اخر الاخبار

يقوم العديد من المدونين المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، باستغلال المصابين بـ “متلازمة داون” من الصغار والكبار، في تصوير مواقف ساخرة. كأن يصورون ردود أفعالهم بعد أن يورطوهم في الحديث عن الخلافات السياسية وغير ذلك من القضايا العامة، الأمر الذي يثير استهجان وسخط مواطنين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.

وخلال الفترة الأخيرة انتشر العديد من هذه المقاطع الساخرة، التي تمثل تنمرا واضحا على هؤلاء الأشخاص، وانتهاكا صارخا لإنسانيتهم، رغم أن الكثيرين منهم يتمتعون بمواهب مختلفة. ويهدف مصورو هذه المقاطع إلى الحصول على مشاهدات أكبر لمحتواهم، وبالتالي تحقيق المزيد من الأرباح المالية عن الإعلانات التي تضيفها شركات وسائل التواصل إلى مقاطعهم.   

ويواجه المصابون بـ “متلازمة داون” صعوبات كبيرة في الحياة، بسبب نظرة المجتمع الدونية لهم، فضلاً عن ضعف دور المؤسسات الصحية والاجتماعية المعنية برعايتهم وتأهيلهم، في حين يزيد استغلالهم وحالات التعدي على حقوقهم ونظرة الاستخفاف بهم، من معاناتهم.

الحكومة غير مهتمة

تقول الناشطة إيناس العزاوي، أن “عدداً من الشخصيات الشهيرة على مواقع التواصل، وتحديداً في تطبيق (تيك توك)، يستغلون المصابين بمتلازمة داون عبر التنمر عليهم، أو السخرية منهم”، مضيفة في حديث صحفي، أن “الحكومات المتعاقبة لم تهتم بهذه الشريحة، ولم تسن قوانين لحمايتها ورعايتها”.

وتؤكد أن “عدم وجود قانون يحمي هؤلاء، سيؤدي إلى مزيد من التجاوزات بحقهم”.

موهوبون بالفطرة

الناشط في مجال حقوق الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، علاء الكوتاوي، يقول أن “ما لا يعرفه الكثيرون من الناس هو أن المصابين بمتلازمة داون غالبيتهم موهوبون بالفطرة، ويمكنهم أداء مهام مثل الرسم والعزف على الآلات الموسيقية. كما أنهم يتعاملون بود مع الآخرين”.

ويستدرك في حديث صحفي: “لكن هؤلاء يتعرضون للاستغلال من بعض المشاهير على مواقع التواصل، الذين يحاولون الوصول إلى الجمهور والحصول على المزيد من المتابعين عبر تصوير مقاطع مهينة ساخرة للمصابين، سيما من أقاربهم ومعارفهم”.

ويضيف الكوتاوي، أن “هناك حالات عديدة موثقة للتنمر على المصابين. كأن يتم إجبار الأطفال منهم على الرقص، أو على الحديث في مواضيع معقدة، أو التحدث عبر الهاتف مع آخرين. ومن واجب الشرطة المجتمعية ملاحقة المسيئين ومعاقبتهم”.

من جانبها، تقول عضو “مؤسسة المحاربين” لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق، نوارة العيداني، أن مؤسستها، وهي غير حكومية، تبذل جهودا كبيرة لرعاية المصابين بـ “متلازمة داون”، لكنها لا تملك القدرة على رعاية كل الحالات المصابة.  وتشير في حديث صحفي إلى أن “التنمر على هذه الشريحة شاع كثيراً خلال السنوات الأخيرة في ظل عدم وجود قانون يحميها ويرعاها”، مؤكدة أن “هناك مطالبات كثيرة بحماية هؤلاء يقدمها باستمرار ناشطون في مجال حقوق الإنسان وبعض المنظمات المعنية بحماية الطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة”.

وتوضح العيداني أن “المؤسسة استطاعت تنمية وتطوير مواهب الكثيرين من المصابين، ومنحهم الفرصة لإظهار أنفسهم أمام المجتمع بكل ثقة. فقد بات لدينا رسامون وعازفون وراقصون، بل وممثلون مصابون بمتلازمة داون”، لافتة إلى أنه “من واجب الحكومة حماية هذه الشريحة، ومحاسبة كل من يستهين بها”.

ما دور مفوضية حقوق الإنسان؟

في السياق، يذكر العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، أنس العزاوي، أن “موضوع التنمر والإساءة إلى المصابين بمتلازمة داون وذوي الاحتياجات الخاصة كان مدرجا ضمن تقارير المفوضية المتكررة، وكانت هناك برامج عمل مكثفة في هذا الإطار، سواء مع وزارة العمل أم مع الجمعيات والمنظمات المحلية. وقد أشرنا في كثير من المؤتمرات إلى أهمية مكافحة هذه الظاهرة التي تزيد من إحباط المصاب”.

ويوضح في حديث صحفي أن “جانبا من التعاون مع أفراد الشرطة المجتمعية ينصب على مكافحة حالات التنمر، خصوصاً التنمر الرقمي المتمثل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيه النقد أو الإهانة للمصابين، أو استخدامهم في الدعايات التجارية لبعض المنتجات”.

هذا وتبيّن المعالجة النفسية نورا ماجد، أن “بعض المصابين بمتلازمة داون يولدون حاملين مشكلات صحية تحتاج إلى متابعة طبية مستمرة، وبالتالي فإن التنمر عليهم، أو توظيفهم كأدوات لتحقيق المشاهدات والتربّح عبر مواقع التواصل، قد يضاعف من حالاتهم المرضية”، مشيرة في حديث صحفي إلى أن “المصابين يحتاجون إلى أن يتم التعامل معهم مثلما الناس الطبيعيين، وليس التنمر عليهم أو وضعهم في مواقف صعبة بحجة أنها طريفة. وهذا يحتاج إلى انتباه الجهات الأمنية والرقابية والصحية، لأن في هذا السلوك تأسيساً لمرحلة جديدة من مراحل التنمر المتفشي في المجتمع العراقي”.

إلى ذلك، يقول الخبير القانوني علي التميمي، ان “القانون العراقي يُعاقب مستغلي المصابين بمتلازمة داون. ومن حق ذوي هؤلاء إقامة دعاوى قضائية ضد الذين يستغلون أبناءهم، ومطالبتهم بالتعويض”.