على القدرات البشرية والمالية واللوجستية. هناك بعض التمويل الذي توفر من خلال الموازنة الثلاثية التي أقرها العراق (2023-2025)، إلا أنه لا يلبي الطموح".

المناطق المحرمة

وتعتبر المساحات المحرمة في العراق من القضايا الحساسة التي لها تأثيرات كبيرة على الأمن والخدمات العامة. يتحدث للخبير الأمني علي البيدر، على المخاطر المتعلقة بهذه المناطق، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجتها.

يقول البيدر لـ "طريق الشعب"، أن "هناك العديد من المناطق المحرمة التي لا يستطيع المواطنون أو المؤسسات الأمنية الاقتراب منها بسبب وجود متفجرات متنوعة. هذا الوضع لا يمنع فقط الاستفادة من هذه المساحات، بل يشكل أيضاً تهديدًا واضحًا على حياة الإنسان والكائنات الحية. يمكن أن تتسبب هذه المتفجرات في حوادث مأساوية إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح، ما يزيد من حدة الأزمات الأمنية.

ويضيف: "تؤثر هذه المساحات المحرمة سلبًا على الواقع الخدمي في البلاد، حيث تعيق خطط التطوير والبناء في مناطق يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة للمواطنين. عدم القدرة على استغلال هذه الأراضي يُسهم في تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية".

ويشير البيدر إلى أن "عدم تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بتصفير هذه الأزمة يعود جزئياً إلى انشغال المنظومة السياسية بأزماتها السابقة. ومع ذلك، هناك فرصة حالياً لتحسين الوضع، حيث يمكن أن تتوفر الإرادة السياسية اللازمة للشروع في خطوات جادة لمعالجة هذه القضية". وذكر ان "الأمر يتطلب وعيًا سياسيًا قادرًا على دفع هذا الملف إلى الأمام وتحقيق نتائج ملموسة".

شهادة حيّة

ميسان الزاملي، إحدى العاملات في منظمة متخصصة في تنظيف الأراضي من الألغام، تقدم شهادة حية عن التحديات والنجاحات في مجال إزالة الألغام في العراق.

بدأت ميسان عملها منذ عام ونصف العام في مجال انتشال الألغام، بدأت من منطقة جبال مكحول، حيث كانت المهمة تتطلب جهدًا كبيرًا وإصرارًا، ثم انتقلت إلى منطقة الربيع بالقرب من مصفى بيجي.

وتبين الزاملي لـ "طريق الشعب"، أن "جهودهم الحالية في العمل  في قرية السلام قرب سبايكر، حيث يتم التعاون مع قوات الحشد الشعبي والجيش في عمليات إزالة الألغام".

وتؤكد ميسان، أن "فرقها تمكنت من حصد أكثر من 500 عبوة غير منفجرة، حيث تُنفذ عمليات التفجير بالتعاون مع الجهات الأمنية، التي تحدد الأماكن المناسبة للتفجير".

وتشير ميسان الى أن "معظم المناطق المستهدفة لتنظيف الألغام هي أراضٍ زراعية، ما أثر بشكل سلبي على الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في تلك المناطق. من بين المتضررين، يوجد رعاة الأغنام، الذين يعانون من مخلفات الحرب، مما يجعل حياتهم اليومية مليئة بالمخاطر. وقد أظهرت الإحصائيات الخاصة بالمنظمة أن هناك العديد من الحوادث المرتبطة بمخلفات الألغام، مما يبرز الحاجة الملحة إلى عمليات إزالة فعالة".

إلى جانب إزالة الألغام، تركز ميسان وفريقها على التوعية بالمخاطر المرتبطة بمخلفات الحروب. حيث يوجد فريق توعية يعمل في المناطق المشبوهة، يقدم المعلومات والتوجيهات للسكان المحليين حول كيفية التعامل مع هذه المخاطر. كما أن هناك تعاوناً مستمراً مع الأشخاص المتضررين، خاصة ذوي الإعاقة، الذين يحتاجون إلى دعم إضافي نتيجة الظروف الصعبة التي يواجهونها.

وتبين، أن "جهود تنظيف الأراضي نجحت في إعادة الأمل إلى العديد من الأشخاص، حيث تمكن الكثيرون من العودة إلى مهنهم السابقة بعد إزالة الألغام. كما أن هناك طلبات متزايدة من الفلاحين للحصول على الدعم في إزالة الألغام من أراضيهم، ما يعكس أهمية العمل الذي تقوم به المنظمة في تحسين الحياة اليومية للمجتمعات المتضررة".

وتذكر ميسان، أن "تنظيف 5 كيلومترات من الأراضي قد يستغرق من 4 إلى 6 أشهر، أو حتى أكثر، ما يبرز حجم التحديات التي تواجه الفرق العاملة. ومع ذلك، فإن التزامهم تجاه هذه المهمة الإنسانية يظل قوياً، حيث يدركون أن كل عبوة يُمكن إزالتها تعني حياة آمنة لعائلات ومجتمعات كاملة".

وتختتم بالقول، إن "العمل على إزالة الألغام في العراق ليس مجرد مهمة إنسانية، بل هو خطوة نحو بناء مستقبل أكثر أماناً واستقراراً للبلاد، مما يتيح للناس العودة إلى حياتهم الطبيعية والمساهمة في إعادة إعمار وطنهم".

عرض مقالات: