اخر الاخبار

لم يعرف المشهد الشعري العراقي شاعرات -اوشواعر- الا في حالتين وهن لميعة عباس عمارة ونازك الملائكة وثمة فرق كبير بين الاثنتين...

فنازك عانت من مشاكل نفسية كثيرة وتقلبات فكرية اثرت على شعرها وحياتها الشخصية على الرغم من انتماؤها الى طبقة برجوازية بغدادية بينما لميعة تنتمي الى طائفة الصابئة المندائية وهي طائفة تعد من سكان العراق الاصليين وهي - لميعة- تعود اصولها الى مدينة العمارة الجنوبية الغارقة في لجة التاريخ والميثولوجيا الملهمة والتي اثرت كثيراً على شخصية لميعة الشعرية وقد تجسد هذا التأثير حينما حصلت على شهادة الدكتوراه في موضوع يخص تراث الصابئة المندائيين وكذلك مقالاتها التي كانت تنشرها في مجلة التراث الشعبي عن اللغة المندائية حيث تقول :(لا أعرف لي منشأ غير الطين الرافديني في جنوب العراق..ولا أعرف لي اصلا غير الجذور السومرية) وكانت لميعة متصالحة مع نفسها فحتى حينما فصلت من وظيفتها مارست حياتها واستطاعت ان تقاوم كل الصعوبات التي واجهتها...

وبالرغم من اصول لميعة الجنوبية الا انها تبغددت بحكم ولادتها في بغداد وبحكم طبيعتها الميالة الى الترافة والدلع البغدادي المميز...

وكانت لميعة عكس نازك تتمتع بشخصية قوية أبية وهذا ليس غريبا عن المرأة العراقية كما ورد عن خالتها عبد الرزاق عبد الواحد وقد ظهرت شخصيتها القوية في العديد من المحافل ومنها ماحدث في احد مهرجانات المربد حينما ردت على احد أحدُ كِبار شُعراء القرن العشرين المهووسين بالذكورة الفارغة وهو عمر ابو ريشة ذات مساء في أحدِ مقاهي بغداد ، وظن أنها على شاكِلة من يعرف من نساءِ المقاهي ، فطلب منها ما كان يطْلُبهُ منهن ، فقامت من فورها وصعدت إلى الطابق الثاني من المقهى ثم عادت بعد قليل ووضعت على طاولتهِ قصاصة صغيرة ضمنتها بعضُ أسئلتهِ السخيفة :

‏تُدخنين ؟ ... لا

‏أتشربينَ ؟ ... لا

‏أترقُصينَ ؟ ... لا

‏ما أنتِ ..!   جمْعُ لا .!

أناالتي تراني؛كُلُّ خُمول الشرق في أردَاني

‏فما الذي يَشُدُّ رِجليكَ إلى مكاني ؟

وتعد لميعة مؤسسة القصيدة الانثوية العراقية ومما يميزها هو عذوبة الالقاء المحبب وسط القاء ذكوري باهت ومتشنج وقليل من الشاعرات من لديهن القدرة على هكذا القاء بل ان الكثير منهن يقلدن الالقاء الرجولي بنبرة عصبية واضحة...  تقول لميعة بكل جرأة:

(أحتاج إليك حبيبي الليلة

فالليلة روحي فرس وحشية

لذلك ليس غريبا ان يمدح شعرها صديق والدها ايليا ابو ماضي حينما قرأ بواكير شعرها الطافح بالمشاعر الانثوية - وهي بنتُ أربعة عشر ربيعًا - فقال :

“إن كان في العراق مثل هؤلاءِ الأطفال ، فعلى أيّة نهضةٍ شعريةٍ مُقبل العراق .!”

لميعة عباس عمارة (1929-18 يونيو 2021)؛ شاعرة عراقية محدثة، ورائدة من رواد الشعر العربي الحديث، وتعد إحدى أعمدة الشعر المعاصر في العراق. ولدت في بغداد، وعاشت أغلب أيام غربتها في الولايات المتحدة على أثر هجرتها من العراق في زمن صدام حسين، وتوفيت هناك. أجادت في الشعر العربي الفصيح والعراقي العامي. حاصلة على وسام الأرز تكريمًا من الدولة اللبنانية لمكانتها الأدبية.

توفيت لميعة عباس عمارة في الولايات المتحدة، يوم الجمعة 18 حزيران 2021، عن عمر ناهز 92 عامًا.

عرض مقالات: