اخر الاخبار

( 1 )

ماكان لمجموعة الشاعر / علي حمودي الخفاجي / أن تأخذ العنوان ( جروح بمخالب الشيطان ) وهو عنوان واحدة من قصائد المجموعة ، كون هذا العنوان يفتقد الايحاء الشعري وهو الأقرب إلى تسمية رواية ، وكان بالإمكان أن تأخذ عنواناً آخر من داخل القصائد أيضاً مثل : “ أوّل سطر” ، لما لهذا العنوان المقترح من دلالة معرفية موحية . كما أنَّ غلاف المجموعة لايتّسم بأية ملامح فنية  وقد جاء بخط لاعلاقة له ُ بأشكال الخط المعروفة . وحين أذكر مثل هاتين الملاحظتين الشكليتين ، كون كتاب الشعر تحديداً لابدَّ أن يتوافر على مقوّماته الفنية التشكيلية الخارجية التي تُغري بمروادة المقوّمات الداخلية : الشعر وممكناته الفنية والجمالية .

( 2 )

في هذه المجموعة ، ورغم اطلاع الشاعر على منجز الشعر الشعبي الحديث ، إلا أنه مازال مشدودا ً إلى الشكل الأوّل للقصيدة الشعبية وأنماطها في البناء ، حتى أنها ضمّت بعض الألوان الشائعة : الموّال ، الدارمي ، الأبوذيّة . كما أن َّ لغة القصائد لم تتخلّص من بعض المفرادات الموغلة في القِدَم والتي ما عادت تُثير الحساسية الشعرية : البزل ، الغُشُم ، العوزه ، دوني ، عبسي ، ليفه ، بالات ، جدر ، أجرب ، چيّت ، رعيان ، وغيرها . وحين تتخلص قصائده من مثل هذه المفردات ، تأتي اللغة بصفاء آخر يقرّبها إلى  التلقّي والإنصات  :

رحت اتموت ..

يل تدري ابلهفتي ، من تموت .. اتموت

يالابس ضحك روحي بديك ابتوت .

.......،

عفيه اعليك يا نحّات ..

ياذلّة صخرتي من صرت منحوت .

ولو قال الشاعر : “ ياهيبة صخرتي “  بدلاً عن “ ياذلّة صخرتي “ ، لكانت الدلالة أدق وأعمق . ولا يخفى كذلك أن َّ  بعض التراكيب والصياغات الشعرية لم تكن متجانسة أو منسجمة مع التوصيف الذي جاءت به أو أنها تُشير إلى عادة ٍ عشائرية متراجعه ( الشطرة الثانية من الأمثلة ) :

واطبخت حبّك عالعطر ، ماهي حسبته ابنيّه إو خايف من ابن عمها ، وآنه اوج ّ ابروحي ليفه ابنار من نار البخار ، چانوا اقراني جلوس ، دوّرت للچلمه اذان إو مالكَيت ، شاف اعيوني متخبلات بالعنده ، صوت أجرب كَال عنها مو قصيده ، حسباله الصحاري احلوكَ ، حيطان باب الإذن  وغيرها .

( 3 )

الشاعر ، في هذه المجموعة ، يمتلك صوته الخاص المتأتي من حدود تجربته ، وفهمه للشعر، الفهم الذي يجعل من التوصيل الأسرع غايته الأولى ، مُضحياً بالكثير من اشتراطات الشعرية وتقنيات التوليد الشعري ، التقنيات التي جاءت بها تحوّلات القصيدة الشعبية الحديثة  الراسخة منذ ُ عقود الستينيات والسبعينيات وماتلاها  من مهارات محدودة . ورغم الصوت الخاص ، إلا أن َّ بعض تماسّات مع الآخر تظهر هنا وهناك ، كقوله : والركَبه ما رهمت جسر ..، وهذا القول له ُ صلة واضحة بقول النوّاب : والركَبه من تلتاف للبوسه جسر . أو قوله : تطحنك طحن الرحي واتراب حنطه اتصير منسى ، وهو قول قريب من قول الشاعر عريان السيد خلف : احنه خلّانه وكتنا اتراب بحلوكَ الرحي . وغيرها من شذرات متباعدة  تتعالق مع قديم الشعر وحديثه .

( 4 )

تجربة الشاعر الحياتية تأخذ مدياتها الواضحة في المجموعة  ، فهو لا يفتعل شيئاً من خارج هذه التجربة ، فمن مجاورة المكان في مدينة ( الخالص ) التي لايجد في غيرها الطمأنينة بعد أن حاصرته ُ ( السيطرات ) ومداهمات ( الأمن )  وأوجاع ( الحصار) إلى الاحساس بالقبر المرئي ( الحوت ) ..، وهنا يتوجّه في نداءآت روحيه إلى ( الحسين ) كرمز في الخلاص الوجودي :

وبيا سطر ..

أكَدر أظم ( حسين ) ليشوفه الشمر ...

( 5 )

في الملمح الفني ، تكون قصائد المجموعة متحركة في اشتغالات  ( النمط ) الذي جاءت به القصيدة الشعبية في بدايات نشأتها ومراوحتها  الشكلية ، وكذلك حاجات الشعر الأولى الفنية المحدودة ، فالشاعر لاتشغله الهموم الفكرية ولا التجارب الروحية ولا الانصات للتحوّلات الشعرية العالية . إنّه في حدود تجربته ولغته وانشداده لمواجهات حياتية تُحاول أن تُعيق خلاصه الذاتي :

إو بعد

مالفني العذاب إوچنت ميّت

وكَّفوني ..

لا تفوت ..

لا تفوت .. انته هسّه ابسيطرَه .

( 6 )

جروح بمخالب الشيطان ، مجموعة بما لها وعليها ، لا تستعير مداد الآخرين ، وانما تُقدّم شاعراً يرنو إلى ماهو أبعد ، وما عليه سوى أن يكسر قيود ( النمط وحاجات الشعر الممسكة بمطابقات الأوائل ) ...

عرض مقالات: