اخر الاخبار

انعطافة "إنقاذ" سجلها انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام الماضية، ساهمت في تخفيف الضغط على النقص المستمر في تجهيز الطاقة الكهربائية للمواطنين، وتسببت بغضب شعبي واسع خلال الصيف الماضي، كون هذا الملف صنع حكاية "مؤلمة" مع العراقيين خلال العقدين الماضيين، فيما تستمر "حلول" النهايات المفتوحة قيد التقييم وبلا نتائج ملموسة، لا سيما أن الوعود التي قطعتها المؤسسات المسؤولة عن هذا الملف والتعاقدات التي جرى الإعلان عنها خلال ذروة الأزمة، ومع إعادة البحث فيها، نجد جانبًا منها قد أخذ مسارات إعلامية ولا حقيقة لتنفيذها في الواقع.

اتفاقية النفط مقابل الغاز الإيراني

لم تنفذ!

في عودة إلى التعاقد الذي أعلنه العراق قبل يومين، مع الجانب التركمانستاني لتوريد الغاز، عاد الحديث عن الاتفاق السابق مع الجانب الإيراني الذي جرى توقيعه مطلع تموز 2023، لتبادل النفط الأسود بالغاز، لغرض تشغيل محطات الكهرباء العراقية، وتفادي عقوبات واشنطن المفروضة على طهران، إذ يؤكد الخبراء أن هذا الاتفاق لم يتحقق، بسبب الاعتراضات الأمريكية. بالمقابل، استمرت تصريحات الأطراف المقربة من الحكومة، تحت عناوين مختلفة، من بينها "مصادر" مطلعة على المشاورات الحكومية، باعتبار الاتفاق إنجازاً مهماً سيعود بالفائدة على العراق، وذهبت إلى وضع حلول مضافة، من بينها إرسال كميات نفط إقليم كردستان إلى إيران، مقابل الغاز، خاصة في ظل استمرار إيقاف صادرات النفط عبر تركيا، لكن في الحقيقة، لم يذهب نفط كردستان إلى إيران، واستمر توقف تصديره عبر ميناء جيهان التركي.

الخبير الاقتصادي، والتدريسي في جامعة المعقل بالبصرة، نبيل المرسومي، أكد أن اتفاقية تبادل النفط الأسود مقابل الغاز التي أبرمها العراق مع إيران لم تنفذ، بسبب الاعتراضات الأمريكية، والعراق يقوم حاليًا بتحويل أموال الغاز عن طريق مصرف في قطر لحل هذه الإشكالية.

وعود الاكتفاء في 2027 تبخرت

واستعرض المرسومي لـ"طريق الشعب" حيثيات الاتفاق مع تركمانستان، مبينًا أنه "جرى بأسلوب الدفع المسبق عن طريق فتح حساب في مصرف TBI ويدفع ثمن الغاز مقدمًا، مقابل توريد 20 مليون متر مكعب يوميًا من خلال الأنابيب الإيرانية"، لافتًا إلى أن "هذا الاتفاق جرى في الوقت الحالي، لكن الاتفاق حول استيراد الغاز القطري من خلال الناقلات لم يحدث لغاية الآن". وأضاف، أن "مشكلة الغاز لن تحل في العراق كون 60 بالمائة من المحطات الكهربائية في العراق تعتمد على الغاز، بالتالي حتى مع استثمار كامل الغاز العراقي المصاحب لن يكفي لسد الحاجة المحلية، وسيبقى العراق بحاجة إلى إيران وتركمانستان وربما قطر حتى يسد الحاجة المحلية".

الاكتفاء بعد 10 سنوات!

ويرى الخبير الاقتصادي، أنه "في حال توجه العراق لإنشاء محطات كهربائية تستخدم مصادر أخرى غير الغاز، خاصة الطاقة الشمسية ربما سيحقق العراق الاكتفاء الذاتي بعد 10 سنوات، وأيضًا عندما يستثمر ليس فقط الغاز المصاحب وإنما الغاز الحر الموجود في العراق بحقول المنصورية وعكاز وخرمور في كردستان". وأشار إلى أن "العراق، لو كان سيحقق الاكتفاء الذاتي خلال سنتين أو ثلاث، لما أبرم عقدًا جديدًا مع تركمانستان لاستيراد الغاز ولما بحث عن مصدر ثالث من خلال الغاز القطري"، لافتًا إلى أن "المسؤولين العراقيين يعرفون أن الغاز العراقي لا يكفي لسد الاحتياجات لتوليد الطاقة".

معالجة أزمة تخلق أزمة أخرى

وتطرق المرسومي، إلى بعض الوعود التي يتم إطلاقها دون أن يتحقق منها شيء، وتتضح فيما بعد بخلق إشكالات في قطاعات أخرى، آخرها أزمة "الكاز" في الأسواق المحلية. ولفت المرسومي، إلى أن "إعلان وزارة النفط بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز في عام 2027 كلام غير صحيح، وجرى لغرض الاستهلاك الإعلامي، وهو ما حصل أيضًا في أزمة (الكاز) عندما استعجل العراق بإعلان تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعاد اليوم لإبرام عقد استيراد 150 ألف طن من مادة الكاز بسبب نقصه ووجود أزمة، وتحول محطات الكهرباء من استهلاك الغاز إلى استهلاك وقود الديزل".

الكهرباء تستهلك الخزين الاستراتيجي

وكانت لجنة النفط والغاز النيابية، قد كشفت عن قيام وزارة الكهرباء بتشغيل المحطات الكهربائية باستخدام مادة الكاز وبالتالي أثر سلبًا على المواطنين، حيث نفد الخزين الاستراتيجي في وزارة الكهرباء وفي وزارة النفط من مادة الكاز. وأشارت اللجنة إلى أن "العراق ذاهب لاستيراد مادة الكاز من الخارج وأقرب شحنة ستصل إلى العراق في تاريخ 25 من شهر تشرين الأول الجاري لتعويض الخزين الاستراتيجي الذي تم استنفاده من وزارة الكهرباء.

وعدت اللجنة ذلك مؤشراً سلبياً سينعكس على وضع المواطنين بشكل او بآخر، مشيرة الى ان عمليات الإنتاج من خلال المصافي الموجودة تشكل زيادة بسيطة جدا عن المستهلك، لان الانتاج يضاهي الاستهلاك، ولكن احتياج وزارة الكهرباء لهذه الكميات ادى الى حصول ازمة بالكاز.

معالجات جزئية للازمة

من جهتها، أفادت الخبيرة في مجال الطاقة، الدكتورة سامية العبيدي، بأن نقص إمدادات الغاز الإيراني دفع وزارة الكهرباء العراقية إلى البحث عن بدائل، من بينها استيراد الغاز من تركمانستان عبر الخطوط الإيرانية نفسها.

وأشارت العبيدي إلى أن الكميات المستوردة من تركمانستان لا تغطي سوى جزء بسيط من العجز الكبير في الطاقة الكهربائية، والذي يصل حالياً إلى أكثر من 10,000 ميغاواط، منوهة إلى أن الكمية المستوردة من تركمانستان تسهم في توليد أقل من ثلث العجز في إنتاج المنظومة الوطنية للكهرباء.

وتساءلت العبيدي عن مصير الكميات المستوردة من الغاز الإيراني، مشيرة إلى ما إذا كانت ستستخدم لتشغيل محطات الكهرباء التي تعتمد أساساً على الغاز الإيراني أو لتشغيل محطات جديدة.

وتابعت أن محطات العراق تولد الآن 27,000 ميغاواط، بينما الطلب على الكهرباء يتراوح بين 35,000 و40,000 ميغاواط، مما يجعل التعاقد مع تركمانستان مجرد حل جزئي للأزمة.

وأكدت العبيدي أن الحل الجذري يكمن في بناء محطات كهرباء جديدة وكبيرة واستثمار الغاز المحروق حالياً مع النفط.

الاعتماد على الطاقة المتجددة

كما انتقدت الاتفاقية مع تركمانستان، مشيرة إلى ضرورة اعتماد العراق على الطاقة الشمسية، التي لا تحتاج إلى وقود وتكلفتها وصيانتها أقل بكثير.

وأشارت الخبيرة إلى أن مذكرة التفاهم مع تركمانستان تتضمن استخدام أنابيب الغاز الإيرانية في نقل الغاز، وهو ما اعتبرته خطوة غير مشجعة، خاصة في ظل تدخل ثلاثة أطراف في العملية، من بينها شركة سويسرية مشغلة.

وأوضحت العبيدي أن الاتفاق مع تركمانستان ليس جديداً، حيث كان متوقفاً على موافقة إيران كون الغاز يمر عبر أنابيبها.

وأكدت أن هذا الغاز يخفف من النقص الحاصل في إمدادات الغاز الإيراني، إلا أنه لن يغطي كل احتياجات العراق من الطاقة، خاصة أن البلاد لا تزال تفشل في استغلال غازها المحلي الذي يحرق يومياً.

واختتمت العبيدي بتأكيدها على أن الحل الأمثل لأزمة الطاقة في العراق هو الاعتماد على الغاز المنتج محلياً، منتقدة الاستمرار في ما وصفته بالفشل المتكرر في هذا المجال.