قرب أحد المراكز الامتحانية في الجزء الشرقي من العاصمة بغداد، نصب أبو حيدر وعدد من رفاقه الشباب سرادقا، وأخذوا يوزعون الماء البارد والعصائر المعلبة على طلبة الصف السادس الاعدادي، الذين توافدوا يوم أمس على المراكز الامتحانية في عموم البلاد، لأداء امتحانات البكالوريا، والتي كانت غالبيتها بعيدة عن مناطق سكناهم، ويفتقر بعضها للتيار الكهرباء، ووسائل التكييف وغير ذلك من المشكلات التي تتكرر سنويا، من دون من تجد طريقا للمعالجة.
وتناقلت بعض منصات التواصل الاجتماعي أخبارا عن تسرب أسئلة مادة التربية الإسلامية للصف السادس الإعدادي/ الفرع العلمي، الأمر الذي أربك الطلبة، وأثار استياءً شعبياً وبين أوساط تربوية.
هل تسربت الأسئلة فعلا؟
وشارك الصحفي أيوب حسن متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهداته لأول أيام امتحانات المرحلة الإعدادية بفرعها العلمي، كونه مدرسا في إحدى المدارس الحكومية ببغداد، قائلا: ان «الطلبة وصلوا الى ابواب المراكز الامتحانية والوقوف بتجمعات على الارصفة منذ الساعة الخامسة فجراً بسبب القلق والخوف من الخطط الامنية المفاجئة داخل مناطقهم (وما جرى في بعض مناطق الزعفرانية كان خير دليل ومثال على مهازل عدم الاهتمام بوضع الطالب النفسي)».
وقال حسن، انه «للسنة الثالثة على التوالي يتم تسريب الأسئلة وبيعها عن طريق قنوات التيليغرام في اوقات تتراوح من ساعة 12 ليلاً الى السادسة والنصف صباحاً، وقد تمت مطابقة ما تسرب من اسئلة مع الاسئلة الفعلية التي امتحن فيها الطلبة عند الساعة التاسعة من صباح يوم السبت، وجاءت مطابقة 100 في المائة».
ولاحظ حسن «استمرار رداءة خدمة التيار الكهربائي في المراكز الامتحانية والاستمرار بالتحويل بين (وطني ومولد)، بحيث لا مجال لتبريد الصفوف الامتحانية طيلة فترة الامتحان»، فيما استهجن استمرار الوزارة في «استخدام الجامعات كمراكز امتحانية برغم بعدها عن مناطق غالبية الطلبة، للتغطية على عدم مقدرة المدارس على استيعاب الامتحانات لعدم توفر الخدمات التي تساعد الطالب على اتمام الامتحانات».
واشار الى ان «الجانب الايجابي الذي شاهدناه ما قامت به بعض المناطق في العاصمة بغداد بنصب مواكب خدمية قرب المراكز الامتحانية لتوفر الطعام والعصائر والماء كجزء من الدعم النفسي والمعنوي للطلبة».
بيئة امتحانية تقليدية
وقال التربوي د.مزهر جاسم الساعدي، ان «أداء الامتحانات النهائية الوزارية في الصفوف المنتهية وغير المنتهية، يمثل عملية تبعث على القلق لدى الأهالي والتلاميذ والطلبة والأسرة التربوية».
وأضاف الساعدي، في حديث مع مراسل «طريق الشعب»، ان مسألة تحول القاعة الامتحانية الى مشهد رعب مرتبطة بعاملين: الأول، يتحمله الطالب الذي قد يدخل الامتحان متوترا. والثاني، يتعلق بالمراقب في داخل القاعة، الذي قد يكون متوترا فيعكس ذلك على الطلبة الممتحنين أيضا. هذا ما يحصل سنويا مع الطلبة.
وأردف الساعدي قائلاً: «في المحصلة فإن الخوف من الامتحان أمر طبيعي ووارد جدا، لكن قد يكون مبالغا فيه. لذا يفترض ان نهدئ من روعه، وأن نُدخله في حالة يستطيع من خلالها أن يؤدي الامتحان بشكل جيد وانسيابي، إلى درجة انه تربكه الاجابة»، مردفا ان «حالة الرعب لا يعيشها الطالب وحده، انما الوزارة هي الاخرى مرعوبة اكثر من الطالب نفسه، وتعيش حالة من الحذر والتوتر الشديد، أيام الامتحانات».
وشدد على ضرورة ان «تُوفر للطالب بيئة امتحانية مناسبة وسليمة داخل القاعة الامتحانية، لتخفيف الضغط على الطالب».
650 ألف طالب أدّوا امتحاناتهم
قال سكرتير اتحاد الطلبة العام أيوب عبد الحسين، ان الامتحانات الوزارية انطلقت صباح يوم امس بمشاركة 650 الف طالب وطالبة من مختلف محافظات العراق، فيما ذكر عددا من المؤشرات السلبية التي رافقت سير العملية الامتحانية.
وأضاف عبد الحسين في حديث مع «طريق الشعب»، أن الملاحظات الأولية تشير الى أن البيئة الامتحانية لم تكن جيدة في عدد كبير من المراكز الامتحانية، نتيجة لعدم توفر وسائل الراحة والتكييف، وغير ذلك من متطلبات أداء الامتحان الوزاري».
وزاد عبد الحسين بالقول: «فضلاً عن ذلك، لا تزال هناك حالة من الرهاب والرعب، يعيشها الطالب، حيث إن الامتحانات يصورها المراقبون ومدراء المراكز الامتحانية كأنها مقصلة للطلبة، نتيجة التخويف والترهيب والارتباك الذي يرفع من حجم الضغوط على زملائنا الطلبة داخل القاعات الامتحانية، لا سيما للصف السادس الإعدادي».
وفي ما يخص الإجراءات المتخذة بخصوص حماية الأسئلة وتسريبها، قال إنّ «قطع الإنترنت بحد ذاته هو اعتراف وإقرار من الوزارة بوجود محاولات لتسريب الأسئلة، وان هذه الإجراءات باتت معروفة وسهلة الاختراق، خصوصا ان التدابير الوزارية لا تمسك بأطراف المشكلة»، مشيراً إلى أن موضوع تسريب الأسئلة الامتحانية «لا يرتبط بالإنترنت بحد ذاته، إنما بسلسلة إدارية طويلة، عبر توزيعها على المديريات قبل يوم أو يومين من بداية الامتحانات، ومن ثم يجري توزيعها على المراكز الفرعية في صباح يوم الامتحان، وبالتالي فإن هذه السلسلة الطويلة تزيد من احتمالية تسريب الأسئلة، ما يعني أن تدبير قطع الإنترنت لا علاقة له بتلك الاحتمالية».
وحثّ عبد الحسين، الوزارة والجهات المعنية على بث رسائل اطمئنان للطلبة وذويهم حول طبيعة الأسئلة، من اجل رفع وتخفيف الضغط عن كاهل الطالب، بينما تعمل مديريات الوزارة على تعكير أجواء الامتحان بإجراءاتها واجتهادات مدراء الأقسام الامتحانية في تلك المديريات.
وأعلنت وزارة الاتصالات، الجمعة، عن قطع خدمة الإنترنت خلال امتحانات السادس الإعدادي من الساعة السادسة صباحاً الى الساعة الثامنة.
انتهاك حقوق الإنسان
وعدّ رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، قطع الإنترنت «انتهاكا» للحقوق العامة.
وقال الغراوي في بيان، ان «قطع الإنترنت يلحق خسائر بالعراق تصل الى ملايين الدولارات، تمثل ما مقداره 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، مع إيقاف نسبة 20% من الاتصالات عبر كافة الشبكات المحلية عن طرق خدمة الانترنت».
وأضاف، ان «الانقطاعات المنتظمة لخدمات الإنترنت تنتهك الحقوق الرقمية، وتعيق الاتصالات والأنشطة اليومية، وتقيد هذه الإجراءات الوصول إلى المعلومات والاتصالات، وهما أدوات أساسية للحياة الحديثة، وتعيق التفاعلات الاجتماعية والمهنية، وتقلل الثقة في إجراءات الحكومة ووزارة التربية بشكل خاص بالتعامل بشفافية مع موضوع الامتحانات «.
وطالب الغراوي رئيس الوزراء بـ»الغاء قرار وزارة الاتصالات ووزارة التربية بحجب خدمة الإنترنت لمخالفتها معايير حقوق الانسان»، داعيا الى اعتماد الكاميرات الذكية والمراقبة الرقمية للامتحانات.
واقع اجتماعي هشّ
من جهته، قال الباحث الاجتماعي نشوان محمد إن «مسألة التوتر داخل القاعة الامتحانية، وتحولها الى رهاب للطلبة، جعل بعضهم يصابون بعارض صحي، قد يجعلهم يخسرون سنتهم الدراسية».
وأضاف محمد في حديث مع «طريق الشعب»، ان الأوضاع العامة المأزومة، وتعقيدات الحياة والظروف الاجتماعية، لها تأثير كبير على المناخ الامتحاني، وبالتالي هناك حالات انتحار أو حالات تعنيف وحتى وفيات طبيعية، نتيجة لتراكم الضغط.
وتابع محمد، أنّ الأزمات النفسيّة تبرز في فترة الامتحانات، إضافة الى سرعة انتشار الشائعات، إذ يؤكد علم النفس ان الشائعة تنتشر بسرعة في المجتمع المأزوم او المجتمع الذي يعاني من مشاكل نفسية، حيث تتحول تلك الشائعات الى حقائق تربك الوضع العام للطلبة وتؤثر في مهمة المراجعة وأداء الامتحان الوزاري، الأمر الذي يتطلب من الجهات المعنية بانتهاج أساليب تحتوي الطالب وتبعده عن قلقه، وتعزز ثقته بنفسه.
ودعا محمد المؤسسات الإعلامية الرسمية: محطات التلفزيون، الصحف والإذاعات، إلى خلق أجواء إيجابية وتحفيزية للطلبة.
وكان أحمد علاء (أبو حيدر) وعدد من رفاقه، من منطقة الأمين الثانية، قرروا نصب سرادق أمام إحدى المدارس الحكومية في المنطقة، لتعزيز الطلبة بالماء البارد والعصائر، دعما لهم ولمجهودهم العملي في ظل الظروف الراهنة، التي تضع أمامهم الكثير من التحديات.
وكانت وزارة التربية، أعلنت الاسبوع الماضي، إكمال استعداداتها لأداء امتحانات السادس الإعدادي، بعد توفير «متطلبات نجاحها».
وقال المتحدث باسم الوزارة كريم السيد، إن «الأسئلة ستكون من المنهج وستكون واضحة وشاملة لجميع المواد»، مبينا أن «الوزارة وفرت متطلبات نجاح الامتحانات داخل القاعات والمراكز الامتحانية من أجل إجرائها بأفضل طريقة ممكنة، تمهيدا لإنهاء هذا العام المستقر والمنتظم كما هو مخطط له».