اخر الاخبار

عبّر العديد من الباحثين والمراقبين للشأن السياسي عن عدم التأييد لطلب حكومة السوداني إنهاء مهمة بعثة «يونامي» في العراق، معتقدين ان هذه الخطوة تؤثر في علاقاتنا الدولية، وتحتاج الى استقرار سياسي حقيقي لا «مزعوم»، كون علاقات الاحزاب والكتل السياسية التي ترعاها منظومة المحاصصة والفساد من الممكن ان تُدخل البلاد في حالة أزمة ولا استقرار في أية لحظة، بمجرد عدم توافق تلك الأحزاب على حصصها من المناصب والمكاسب والامتيازات.

وطلبت الحكومة مؤخرا من الأمم المتحدة أن تنهي بحلول نهاية عام 2025 مهمتها السياسية التي تؤديها في البلاد منذ أكثر من 20 عاماً، معتبرة أنها «لم تعد ضرورية»، بحسب رسالة موجهة إلى مجلس الأمن الدولي. وبرر رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، سبب طلب حكومته من مجلس الأمن إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق بأن البلاد تشهد «استقرارا سياسيا وأمنيا».

والتقى السوداني، يوم الأحد، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، بمناسبة انتهاء مهام عملها.

وقال السوداني خلال اللقاء: إن «الطلب بإنهاء عمل بعثة اليونامي يأتي بناءً على ما يشهده العراق من استقرار سياسي وأمني، وما حققه من تقدم في مجالات عدة».

ويتزامن طلب العراق مع طلب مشابه لحكومة الصومال يقضي بإنهاء عمل بعثة سياسية تابعة للأمم المتحدة.

وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) هي بعثة سياسية خاصة تأسست عام 2003 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1500، بناءً على طلب حكومة العراق، وتوسع دورها بشكل كبير في عام 2007 بموجب القرار 1770.

ومع بداية أعمالها في العراق، تعرضت البعثة في مقرها بفندق القناة ببغداد في آب 2003 لتفجير إرهابي أدى إلى تدميره وذهب ضحيته 23 موظفاً، من ضمنهم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو دي ميللو، فيما جرح أكثر من 100 آخرين.

لا يعزز سمعة العراق الدولية

الباحث في الشأن السياسي د. حميد الكفائي علق بالقول: ان «انتهاء مهام عمل بعثة يونامي في العراق، مسألة تقررها الامم المتحدة وليس العراق؛ كونها تنفق أموالا على بعثتها في بغداد، وهي بالتأكيد لن تبقي البعثة ان لم تكن هناك حاجة اليها».

وقال الكفائي انه «ابتداء من القرار 1500 لعام 2003 وثم عدل ذلك القرار واصدر مجلس الامن قرارا اخر هو 1770 لعام 2006 في حكومة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وبطلب من العراق، وبعد ذلك صدرت قرارات اخرى، وصلت الى 10 قرارات من مجلس الامن بخصوص يونامي وعملها في العراق».

وعدّ الكفائي في حديث مع «طريق الشعب»، ان «طلب الحكومة لا ينفع ولا يعزز سمعة العراق الدولية. هناك جهات سياسية تريد ان تعمل في الظلام، ولا تريد للعالم ان يعرف ما يجري في العراق»، معتقدا ان «العملية لن تتوقف عند اخراج الامم المتحدة من العراق، انما سيجري استهداف لمنظمات المجتمع المدني التي تتعامل مع المجتمع الدولي، او التي تمول من المجتمع الدولي، والامر برمته يتمحور حول اعادة العراق الى المربع الاول: الديكتاتورية والانعزال والتخلف».

وذكر انه «من المفترض ان تكون هناك ديمقراطية في العراق، لكن الوضع داخل البلاد ليس ديمقراطياً؛ إذ قانون الانتخابات يفصل على مقاسات المتنفذين ويتحكمون به، وسط ممارسات بعيدة عن الديمقراطية، وتقاسم للسلطة بين القوى المتنفذة».

قراءة غير واقعية

رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات الاستراتيجية، احمد الياسري قال: انه «من غير الصواب القول ان العراق قد اكمل انتقاله الديمقراطي، وانه لم يعد بحاجة لبعثة الامم المتحدة».

واضاف في حديث مع «طريق الشعب»، ان العلاقات الدولية مهمة جداً، وان عملية كسر غلاف العلاقات الدولية العراقية خاطئ، ليست امراً مرتبطا برئيس حكومة، بل بالدولة عموماً كونه يتعلق بالمصلحة العراقية، واتخاذ مثل هذا القرار يجب ان يراعي ذلك».

وتابع ان «السيد السوداني يحاول ايصال رسائل بأن العراق مستقر، وهذه رسالة غير واقعية، لأسباب عديدة»، مشيرا الى أن «الاستقرار المزعوم مبني على انسحاب كتل منافسة. بما معناه أن عدم الاستقرار من الممكن أن يعود في لحظة مع عودة الكتل المنافسة الى المشهد، يضاف الى ذلك استمرار وجود داعش، وأيضاً تقاطع التجاذبات الدولية في العراق».

وأشار الياسري إلى ان «السوداني وغيره يعتقد ان الديمقراطية هي الانتخابات فقط، بينما هي تشمل بناء مؤسسات دولة في ظل استقرار وعدم وجود فساد، وإيجاد منظومة علاقات دولية ناجحة، تخرج من قاعدة التبعية. هذا هو مثال الدولة الديمقراطية الناجحة».

وخلص إلى القول إن العراق «ليس مستقراً وقرار الحكومة خاطئ. ان تبعات هذا التوجه ستترك العراق وحيداً في اية أزمة مستقبلية تواجه البلاد سواء كانت امنيه أم اقتصادية أم صراعا مع دول الجوار، نتيجة ضعف منظومة علاقات العراق الدولية».

رسالة غير دقيقة

من جهته، عدّ الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي عقيل عباس، أنّ الرسالة التي أرسلتها الحكومة العراقية الى مجلس الأمن «غير دقيقة»، مشيراً إلى أن قرار إنهاء مهمة «يونامي» في العراق، قرار سياسي والهدف الأساسي منه منع ايصال الاصوات الناقدة للطبقة السياسية العراقية والناقدة للأداء المؤسساتي للحكومات العراقية المتعاقبة.

وقال إن «الرسالة التي ارسلتها الحكومة العراقية غريبة وغير دقيقة، والحديث عن قيام يونامي بالحديث مع أطراف اخرى إضافة الى الطرف الحكومي الرسمي، امر طبيعي وهذه هي المهمة المحددة لها: ان تتعاطى مع الاطراف المختلفة»، متسائلا «كيف تساهم في انتاج مصالحة وطنية مثلا إذا لم لا تتحدث مع أطراف اخرى غير حكومية؟».

وأضاف، أن «الحديث عن بناء المؤسسات الديمقراطية كما ورد في الرسالة، هو قفز على الحقائق الواضحة»، مبينا ان «قرار انهاء وجود يونامي هو قرار سياسي والهدف الأساسي منه منع إيصال الأصوات الناقدة للطبقة السياسية العراقية والناقدة عموما للأداء المؤسساتي للحكومات السابقة».

وبيّن عباس، انه «علينا ان نتذكر اخر احاطتين لمبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة الى العراق، جنين بلاسخارت، ففيهما نقد عميق ودقيق وصحيح للطبقة السياسية العراقية، وكيف انها خذلت المجتمع وذهبت بعيدا في الفساد، بحيث ليس من السهل القول انه بإمكان سياسي عراقي ان ينجو من الفساد، وهذا شيء صحيح».

وخلص الى القول: ان «الحكومة بعثت برسالة غاضبة بخصوص عمل يونامي، وكأنها تظهر ان يونامي مقصرة، ولم تلتزم بالمهمات التي حددت لها رسميا، وهذا الكلام ليس صحيحاً».

تأييد كردستاني لبقاء البعثة

كشف السياسي الكردستاني المستقل سردار عبد الله، أمس الاثنين، عن تفاصيل اجتماع لأحزاب كردية رئيسية في السليمانية للتباحث بشأن بقاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» من عدمه في البلاد.

وقال عبد الله، خلال مؤتمر صحفي، إنّ «اجتماعاً خاصاً عُقد في السليمانية بحضور ممثليّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة التغيير، وجماعة العدل الإسلامية الكردستانية، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، وذلك لمناقشة ملف بقاء بعثة اليونامي في العراق».

وأضاف، أن «جميع الأطراف الكردية المجتمعة أكدت على ضرورة وجود بعثة اليونامي في العراق وذلك لدورها الرائد في دعم الحكومة العراقية في المرحلة السابقة وتأثيراتها الإيجابية على البلاد».

وأضاف عبد الله «في نهاية شهر آيار من كل عام يقوم العراق بتقديم مذكرة لمجلس الأمن الدولي يبين فيها موقفه حول بقاء هذه البعثة من عدمه»، مشيراً إلى أن «مجلس الأمن الدولي أرسل لجنة مختصة قبل شهر وقد عقدت تلك اللجنة أكثر من 250 اجتماعاً مع مختلف الأطراف العراقية وكتبت تقريرها، وكل الأطراف الكردية وجدت ضرورة بقاء بعثة الأمم المتحدة في العراق للمرحلة المقبلة».