اخر الاخبار

يستذكر المواطن زهير متي أقرباءه ورفاقه من أبناء الديانة المسيحيّة الذين كانوا يُمثّلون شريحة كبيرة في حيّ الكرادة ببغداد، ويستعيد ذكرى احتفالهم بعيد الميلاد وتجوالهم في الأسواق والحدائق العامة في هذه المناسبة.

لكن اليوم لم يبق في هذا الحي سوى عدد قليل من المسيحيين، بعد أن هاجر أغلبهم إلى خارج البلاد جرّاء المضايقات والتهديدات والاستهداف المباشر لهم من الجماعات المتطرفة والمسلحة، فضلاً عن الاستيلاء على أملاكهم ومصادر معيشتهم.

25 عائلة في الكرادة تتعرض للمضايقات

يقول متي في حديث صحفي، أن «أجواء أعياد الميلاد كانت في السابق تختلف تماما عن اليوم، في ظل الوجود المسيحي في معظم مناطق العاصمة ومحافظات وسط البلاد وجنوبها وغربها»، موضحا أن «احتفالات رأس السنة تراجعت بفعل ارتفاع نسبة هجرة المسيحيين نحو دول العالم».

ويضيف قائلا أن «حيّ الكرادة، على سبيل المثال، كان يضمّ مئات العائلات المسيحية المتعايشة مع بقية المكونات. أما حالياً، فلا يوجد سوى 25 عائلة، وهي تتعرض للمضايقات وتشعر بالتهميش»، لافتا إلى أن «المسيحيين باتوا يتوجهون إلى أربيل للاحتفال. فهناك يلتقون ويُقيمون الحفلات في القاعات والحدائق. ولا تخلو احتفالاتهم من النقاش حول الوضع السياسي والأزمات التي يعانونها، مثل الاستيلاء على أملاكهم، فضلاً عن ملف تمثيلهم السياسي في البرلمان والحكومة».

ويشير متي إلى أن «العراق بات بلداً طارداً للأقليات بسبب السلاح المنفلت. لذلك، إن النسبة القليلة المتبقية من المسيحيين في البلد، هي الأخرى تفكر في الهجرة».

وخلال السنوات الماضية بدت الاحتفالات بعيد الميلاد خالية من المسيحيين. فعادة لا يخرج هؤلاء من منازلهم ليلة الميلاد، أو انهم يسافرون لقضاء إجازة العيد خارج البلاد. ومع ذلك، يقضي العراقيون أوقاتاً مرحة ليلاً، ويتجمعون في الأسواق والمجمعات التجارية رغم الزحام. إذ يعتبر البعض هذه الليلة واحدة من ليالٍ قليلة في العمر.

وتُعد ساحات التحرير والفردوس والنسور وسط بغداد، بالإضافة إلى شارع المتنبي، من أهم مراكز الاحتفالات. وتحرص وزارة الثقافة بالتعاون مع أمانة العاصمة على إعداد فعاليات متفرقة، منها عروض مسرحية وفنية، وتوزيع الأعلام العراقية وسط أجواء من الفرح، والرقص حتى ساعات متأخرة من الليل. وتترافق الاحتفالات مع تأهب أمني في ظل تصاعد وتيرة الخطابات المتطرفة التي عادة ما تسبق الاحتفالات بأسبوع أو أقل.

ليلة موجعة!

من جهتها، تقول وسن شوكت أن «ليلة الميلاد تعد موجعة بالنسبة إلى مَن بقي مِن المسيحيين في البلاد. فهم يستذكرون أيامهم الخوالي حين كان عددهم كبيراً، وقد اعتادوا الاحتفال مع جميع العراقيين».

وتوضح في حديث صحفي أن «المسيحيين يفضلون عادة الاحتفال في منازلهم وإعداد الحلويات وبعض الأكلات العراقية الشهيرة مثل الدولمة والبرياني والسمك المسكوف. وفي المساء، يجتمعون للحديث في شؤون متفرقة، وأحياناً يقصدون الحفلات بعد الساعة 12 ليلا».

وفي وقتٍ سابق، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، ان «السبب الرئيس لاستمرار نزوح آلاف الأسر المسيحية من معظم المدن العراقية يعود إلى هيمنة الجماعات المسلحة وغياب البيئة الآمنة».

وأوضح في حديث لوكالة أنباء «العربي الجديد» أنه «يتمنى ألا يصل اليوم الذي يكون العراق فيه خالياً من المسيحيين. لكن للأسف، هذا احتمال وارد في ظل التمييز ضد المسيحيين المستمر من قبل جهات متعددة، من ضمنها مليشيات مسلحة وأحزاب فاسدة».

ينتظرون فرصة للفرح

أما رندا خالد التي تسكن في كركوك، فتشير إلى أنها تحتفل في هذه المناسبة مع صديقاتها من المسلمات في منزل إحداهن «لأن عيد الميلاد ليس للمسيحيين فقط»، مبيّنة في حديث صحفي أنها حرصت على شراء الهدايا لصديقاتها.

وتؤكد أن «المشكلات الكثيرة التي لحقت بالمسيحيين، من اضطهاد وتهميش وإرهاب، وتحديداً خلال فترة احتلال تنظيم داعش الإرهابي عددا من مدن البلاد، كل ذلك كان له تأثير كبير على المسيحيين. لذلك، فهم ينتظرون أي فرصة للفرح والاحتفال». وتلفت إلى أن «الكثير من المسيحيين لا يفكرون في الهجرة من العراق، لأنهم يرفضون العيش كلاجئين في الخارج. لذلك، يجب على السلطات تقدير تضحيات أبناء هذه الطائفة واحترام وجودهم واستقلاليتهم وحرياتهم، ومنع أي طرف أو جهة من الاعتداء عليهم».

وترى أن «الاحتفال بعيد الميلاد يمنح المسيحيين في العراق فرصة لإظهار أنفسهم، لا لإخفائها بسبب المشكلات الأمنية. فهم جزء مهم في العراق. ويتفق جميع العراقيين على أهمية وجود المكون المسيحي، ويرفضون تحويل البلاد إلى لون واحد فقط».

وشهد العراق انخفاضاً كبيراً في أعداد المسيحيين، بحسب عضو مجلس النواب يونادم كنا، الذي يقول في حديث صحفي أنه «بعد أن كان عددهم يتخطّى مليوناً ونصف المليون، باتوا اليوم لا يزيدون على 400 ألف شخص موزعين بين بغداد وكردستان».