يعد قانون حق الحصول على المعلومة إحدى المواد القانونية الحيوية التي تؤثر، بشكل كبير، على حياة الصحفيين والإعلاميين والباحثين وغيرهم من المهنيين الذين تتطلب تخصصاتهم الوصول إلى المعلومات الدقيقة.
تضمنت مسودة القانون التي أعدتها اللجنة القانونية النيابية العديد من الملاحظات والانتقادات التي شخصها المعنيون والخبراء في هذا المجال.
ويتعرض الصحفيون في العراق الى مضايقات عديدة أثناء ممارستهم المهنة، أبرزها صعوبة الحصول على المعلومة، والملاحقة القانونية، الاعتقال، الترهيب، خارج إطار القانون وقد تصل أحياناً إلى التصفية الجسدية والاغتيال، وهو ما حدث مع عدد من الصحفيين خلال الأعوام المنصرمة.
ثغرات تحد من فاعلية القانون
يقول الخبراء، أن المسودة الحالية للقانون تحتوي على ثغرات ونواقص قد تحد من فاعلية القانون وقدرته على تحقيق أهدافه الأساسية في تعزيز الشفافية وتسهيل الوصول إلى المعلومات.
وبناءً على ذلك، يرى الخبراء أن المسودة بشكلها الحالي لا تلبي الطموحات المطلوبة ولا تحقق الفائدة المرجوة منها، خاصة مع وجود حكومة تسعى بشكل مباشر وغير مباشر الى تقنين حرية الرأي والتعبير، كما تنتهك مبادئ حقوق الانسان.
ولأهمية حق الحصول على المعلومة، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلستها الأولى القرار رقم 59/1، ونصه: «إن حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان، وأنها محك جميع الحقوق التي كرست الأمم المتحدة نفسها للدفاع عنها، والوصول إلى المعلومات يشمل جمع ونقل ونشر المعلومات في كل مكان دون عقبات».
تحذير
يقول محيي زامل، ناشط في مجال حقوق الإنسان: إن «قانون حق الحصول على المعلومة يشكل حجر الزاوية لتعزيز الشفافية والمساءلة بين الاوساط المجتمعية»، مشيرا الى أن «هذا القانون يتيح للمواطنين الوصول إلى المعلومات الحكومية، وهو ما يعزز دورهم في الرقابة ومكافحة الفساد. وهذه خطوة مهمة نحو إدارة أكثر انفتاحاً، وأداة لتقييم أداء الحكومات؛ بما يتيحه للمتعاملين مع أجهزة الدولة المختلفة من أفراد وإعلاميين ومجتمع مدني رقابة أدائها ومساءلتها في حال وجود مخالفات نتيجة فساد أو سوء إدارة.»
ويضيف زامل في حديث لـ «طريق الشعب»، ان «البرلمان في هذا الشأن يعاني من ارتباك وتخبط كبيرين، وهو ما يظهر بوضوح من خلال المسودات الأخيرة التي تشير إلى التوجه نحو تقييد بعض الحقوق والحريات المكفولة بموجب الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية.»
ويحذر من تمرير المسودة الحالية، بما تحتويه من ثغرات قانونية، فقد يظل القانون شكلياً دون تطبيق فعلي، مطالبا بمعالجة العديد من الإشكاليات قبل إقرار هذه المسودة، من بينها تطوير البنية التحتية، لتحديث رقمنة المعلومات والوثائق، وتدريب الموظفين في الهيئات الحكومية على كيفية التعامل مع طلبات الحصول على المعلومات.»
ويشير زامل الى ان «المسودة الحالية تفتقر إلى الوضوح، وتحتوي على عبارات قد تقيّد نطاق تنفيذ الحق مثل عبارة ‹مصلحة مشروعة›. هذه العبارة قد تفتح المجال للتأويلات والرفض غير المبرر للطلبات. لذلك، من الضروري تعديل المسودة لتتماشى مع مبادئ الإفصاح الأقصى، التي تلزم المؤسسات بالكشف عن جميع المعلومات باستثناء الحالات الاستثنائية الضيقة.»
ويشدد على ضرورة تعزيز مفهوم الحوكمة المفتوحة من خلال توعية المواطنين بحقوقهم ونشر هذه الثقافة، مع تحديد الاستثناءات بدقة لتجنب توسيع نطاق التفسير على حساب الحق الأساسي. علاوة على ذلك، يجب أن تكون تكلفة طلبات الحصول على المعلومات معقولة، ويجب تعديل أو إلغاء القوانين التي تتعارض مع مبدأ الإفصاح الأقصى.
المقترح الجديد يقيد المعلومات
عمر العلواني، عضو منظمة «حق» لحقوق الإنسان، يقول إن «القوانين الجديدة المتعلقة بحق الحصول على المعلومات تعد أساسية ومهمة لتعزيز حقوق المواطنة قبل حقوق الإنسان»، مشيرا الى أن «حق الحصول على المعلومات يتيح لكل مواطن الوصول إلى تفاصيل الدولة والمشاركة في صنع القرار».
ويضيف العلواني لـ «طريق الشعب»، أن «المسودة الجديدة والمقترحة تهدف إلى تضييق هذا الحق، مما يتعارض مع الهدف الأساسي لهذه القوانين»، مكررا ما ذهب اليه المتحدثون السابقون بأن المسودة الحالية لا تلبي الطموح إذ تحتوي على مفردات غير محددة وواسعة المعاني، ما يقيد الوصول إلى المعلومات بشكل غير مبرر، ويعرقل حق المواطنين في الحصول على المعلومة.
قوى الفساد تقاوم الشفافية
من جانبها، تحدثت الناشطة الحقوقية آيات البرزنجي عن التحديات التي حالت دون تشريع قانون حق الحصول على المعلومة في وقت سابق، من بينها الأوضاع الأمنية والسياسية، ما يجعل من الصعب على البرلمان والحكومة التركيز على تشريع القوانين، بالإضافة الى عقبة أخرى كبيرة تتمثل بالفساد، حيث أن بعض الأطراف المستفيدة من غياب الشفافية والمساءلة تقاوم مثل هذه التشريعات.
وقالت عضو المرصد العراقي لحقوق الانسان، لـ «طريق الشعب»، أن «قانون حق الحصول على المعلومة له أهمية كبيرة في تعزيز الشفافية والمساءلة، إذ يتيح للمواطنين مراقبة أداء الحكومة والمؤسسات العامة بشكل أفضل. كما أن هذا القانون يلعب دورًا حيويًا في مكافحة الفساد، حيث يسهم الكشف عن المعلومات في تقويض الفساد وتعزيز النزاهة»، مضيفة ان «الوصول إلى المعلومات يساعد في تحسين الخدمات العامة من خلال تحديد الاحتياجات والمشكلات».
وأشارت الى أهمية مراعاة بعض النقاط في مسودة القانون، لتحسين فعالية القانون: «ينبغي الحذر من الاستثناءات الواسعة التي قد تستخدمها الجهات الحكومية لرفض الطلبات بحجة «الأمن الوطني» أو «الخصوصية» دون معايير واضحة»، كما دعت الى أن «تتضمن المسودة آليات واضحة لتقديم الطلبات ومعالجة الشكاوى في حال رفضها».
وشددت على ضرورة «تحديد الجهات المسؤولة عن توفير المعلومات ومحاسبتها عند عدم الالتزام، الى جانب جعل الرسوم المتعلقة بطلبات المعلومات معقولة حتى لا تعيق المواطنين».
واختتمت حديثها بالتأكيد على «توفير حماية قانونية للموظفين الذين يكشفون عن معلومات تتعلق بالفساد أو سوء الإدارة»، مؤكدة أن «معالجة هذه النقاط بشكل مناسب في المسودة الحالية، يجعل اقرار القانون خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية والمساءلة في العراق».
إفراغ القانون من محتواه؟
ويبدو ان القوى المتنفذة تريد افراغ القانون يراد من محتواه، من خلال كمية كبيرة من العبارات الفضفاضة التي لا يوجد لها تفسير واضح، مثل ‹المعلومات الخاصة بالأمن القومي› بالإضافة إلى منح البيروقراطية للمدير أو المسؤول عن منح المعلومة بأسلوب بروتوكولي ومعقد جدًا، ما يأخذ وقتًا من 72 ساعة إلى 15 يومًا، وقد يصل إلى 30 يومًا، وأحيانًا يصل الأمر إلى الامتناع عن تقديم المعلومة ورفض الطلب.
مشروع القانون بهذه الصيغة لا فائدة منه، خاصة أنه يتنافى مع مفاهيم الشفافية ويجب أن تكون هناك تفاصيل ومعلومات واضحة للجميع، وأن يكون التعامل على أسس الشفافية والديمقراطية، مع منح المواطن المعلومة بشكل سلس ومن دون تعقيد، ويبدو ان القوى المتنفذة تحاول الاستعراض بتشريع قوانين تتناغم مع متطلبات حقوق الانسان من حيث الاسم فقط.