عندما تجود السماء بأمطار الشتاء تغرق مدن محافظة صلاح الدين بالأوحال فترة طويلة. وفي الصيف يخيّم على سماء تلك المدن غبار خانق يمنع الرؤيا، ويغطي الشوارع المتهالكة والأبنية الخربة والمنازل المهدمة.

هذا الواقع المأساوي الذي خلفه إرهاب داعش وأهملته الحكومة، دفع الكثيرين من أهالي المحافظة إلى النزوح نحو مناطق أخرى.

ويصف النائب السابق في مجلس النواب عبد القهار السامرائي، صلاح الدين بأنها “الأكثر فسادا على مستوى العراق”، مشيرا إلى أن هذا الفساد انعكس على تأخر إعمار المحافظة.

مشاريع وهمية

ويبيّن السامرائي في حديث صحفي، أنه “منذ انتخابات 2009، وبدء تقاسم النفوذ بين إدارة صلاح الدين، لم تشهد المحافظة نسبة إعمار توازي المبالغ التي خصصت لها، بسبب الاستئثار بالمال في إدارة المحافظة وضعف الرقابة من قبل مجلس المحافظة والتحاصص على المشاريع بين أعضاء المجلس وإدارة المحافظة”.

ويتحدث النائب عن مئات المشاريع الوهمية. ويقول أن “هناك مشاريع تكرر تخصيص الأموال لها، وهناك إدارة ضعيفة من ناحية تلبية المتطلبات الخدمية ومتطلبات الإعمار، خاصة في المناطق المتضررة من العمليات العسكرية”، منوها إلى أن “الفساد هدر الكثير من أموال المحافظة، وأتخم القيادات الإدارية بالثراء الفاحش. وهذا يؤشر وجود استحواذ على الموارد بطريقة غير نظامية”.

ويعرب السامرائي عن أسفه لطريقة تعامل الحكومات الاتحادية المتعاقبة مع ملف فساد المحافظة “فهي لم تعالج المسائل بشكل صحيح، وفي بعض الأحيان قامت بغلق الملفات من دون حل الإشكالات”، كاشفا عن وجود “تحايل على القضاء عبر تقديم وتأخير الملفات وعدم المحاسبة، وذلك أدى إلى تفاقم الفساد ونهب المال العام”.

مليارات مهدورة

وعن حجم الخسائر التي تسبب فيها الفساد، يوضح السامرائي أن “معدل ما تم تخصيصه لصلاح الدين منذ 2009 لا يقل عن 3 مليارات دولار، لكن على أرض الواقع لا يوجد انعكاس بنسبة 25 في المائة من هذا المبلغ. وبالتالي فإن 75 في المائة من المبلغ هدرت أو تم السطو عليها بطرق ملتوية”، لافتا إلى أنه “عندما تثار قضايا فساد كبيرة يكون الضحايا هم البسطاء من الموظفين والفنيين الذين تتم إحالة المشاريع عن طريقهم بصورة مباشرة، في حين يفلت كبار الفاسدين”.

ويؤكد أنه “لا توجد تحركات فعلية لتحجيم الفساد ومحاسبة الفاسدين، خاصة أن بعض الفاسدين لديهم حصانة ويشاركون في العملية السياسية، ولديهم حصص كبيرة من الوزارات”.

غبن حكومي

من جانبه، يقول الإعلامي طه رياض السامرائي، أن “صلاح الدين تشهد نوعا من الغبن الحكومي. فهي تحصل على أقل النسب في الموازنات مقارنة ببقية المحافظات، رغم احتوائها على مصفى بيجي الذي يعد من أهم مصافي العراق النفطية”.

ويعزو تراجع الجهد الخدمي إلى أسباب عديدة أبرزها سوء الإدارة والفساد، والحروب التي مرت على المحافظة، مشيرا في حديث صحفي إلى أنه “رغم أن المحافظات القريبة تعافت بعد انتهاء الحرب مع تنظيم داعش، إلا أن صلاح الدين بقيت على حالها، كون الأحزاب المتنفذة تسرق مقدراتها. إذ يصل بعض صفقات الفساد إلى 50 مليون دولار”.

ويلفت السامرائي إلى أن “مدينة بيجي فيها أكثر من ألف بيت مدمر، كون المعارك العسكرية دارت داخل المدينة، وأدت إلى تدمير أغلب المؤسسات الحكومية الصحية والخدمية”، منوها إلى أن “هناك حركة إعمار خجولة في بيجي من قبل المنظمات الدولية، لكن هذه المنظمات لا تستطيع التحرك والعمل بشكل كافٍ لتعرضها لضغوط من قبل مؤسسات حكومية أو من مسؤولين. إذ يتم ابتزازها بدفع رشاوى من أجل المضي في الإعمار”.

تلكؤ نحو 800 مشروع

النائب البرلماني عن صلاح الدين مهدي تقي آمرلي، يرى أن “سوء إدارة المحافظين أدى إلى تلكؤ ملف إعمار المحافظة خلال السنوات الماضية، وأن تنظيم داعش الإرهابي تسبب في تدمير نحو 50 في المائة من البنى التحتية والخدمات الموجودة فيها”، مشيرا في حديث صحفي إلى أن “زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى صلاح الدين كشفت عن تلكؤ نحو 800 مشروع في المحافظة”.

ويتحدث آمرلي عن تلكؤ ملفات التعويض في المحافظة، عازيا ذلك إلى الفساد وليس إلى عدم صرف التعويض “إذ يقوم بعض المتنفذين بابتزاز المتضررين لدفع نصف قيمة التعويض مقابل ترويج المعاملة”.

صندوق الإعمار يتحرك

أول أمس الثلاثاء أعلن صندوق إعمار صلاح الدين، أنه “تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركات المتلكئة في تنفيذ المشاريع بالمحافظة”، مبينا في حديث لوكالة الأنباء الرسمية أنه “تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركات، بعضها سحب العمل منها، والبعض الآخر تم إنذاره عن طريق كاتب العدل”.

ولفت إلى أن “بعض المشاريع لا يمكن تنفيذها، لأنها تحتوي على عوارض تحتاج إلى مبالغ عالية، ما اضطر الصندوق إلى إضافة مبالغ أخرى”، مشيرا إلى أن “المحافظ عقد اجتماعاً مع الجهات المستفيدة، ولوح بإجراءات وعقوبات بحق من يستمرون في تأخير المشاريع”.