( 1 )
لم يكن الشاعر الراحل /كاظم الركابي/ ميالاً لإصدار مجموعة شعرية في حياته، لأسباب وجدتها موضوعية الآن بعد قراءة مجموعته /مناجل/ . ومن بين هذه الأسباب، محدودية النوع الشعري الذي كتبه، وكان يطمح بمشروعية فنية/ جمالية إلى توسيع النوع هذا، إلّا أن الموت قد عاجله، وهو الآخر قد عاجل الموت بقصيدته التجديدية /مناجل/ وبعض القصائد اللاحقة لها..، كما أنَّ انشغاله بكتابة الأغاني كان سبباً إضافياً في ندرة النوع كما أرى، ومع ذلك فإن الشاعر كاظم الركابي لا نستطيع أن نصفه بغير صفة /الشاعر الكبير/..، ولم تكن قلة النوع لتستطيع أن تحجب عنه هذه الصفة، كونه استطاع أن يتقدم كثيراً وبتراوح بعد شيوع قصيدته /مناجل/ التي أصبحت علامته الفارقة في مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث، وما كان له أن يكتب هذه القصيدة ما لم يكن قد توافر على مرجعيات فنية عالية في إدراك وفهم فكرة الشعر وجمالياته وهو الموهوب أساساً، والمتوازي مع /الجيل التجديدي/ بعد التجربة النوابية الكبيرة.
( 2 )
مجموعة مناجل، التي حملت إسم القصيدة، ضمّت قصائده التي تُمثّل البدايات وكذلك القصائد اللاحقة التي تشير بوضوح إلى تطوره الشعري. في قصائد البدايات لا نسمع صوتاً متميزاً، وإنما تجيء القصائد بسياقية شعرية مألوفة ضمن زمن كتابتها، حيث يتوارى الشعر على مستوى الإدهاش والتركيب الصوري والموضوع الجديد، وضمن هذا الفهم يمكن أن ندرج القصائد الآتية:
الچانون ، چا بعديش ، حبيبي يا عراق، وانت تالي ، موالان (واحدي واَفترن).. ، يا روحي ، أقداح ، على باب الله، قصيدة إهداء ، انشودة الوفاء .
*.. چا بعديش..
يا جفني الغفت بيك الليالي
الركّدن حيلي او عليّ رديت
تبديلي العذر وترد عليّ چا ليش
هذآنه.. تلگاني ولك.. بس حس
أودّر عمري لجروحك..
سنه او هوّد .. إلك وأسكت
سنه او هؤّد الك عمري ولك هوّد
رچيچه الروح يمعود..
ليمته اسنيني ناطوره إعله جرح الصد..
( 3 )
أما القصائد اللاحقة للبدايات، والتي تمثل التطور التجديدي في تجربته الشعرية فهي:مناجل ، أغاني شجاعة ، بسكوت ، گالت حبيبي ، شلونكم ، چان عيد ، إلى رسامة ، حبيبين ، صندوگ جدي ، برتقال ، شايفة .. وفي هذه القصائد، تبرز وتشع القدرات الفنية الإبداعية على مستويات عدّة : جماليات اللغة، جماليات الرمز، جماليات الصورة الشعرية، جماليات البناء، جماليات تركيب الموضوع، توسع الهم السياسي، التداخل مع الفنون الإبداعية الأخرى، التدبر والالتفات إلى تطورات الشعر العراقي والعربي والعالمي، التنوع الإيقاعي والموسيقي، الغنائية وما بعد الغنائية، ثقافة القصيدة والشعر حيث الابتعاد عن كل ما هو هامشي، التوليف بين حدود: كيف تبدأ القصيدة؟ وكيف تنتهي؟، صوت الخصوصية الشعرية، الملامح الدرامية .
أ - يا محبة.. يا صوره.. ومواعيد.. وحلم
هذا آنه يا عيني أهزلك منجلي..
اشبگني بزلوف الشمس.. اشبگلك ابحز منجلي
اضحكلي بشفاف الشمس.. أضحكلك إبسن منجلي
شديته بالشريان شدّه اويه العظم..،
وصار العظم هو منجلي
والمنجل ابجسمي عظم.. والگلب فد دگه يدگ..
نوبه الك.. ونوبه إلي.
ب-شايفه الليل..
من تنهب أصابيعه المياله
وتوگع بجفني الدقايق بسامير
شايفه الليل..
من يوگف وره الشباچ راهب وجهه جير
وشايفه ساعات الليالي..!
الوحده.. والثنتين.. وثلاثه
ولچ تهدمني هدم..
او سبحه بيد الليل أصير .
ج - كَالت ..
وصار من گالت اسنين
وجهك المملي حنين..
أحله لوحه..
وانتظرتچ ترسمين
وذاك يوم .. وهذا اليوم
لاني أبيض .. لاني أخضر.. لا ني أحمر.
واسألتهه..
اسألتهه اشلون..؟
اتعذرتلي..، ما لگيت إبلون وجهك عندي لون.
د - دمعه اترف..
وكل الظلمه ابوجه الشمعه
أُف .. أُف .. أُف.
شارع طفهه ايگل للشارع
واحلوگ البيبان إمشرعه
تنزف منهه الظلمه وتنفخ
أُف .. أُف .. أُف
تطفه ويوجهه الهوى
وبالرّيه طش الهوى
واللي ما يهوه الهوى
ميّت تراهو .. هوَ..
لا جرح عنده اولا دف
دف .. دف .. دف...
من النماذج المتقدمة، يمكن الاهتداء بسهولة إلى قدرات الشاعر ، ومغايرته الإبداعية لمجايليه، تلك المغايرة التي منحته الخصوصية الشعرية والكشف عن النوع الذي يطمح أن يولّده بعيداً عن المشابهة وتكرار مناخات غيره، وبذلك يكون صدور /مناجل/ مناسبة لاستعادة هذا الشاعر والاحتفاء به، في وقت تمر فيه القصيدة الشعبية بمنحدر خطير، يُبعدها عن المركز الإبداعي الذي ألفناه في شعرائها الحقيقيين ونماذجهم المتقدمة، ومن بينها /مناجل كاظم الركابي/..، دون أن نعير أي اهتمام إلى صوت الجوقة، إلا بعد ان يمسك اللحن الأول الراسخ في ذاكرة القصيدة الشعبية الحديثة .
( 4 )
عاجل الموت الشاعر /كاظم الركابي/..، غير أنّه عاجله بالمناجل ليحصد قبحه الأصفر (الليل موش ايحصد ليله..
ايحصد صبحه) حتى أنّه لم يمهله كي يرى /مناجله/ كيف تتقدم في مساحة الشعر الشعبي العراقي الحديث وعلى تماس مع الريادات الشعرية الفاعلة في هذه المساحة؟! وفعلاً كانت /بواچي/ الغيم شتوية فقط..، في حين أن بكاء الشعر مستمر ومستمر من أجل حياة أرقى ووجود أنقى:
بوچي الغيم شتويه..
وبواچينه عمر وإرداف
ومثل دمعي.. أعشگك عشگ ما ينعاف
ومثل جرحي.. أعشگك مذبحه ومنجل
نحش الدنيه وإنّبع فرد شتله..
( 5 )
وفي إشارة من خارج متون القصائد، أُشير إلى أن الأبيات الشعرية التي تقدمت القصائد في المجموعة هي للشاعر /شاكر السماوي/..، وقد أُدرجت دون ذكر اسمه، وأن صيغتها الصحيحة (منهو يگدر يشتري النجمه ابسماهه، إو لو شراهه گلي يگدر يشتري إوياهه سماهه).
كما أن قصائد أخرى للشاعر لم تتضمنها المجموعة مثل (حمامات....) وقصيدة للأطفال وأشعار الأغاني وغيرها..، ولابد من الإشارة أيضاً إلى المقدمة التي كتبها الشاعر /رياض النعماني/ للمجموعة، حيث شخّصت ما هو روحي عميق في تجربة الشاعر، وكذلك ما هو جمالي.