اخر الاخبار

تشكل التصنيفات والمؤشرات الدولية أداة مهمة لقياس تقدم الدول في مختلف المجالات، بدءاً من مستوى الشفافية ومكافحة الفساد، مرورًا بالتنمية البشرية والتعليم، وصولًا إلى جودة الحياة وحرية الصحافة وغيرها من التصنيفات.

و تُعد هذه المؤشرات مرجعاً رئيسياً للحكومات والمستثمرين لتقييم الأداء واتخاذ قرارات مبنية على معايير موضوعية، ما يجعلها بمثابة مرآة تعكس واقع الدولة وتساعد في تحديد نقاط القوة والضعف.

 ومع ذلك، ما زال العراق في تراجع مستمر في العديد من التصنيفات والمؤشرات الدولية، على اختلافها وتنوعها.

 وبحسب مختصين، فانه وان حقق تقدما في تصنيف معين، فنجده سيئا من ناحية المؤشرات الفرعية.

ويحتل العراق مراتب متأخرة في مؤشرات مهمة، مثل مكافحة الفساد، وجودة التعليم، وحرية الصحافة. ويعزى ذلك الى غياب الإصلاحات الفعالة، وسوء التخطيط وانفلات السلاح  وغياب الاستقرار السياسي، ما يعيق البلاد عن تحقيق تقدم ملموس.

ما أبرز هذه المؤشرات؟

هناك مؤشرات وتصنيفات عديدة مهمة يحتل فيها العراق مراتب متدنية سواء كانت سياسية او اقتصادية ام حقوقية، لعل أبرزها مؤشر الدول الهشة، ومؤشر الفساد العالمي، إذ يُصنف البلد ضمن الدول الأكثر فسادًا، وكذلك التدني الملحوظ في مؤشر حرية الصحافة نتيجة القيود المفروضة على الإعلام والانتهاكات ضد الصحفيين، إضافة إلى تراجع جودة التعليم وفقًا لتقارير اليونسكو، كما يُصنّف العراق ضمن الدول الأقل استقرارًا في مؤشر السلام العالمي بسبب استمرار النزاعات الأمنية.

وفي مؤشر التنمية البشرية، يظهر العراق في ترتيب متأخر، نتيجة تحديات في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، فضلاً عن مراتب متدنية في التصنيفات البيئية المرتبطة بالتلوث وجودة الهواء وإدارة الموارد المائية.

وفي هذا الصدد، قال استاذ السياسات الخارجية والدبلوماسية في جامعة جيهان د. مهند الجنابي: ان "المؤشرات والتصنيفات العالمية، هي لغة القرن 21 في العلاقات الدولية، وتمثل سمعة الدولة بين دول العالم، وينعكس في مسائل عديدة تتعلق بالقروض التي تمنح والتسهيلات المالية والنقدية السياحية وغيرهم.

واضاف، ان هناك العديد من الانعكاسات الايجابية التي لا حصر لها، والتي ترتبط بطبيعة السمعة الدولية للدولة، والتي تقرأ عن طريق المؤشرات والتصنيفات العالمية التي تعدها منظمات ومراكز الابحاث الدولية الموثوقة، والتي تتمتع بمكانة سياسية، ومن خلال تصنيفات علمية واكاديمية.

الدولة الهشة

وبين انها "تعتمد على مئات الالاف من التقارير التي تعد على مدى عام، بناءً على رصد ومعلومات اغلبها تكون رسمية وبعضها تكون موثوقة، وبناء على هذه المعلومات التي ترصد، توضع منهجية معينة في تصنيف هذه الدول، ويكتسب موثوقية كبيرة".

واشار الى ان "العراق وان حقق تقدما في مساحة معينة، إلا أن وضعه ما زال متدنيا في العديد من التصنيفات المهمة من بينها على سبيل المثال تصنيف الدول الهشة، وهو تصنيف مهم جدا يصنف القطاع الامني والاقتصادي والسياسي، ويعطينا صورة كاملة عن وضع الدولة اقتصادياً وسياسياً وامنياً"، مشيراً الى ان "هذه الصورة تنعكس بشكل مباشر على سمعة الدولة وعلى سياستها الخارجية".

واوضح، ان هذه المؤشرات والتصنيفات "تعتمد عل فئة واسعة من المؤشرات الفرعية، والتي من خلالها تقاس طبيعة او درجة الدولة على المؤشر الرئيسي. وعلى سبيل المثال فالمؤشر السياسي وتراجع الوضع السياسي في العراق يعتمد على صعود درجة الديكتاتورية في فترة معينة او حرية التعبير عن الرأي والصحافة وحقوق الانسان وهكذا، او تعطل انتخاب رئيس برلمان لمدة سنة، وهذا يعتبر مؤشرا مهما على وجود انقسام سياسي في العراق. وحالة عدم استقرار سياسي".

مؤشرات دولية

ونوه الى ان "هذه المؤشرات الفرعية هي من تعطي الصورة الكاملة عن طبيعة الدولة في كل قطاع من قطاعاتها، وعلى هذا الاساس توضع الدولة في المؤشر او التصنيف العالمي مع دول العالم الاخرى".

وعن ابرز التصنيفات التي يعد وضع العراق فيها مرتبكاً قال: ان "مؤشر الدول الهشّة يكاد يكون المؤشر الابرز والاهم من بين المؤشرات الاخرى، ويحتاج هذا المؤشر الى مراجعة حقيقية بشكل سنوي وتقييم نقاط الضعف في بنية الدولة العراقية، وبالتالي العمل على معالجتها"، مبينا انه "يعطي توصيات الى صناع القرار في كل دولة من دول العالم، فهي أشبه بتحليل شامل لوضع دولة معين يمكن ان يؤخذ به من قبل مؤسسات الدولة ووزاراتها او مجلس الوزراء والسلطة التشريعية".

وتحدث عن مؤشرات اخرى مثل "مؤشر صندوق النقد و البنك الدوليين في ما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية، وكذلك مؤشر الشفافية الدولية حول نسبة الفساد والنجاحات التي يمكن ان تتحقق في دول العالم او التراجع الكبير".

وخلص الى ضرورة "مراجعة مؤسسات الدولة لهذه المؤشرات ودراستها والخروج بقرارات إصلاحية على ضوء نتائج هذه المؤشرات، خصوصاً على مستوى مؤسسات صنع القرار، إذ ينبغي ان تكون هذه المؤشرات ومعالجتها على رأس الأولويات واجندة العمل، وان لا تبقى عملية الرصد مقتصرة على المؤسسات العلمية والاكاديمية، وفي افضل الأحوال المجال الصحافي، بل ان يكون على مستوى تنفيذي تشريعي، و اتخاذ القرارات المناسبة والقيام بعمليات اصلاح جذرية وحقيقية تكون لها اثار ملموسة في تقدم العراق في مختلف التصنيفات والمؤشرات الدولية، ولكن في ظل الانقسام السياسي قد يكون ذلك صعباً".

نتيجة حتمية

الى ذلك، عزا رئيس مركز القمة للدراسات، د. محسن العكيلي اسباب التراجع المستمر للعراق في مختلف المؤشرات والتصنيفات الدولية إلى عدد من العوامل التي ترتبط بالوضع السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والقانوني في البلاد.

وقال لـ"طريق الشعب"، ان "هذه التصنيفات والمؤشرات مهمة دولياً، حيث تُستخدم من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والمستثمرين لتقييم أوضاع الدول، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، حيث ان الدول التي تحتل مراكز متقدمة تعتبر مستقرة وجاذبة للاستثمار، وتتمتع بسمعة دولية إيجابية"، مبينا ان لها "تأثيرا كبيرا على الاستثمار، فالتصنيفات المتعلقة بالشفافية والفساد والاستقرار الأمني، تؤثر بشكل مباشر على قرارات الاستثمار، فالدول التي تحتل مراتب متأخرة تجذب استثمارات أقل وتعاني من بطء في التنمية".

وعد تلك المؤشرات "اداة لتقييم إدارة الحكومة للبلد ومدى احترام النظام السياسي لحقوق الإنسان، والحريات العامة، والنزاهة في عمل مؤسسات الدولة. كما انها تعطي صورة كاملة عن جودة الحياة بما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية وحقوق الإنسان، اضافة الى أنها تلعب دورًا في الهجرة، حيث يسعى الأفراد للعيش في دول ذات مؤشرات إيجابية".

أسباب التراجع

وعن أسباب التراجع في التصنيفات السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان في العراق، أكد لنها ترتبط بـ "سوء الادارة وضعف التخطيط، وعدم مراجعة هذه التصنيفات بنظرة فاحصة تهدف الى معالجة المشاكل.

وتوضح تقارير الفساد ضعف الشفافية والمساءلة، وهو ما ينعكس سلبًا في تصنيفات عديدة مثل مؤشر مدركات الفساد، اضافة الى عدم الاستقرار السياسي والتوترات السياسية المستمرة، وضعف النظام السياسي، ما يخلق مناخًا غير مستقر يُعرقل الإصلاحات ويزيد من هشاشة الوضع الداخلي".

وبيّن ان " تراجع العراق امر واقعي بالنظر الى الظروف التي يقاسيها المواطن، في مختلف جوانب حياته، حيث ان هناك  ضعفا في توفير خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء والنقل، وهو ما يؤدي إلى تدهور في جودة الحياة ومستويات المعيشة، ويضع العراق في مراتب متأخرة في مؤشرات البنية التحتية، وكذلك الحال بالنسبة لانتهاكات حقوق الانسان،  ووضع الاقتصاد العراقي الذي يعاني من الركود نتيجة لعدم استقرار أسعار النفط واعتماد الحكومة على عوائد النفط بشكل أساسي، إلى جانب ارتفاع مستويات الدين العام والعجز المالي، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، فيما تشهد البلاد مستويات مرتفعة من الفقر بسبب نقص الفرص الاقتصادية وتدهور الخدمات العامة".