أصدرت السلطة القضائية قبل أيام احصائية جديدة، أثارت الرأي العام بشأن عدد المطلقات دون سن الخامسة عشرة خلال عامي 2020 – 2021. وجاءت هذه الحصيلة ضمن سلسلة أرقام مثيرة للجدل بشأن واقع النساء كارتفاع نسب الطلاق بشكل عام، وتفاصيل أخرى. لكن الرقم الأخير للقاصرات المطلقات كان صادما، ما دعا إلى ضرورة ايجاد تشريع جريء يوقف عملية الزواج المبكر والنتائج الوخيمة التي تنتج عنه.
رقم هائل وأسبابه كثيرة
ضمن احصائية لمجلس القضاء الأعلى أصدرها على موقعه الالكتروني وطالعتها «طريق الشعب»، سجلت المحاكم «4092 حالة طلاق لـ(نساء) لم يبلغن الخامسة عشرة خلال عامي 2020-2021»، فيما ذكر قضاة متخصصون بقضايا الأحوال الشخصية أن «الزواج المبكر احد الأسباب الرئيسية التي تضاعف نسب الطلاق».
وعلّق ناشطون ومراقبون على عبارة «النساء دون الخامسة عشرة» التي وردت ضمن تقرير القضاء، داعين إلى الحديث بصراحة والتأكيد على أنهن فتيات قاصرات أو أطفال.
وضمن أرقام الاحصائية، فأن «العام 2020 سجل 1498 حالة، بينما ازداد العدد إلى 2594 في عام 2021. ومن بين 16 محافظة احتلت الموصل المرتبة الأولى بتسجيلها 1155 حالة طلاق، إذ انفصلت 442 فتاة عن زوجها في عام 2020، وتضاعفت هذه النسبة في العام 2021 حتى بلغت 713 حالة طلاق لفتاة شابة». وبشأن أرقام الموصل المقلقة، أوضح مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الحرب والظروف الأمنية والاقتصادية وراء هذا الأمر وهو ينعكس على الكثير من المحافظات.
جريمة حقيقية وتشريع مطلوب
ويصف المحامي محمد عدنان، الرقم الذي كشف عنه القضاء بـ»الجريمة بحق الطفولة»، مبينا أن «الأرقام مهولة وخطيرة جدا على المجتمع».
ويتساءل عدنان في حديثه لـ»طريق الشعب»، قائلا: «ما هو ذنب الأطفال تحت سن 15 عاما اللاتي يتحملن جهل وتخلف ذويهن بالحياة، وقلة وعيهم ومجازفتهم الكبيرة ببناتهم»، مضيفا «أن المشكلة تكمن في ان القانون يخول هكذا حالات. فالقاصر عندما تأتي لتصديق زواجها، يتم ذلك بمجرد ان يوافق (وليـها الجبري الاب) بعد إجراءات بسيطة في محكمة التحقيق والجنح وفرض غرامة اشبه بالبسيطة يقوم بها الزوج طالب التصديق. أي ان المشكلة تكون هنا في جهل الأسرة من جهة، والغطاء القانوني من جهة اخرى».
واشار الى ان «الحل ليس بصعب لكن يحتاج الى تشريع شجاع ومتطور وجديد كما حدث في الجمهورية المصرية بعدما منعت الدولة زواج القاصرات وامتنعت عن تصديقه عندما يحدث خارج المحكمة. بل فرضت الى هذا حبس وغرامة على الزواج العرفي الحاصل خارج المحكمة، فأصبح على المشرّع العراقي سن قانون يحمي حقوق البنت القاصر، ويرعى طفولتها و أنوثتـها للـحد من نشر الجهل الذي يفرضونه الاهالي في المجتمع».
ويورد تقرير القضاء الأعلى تصريحا لقاضي الأحوال الشخصية في الموصل حسن جلوب، يقول فيه: «مع تطور المجتمعات، لا يزال العراق يعاني من وجود زواج القاصرات بسبب الأعراف والتقاليد المتوارثة، إذ يرى الكثير أن الزواج ستر المرأة ومستقبلها المعهود، وهذه الخطأ شائع في المجتمع».
وبشأن العوامل الأكثر تسببا بالانفصال يعرج القاضي على «الوضع الاقتصادي الذي يساهم بشكل مباشر في الخلافات بين الأزواج، وكذلك المستوى الثقافي وعدم الانسجام الفكري بين الزوجين بسبب صغر أعمارهم إضافة إلى الأسباب المباشرة في توتر العلاقات ومنها تطور المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي والخيانة الزوجية الالكترونية».
كارثة اجتماعية واقتصادية
أما الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، سارة جاسم، فتقول أن زواج القاصرات في هذا السن يمثل «كارثة اجتماعية واقتصادية ظهرت أرقامها بإحصائية القصاء المرعبة خلال سنتين فقط».
وتشير جاسم أثناء حوارها مع «طريق الشعب»، إلى «وجود أعداد هائلة من فتيات قاصرات مطلقات بمجتمع ينظر أليهن نظرة العار لهذا السبب، ويعانين ظروفا اقتصادية سيئة في ظل وضع أمني سيئ يفسح المجال أمام ما يسمى بـ(تجارة البضاعة الناعمة)، أي استغلال القاصرات في الدعارة والنوادي الليلة وهي ظواهر بدت تتنامى فعلا مع غياب للرقابة اللازمة. كما أن اعدادهن لا تستوعبها الرعاية الاجتماعية وفي حال توفرت فهي لا تسد متطلبات المعيشة مع أطفالهن وقلة فرصهن بالعمل نتيجة ترك التعليم وضعف المهارات الحرفية أو المهنية».
وتلفت المتحدثة إلى «استغلال القاصرات المطلقات بزواج المتعة الذي أصبح تجارة رائجة تستدرجهن مع الأرامل بمبالغ رمزية تحت عبارات وتبريرات كثيرة، لتجد المرأة لاحقا نفسها ضحية هذا الاستغلال البشع. منذ سنوات والمنظمات الحقوقية والنقابات المختصة تعمل بتكاتف للحد من هذه الظاهرة، وتقيم الحملات لتعديل وتشريع قوانين توقف هذه الكارثة وخصوصا عقود الزواج خارج المحاكم والمادة القانونية التي تبيح لولي الأمر تزويج ابنته في سن ١٥».
واضافت «ما زالت المحاولات مستمرة رغم علمنا بأن هذه المطالب باتت الآن مستحيلة بسبب الازمة السياسية الحالية واعاقتها هذه الجهود النبيلة التي تريد حماية الفتيات. يمكن أيضا التوجه إلى بعض رجال العشائر ورجال الدين الذين يناهضون تزويج القاصرات من أجل مساندة هكذا حملات للحد من هذه الظاهرة المرعبة، وإقامة حملات اعلامية تثير الرأي العام ولكن نعلم يقينا بأن المنتفعين من هذه الظاهرة لا توقفهم سوى القوانين التي يجب أن تشرع برفقة التوعية والتكاتف لمنع تحويل المرأة إلى سلعة».