اخر الاخبار

الأنبار، واحدة من أهم محافظات العراق وأكبرها مساحة، تعاني منذ سنوات طويلة من سوء إدارة الجهات المتنفذة التي ورطت أهلها بنتائج فشلها السياسي والاجتماعي والأمني. وبعد تجربة قاسية مع الإرهاب، أصبح أهالي المحافظة يواجهون أساليب قمعية عندما يعبرون عن رأيهم وينتقدون الخراب الذي يحيط بهم، فضلا عن تأخر أعمار مناطقهم واستشراء الفساد داخل المدن والأقضية.

فساد هائل

وأصبح أهالي المحافظة أمام خيارات أحلاها مر، فما بين صفعة الإرهاب التي لم يتخلصوا من تأثيراتها حتى اللحظة، والفساد ومحاولات السيطرة على العقود والمشاريع، يئن المواطنون تحت وطأة مجاميع متنفذة لا تأبه بالناس ولا تنأى عن القيام بأي شيء لمصالحها الخاصة الضيّقة.

وأجرت “طريق الشعب” حوارات مع عدد من الناشطين داخل المحافظة، نقلوا تصورات محزنة عن واقع حال الحياة اليومية هناك، وما يتعرض له المواطنون.

ويقول الناشط محمد الهيتي، إن المحافظة تعاني من فساد هائل وتسويق باطل لما يجري داخلها من قبل جهات متنفذة تريد أن تغطي على فشلها.

ويقول الهيتي أثناء حديثه مع “طريق الشعب” أن المتنفذين “يعملون على تسويق صورة كاذبة لواقع حال الأنبار، نجحوا مرات كثيرة من خلالها بإيهام الناس عن حقيقة ما يجري”.

ويوضح أنه “بعد تحرير كافة مناطق المحافظة، استقبل ما يسمى بصندوق الإعمار مبالغ مالية كبيرة جاءت كتبرعات من دول العالم المانحة وأن أغلب عمليات الترميم للمدارس والطرق ومشاريع المياه كانت تمول من هذا الصندوق، فضلا عما قامت به المنظمات الدولية التي ساهمت ببعض عمليات الاعمار في صلاح الدين والأنبار ونينوى لكن الحزب المتنفذ داخل المحافظة حول هذه التبرعات إلى قضايا دعائية، وكأنه من أتى بالأموال في مناطق عديدة كمنطقة هيث مثلا، لم يأت أي شيء عبر هذا الحزب أو غيره، ولكن بالنهاية حولت كل النشاطات إلى مشاريع حزبية واستغلت أموال الدول والمنظمات المانحة أبشع استغلال”.

ويتابع الهيتي قائلا: أن “هناك جهات محددة تستأثر بالسلطة داخل المحافظة وتتحكم بالأموال والمشاريع وهي تظهر واقع المحافظة بشكل كاذب من خلال صور ولقطات مميزة في مناطق محدودة جدا”.

تعثر مشاريع الاعمار

وتؤكد مصادر داخل المحافظة أن نسبة الفساد في دوائر الدولة ومشاريع اعادة اعمار البنى التحتية المتضررة جراء العمليات الارهابية في الانبار وصلت الى ارقام مخيفة خلال الفترة الحالية.

وبحسب مصدر داخل محافظة الأنبار فضل عدم الكشف عن أسمه، فإن أكثر من 75 في المائة من أموال مشاريع إعادة الاعمار تذهب إلى عائدات حزب متنفذ داخل المحافظة لا يقدر أحد على محاسبته.

من جانبه، يقول الأستاذ في جامعة الانبار أمين رافد، أن “شوارع رئيسة داخل المحافظة يتم تسويقها على أنها تمثل غالبية شوارع المحافظة ولكن هذه خديعة كبيرة لا أكثر، ومحاولة للضحك على أهالي المحافظة والآخرين من خارجها”.

ويشدد رافد على أن “مناطق غرب المحافظة تشهد إهمالا فظيعا، فقضاء الرطبة على سبيل المثال بلا ماء منذ فترة، وأهله يشترون من عجلات المياه في وقت يفترض أن تكون هذه المشكلة غير موجودة، بينما يعاني أهالي القائم من غياب الطاقة الكهربائية”، لافتا إلى ان هناك”تسويقا اعلاميا خبيثا من قبل من يحكم سيطرته على المحافظة، إذ جعل الناس يظنون أنها تشهد اعمارا وبناء واهتماما من نوع خاص، لكن الحقيقة أن المحافظة لا تمتلك من يقول الحقيقة بصراحة، بسبب القمع والاعتقالات الفورية والاساليب البوليسية التي لا ترحم أحدا، والأمثلة كثيرة”.

استغلال علني للمال العام

ويتحدث مصدر مطلع من داخل محافظة الأنبار عن استغلال بشع للدوائر الحكومية والتعيينات التي توفرها الحكومة، بينما يجري توظيفها لمصالح انتخابية وحزبية.

ويقول المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه لـ”طريق الشعب”، في حقل عكاس مثلا “هناك انتاج محدود للغاز والكهرباء، ورغم ذلك جاء أحد نواب المحافظة وهو ضمن لجنة الطاقة النيابية ليعلن لأبناء المحافظة عن توفر 2000 درجة وظيفية في هذا المكان ضمن مخصصات قانون الأمن الغذائي، لكنه اشترط على جميع المتقدمين الانضمام إلى حزبه”، مضيفا أنه “وفق الحالة نفسها تم توظيف درجات العقود في الكهرباء، واجبار الاف المواطنين المستفيدين منها على التوقيع مع حزب متنفذ والعمل بشكل (فضائي) مقابل أموال يعطونها للحزب من رواتبهم وتنفيذ شرط الانتماء أيضا. كذلك الفساد متواصل في دوائر الدولة جميعا”.

قمع غير مبرر

أما الناشط براء فوزي، فيقول إن عمليات القمع والترهيب والتضييق على الحريات متواصلة، ولا يسلط الضوء عليها للأسف الشديد. ويوضح فوزي لـ”طريق الشعب” أن الأمثلة كثيرة “أبرزها خروج عدد من الشباب المدنيين ووقوفهم بوقفة تضامنية مع شهداء انتفاضة تشرين وايقادهم الشموع وردود الفعل العنيفة التي تلقوها، بعدها استدعتهم استخبارات المحافظة والجهات الأمنية واعتقلت بعضهم لساعات مع توجيه اهانات فظيعة لهم، ولولا تدخل جهات عديدة لما تم الافراج عن الشباب الأنباريين المتضامنين مع أخوتهم المنتفضين في بغداد وبقية المحافظات”.

ويشدد على أن “منشورا على فيسبوك يمكن أن يسبب الاعتقال لصاحبه من قبل القوات الأمنية ولكن رغم ذلك هناك اصرار من الشباب على التوعية وايضاح ما يجري بالمحافظة”.

وعن هذا الأمر يزيد الناشط عمر السعدون بالقول إن “أسلوب الترهيب يستخدم دون تردد ضد أي مواطن لديه روح ثورية ضد الفساد أو تضامنية مع بقية العراقيين أو فيها لمحة من لمحات الناشط السياسي. فبمجرد أن يشعر المتنفذون أن المواقف المجتمعية تقصدهم، فنلاحظ ردود فعل عنيفة جدا لا ترحم. هناك عمليات اعتقال كثيرة جدا من هذا النوع ونحن شاهدون عليها”. السعدون يؤكد أن “الأوضاع في الأنبار لا تختلف عن البقية، فالمحاصصة هي أساس كل شيء وبالتالي هي التبرير الواضح للفساد المستشري لأن الأمرين مترابطان. أن حجم الفساد كبير جدا، وأن ابسط دائرة حكومية لا يمكن الحديث عنها سوى بالاستشهاد بأمثلة فساد لا حصر لها ونشاطات لمقاولين وسياسيين متنفذين. هؤلاء أسقطوا قيمة العمل السياسي داخل المحافظة”، مردفا أن “أبسط مثال عن دوائر الدولة هي دائرة التقاعد. أتحدى أن تسلم هذه الدائرة المتقاعد مكافأة نهاية خدمته دون أن تبتزه بالرشى وتطالبه بنسبة لا تقل عن 10 في المائة، وتصل أحيانا إلى النصف من قبل موظفين في الدائرة أو معقبين يديرون هكذا عمليات مشبوهة!”.