اخر الاخبار

في حي عشوائي يقع على أطراف مدينة الموصل، تتوزع منازل بسيطة غير نظامية، بعضها بسقوف من الصفيح، كانت قد شيدت على أراضٍ تعود للدولة. هذا الحي غير مشمول بالخدمات الأساسية، من شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، باعتبار انه “منطقة تجاوز”. فيما يعاني سكانه العوز والبطالة والفقر المدقع، الذي دفع ولا يزال يدفع العديد من شبابهم إلى الانتحار يأسا من العيش في حياة أفضل.

ووفقا لعدد من سكان الحي، الذي يحمل اسم “رجم حديد الثالثة”، فإنهم اضطروا إلى بناء منازل غير نظامية والسكن فيها بسبب ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات، موضحين في حديث صحفي أن جدران منازلهم وسقوفها، بالكاد تحميهم من برد الشتاء ولهيب الصيف.

حياة مريرة

تقول ام فواز، التي تسكن مع أبنائها في منزل بائس وسط المنطقة، أنهم يعيشون حياة مريرة، موضحة في حديث صحفي أن اثنين من أبنائها ورغم الظروف الصعبة أنهيا الدراسة الجامعية “لكنهما كغيرهما من الخريجين، لم يحصلا على وظيفة حكومية أو فرصة عمل”. وتتحدث أم فواز بمرارة عن صعوبة حال أبنائها، الذين باتوا يستحقون الزواج، وهي لا تستطيع أن تقدم لهم شيئا.

وتضيف قائلة أن أبناءها يعملون أحيانا بالأجر اليومي، وأحيانا يبقون بلا عمل، وما يحصلون عليه من مردود بسيط ينفقونه على ما يسد رمق العائلة فقط، ولا يكفي لإدخار جزء منه للزواج وغيره من متطلبات الحياة. لكنها ترى أن حالهم أفضل من حال جيرانهم. فهناك شاب انتحر بسبب البطالة، وآخر حاول الانتحار فسارع ذووه إلى إيقافه، مؤكدة أن “هذا حال غالبية شباب الحي، الذين يعانون الكآبة جراء الأوضاع الاقتصادية القاسية”.    وتلفت أم فواز إلى أن ما يجبر الناس على السكن في هذه العشوائية وغيرها من العشوائيات، هو عدم استطاعتهم شراء أو استئجار منازل نظامية، بسبب الغلاء الشديد وضعف إمكاناتهم المادية “فلا خيار أمام هؤلاء سوى البحث عن أماكن عشوائية تؤويهم”.

محرومون من كل شيء

من جانبه، يتحدث أحمد سليمان، وهو أحد شباب الحي، عن معاناتهم جراء غياب الخدمات. ويقول أنهم محرومون من كل شيء لأن منطقتهم غير نظامية.

ويضيف قائلا في حديث صحفي أنه “حتى الماء الذي كانوا يحصلون عليه من الأحياء السكنية المجاورة، قطعته عنهم مديرية الماء، فصاروا يشترونه من المركبات الحوضية، ما يكلفهم مبالغ إضافية”.

أما بالنسبة للخدمات البلدية والصحية والتربوية، فهي جميعاً معدومة تماماً في هذا الحي، كون السكان لا يمتلكون سندات ملكية لأراضيهم.

ويعترف سليمان بأن هذا الحي غير نظامي، لكنه يلقي اللوم على الحكومة “فهي لم تجد حلا بديلا لمشكلتنا هذه، كأن توزع علينا، على أقل تقدير، أراضي سكنية”، مشيرا إلى أن “هناك منازل تبنى بالطابوق، وأخرى تسقف بصفائح معدنية.. كل هذا لا يهم، المهم هو أن يجد هؤلاء الناس الفقراء أماكن تؤويهم”.

مثل شِباك الصيد!

يرى الناشط في مجال العمل الإغاثي، محمد مسعود، ان “حي رجم حديد الثالثة، مثال للعديد من المناطق العشوائية المنتشرة حول مدينة الموصل، والتي بدأت تطوقها مثل شباك الصيد”! مبينا في حديث صحفي، أن “غالبية سكان هذه المناطق هم من الطبقة المعدمة التي لا يسمع أحد صوتها ولا يتذكرها السياسيون الا في ايام الانتخابات”.

ويتحدث مسعود عن الحملات الاغاثية التي ينظمونها في تلك المناطق، موضحا انهم ينقلون آلاف السلات الغذائية إلى السكان “لكن حجم الحاجة والعوز يحتاج الى جهد كبير لا تقوى عليه قدرة المتبرعين”.

إنجاز الحكومات المتعاقبة

إلى ذلك، يعتبر المواطن احمد وليد، أن هذه العشوائيات من إنجاز “الأحزاب المتنفذة والحكومات المتعاقبة، التي لم تضع خططا لتوزيع الأراضي على العائلات المستحقة”، مشيرا إلى أن “التضخم في أسعار العقارات جعل الفقير يحلم حتى بشراء الأرض وليس ببنائها”.

ويؤكد في حديث صحفي، أنه “إذا لم يتم وضع حلول جذرية لهذه المشكلة، ستصبح المناطق العشوائية أماكن غير آمنة يصعب الدخول إليها. فأينما حل الفقر والجوع ستحل الجريمة”.

وكان مدير إحصاء نينوى نوفل الراوي، قد صرح لوكالة أنباء “شفق نيوز”، بأن “نسبة الفقر بين سكان نينوى بلغت 40 في المائة، مشيرا إلى أن دخل الفرد الشهري من هؤلاء الفقراء، أقل من 105 آلاف دينار، بينما تجاوزت نسبة البطالة بينهم 30 في المائة، بعد أن كانت 19 في المائة قبل عامين”.  ويتوقع الراوي ان ترتفع هذه النسب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.