اخر الاخبار

باتت مشكلة النفايات من المشاكل التي تؤرق الكثير من الجهات المعنية في العالم، حيث بدأت تتزايد وتتراكم مع ازدياد اعداد السكان في العالم، مما دفع كثيرا من الدول الى الاهتمام بقضية النفايات.

اما في العراق فقد تحول موقع الطمر الصحي الى مصدر رزق لكثير من العوائل والعاطلين عن العمل.

ويقع موقع الطمر الصحي في الديوانية على بعد 12 كم جنوب غرب مركز المدينة حيث أنشأ منذ عام 2004، كمكب للنفايات بمختلف أنواعها، لكنه اليوم تحول الى مصدر لرزق الكثير من العوائل، وأصبح موقعاً للسكن رغم كل الظروف الصحية الخطرة.

المكتب الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي في الديوانية دخل الموقع، واطلع عن قرب على أوضاع العوائل الساكنة هناك وبعض الذين امتهنوا مهنة جمع النفايات.

لقاؤنا الأول كان مع السيد (الابرق مزبان ) مواليد 1940 يسكن بين تلال الأنقاض مع عائلته، ويمتهن مهنة جمع النفايات تحدث قائلاً: “يتلخص عملنا بجمع النفايات من سكراب الحديد والالمنيوم والنحاس حيث نقوم ببيعه لـ(الصفاطة)”، وهي تسمية تطلق على التجار الوسطاء بيننا وبين معامل التدوير.

وأضاف، “ونتيجة هذه المهنة فقدت اثنين من ابنائي بسبب انفجار صاروخ من المخلفات الحربية كان مطمورا في النفايات بينما اصيب ابني الثالث بعوق اقعده حبيس الدار”.

واستدرك الابرق، “يضم موقع الطمر 45 عائلة كلهم سكنوا المنطقة قبل مجيء الطمر لكنهم للاسف يعانون من انعدام الخدمات وخاصةً الكهرباء حيث نعيش بظلام دامس ولم يبادر اي مسؤول لزيارتنا او مطالعة احوالنا”. (ام علي ) ربة بيت تسكن وهي وابناؤها الاربعة الطمر الصحي، تبلغ من العمر (50 عاما) قالت : “امتهنت هذا العمل منذ اكثر من 20 سنة وهو لايسد حاجة العائلة، وبسببه تعرض اطفالي الى التسمم حيث اصيبت احدى بناتي بجرثومة في الامعاء مما اضطرني الى دخول المستشفى العام في الديوانية لشهر كامل، حيث لايوجد في هذا المكان مستوصف ولا حتى مفرزة طبية تزور المكان”. 

كفان ينطقان

الطفل (سعيد فاهم ) يبلغ من العمر 9 سنوات، حدثنا وهو يحمل كيساً اكبر منه حجماً قائلاً : “يقتصر عملي فقط على جمع قناني البيبسي حيث اجمع في اليوم الواحد 5كغم كحد ادنى من الصباح الباكر ولغاية منتصف الظهر وابيع الكيلو غرام الواحد بـ(500) دينار فقط وهو مبلغ يعينني كمصروف قبل ذهابي للمدرسة فانا في الصف الثاني الابتدائي”.

 اما (حاتم ) زميل ( سعيد ) فلم يجب على اسئلتنا واكتفى بمد يديه ليرينا كفيه المتشققتين ليوصل لنا رسالة ( هنا تجدون جوابكم ... ) .. فعرفنا من صديقه  انه “ابكم” لايستطيع التكلم. 

اجور ضئيلة

( حسن ) احد عمال البلدية يعمل لدى شركة للتنظيف قال: “نقوم بعد انتهاء الدوام الرسمي بفرز المواد التي نجمعها من النفايات وذلك لنوفر مبلغاً لنا يضاف الى راتب البلدية الذي نتقاضاه حيث ان الـ ( 200) الف دينار أجر ضئيل لا يساوي شيئا امام غلاء المعيشة”.

 ( ابو علي ) تاجر خردة تحدث هو الاخر عن مهنة جمع النفايات قائلاً : “تعتبر تجارة الخردة وما يمكن فرزه من النفايات تجارة مربحة لنا حيث نقوم  بتصنيف المواد كل حسب نوعه ونرسله الى المصانع الموجودة في البلد وبالنسبة لنا نتعامل بشكل دائم مع معامل موجودة في محافظات  اخرى مثل الحلة والبصرة و اربيل، وكنا نتمنى ان يكون هناك معمل لتدوير هذه النفايات الصلبة في الديوانية حيث يكلفنا النقل الى المحافظات الاخرى مبالغ طائلة مما يضطرنا في كثير من الاحيان ان نشتري الخردة والنفايات الاخرى من عمال الجمع باسعار بخسة لا تسد حاجتهم ولا تتناسب مع الجهد المبذول في جمعها”. 

اسعار النفايات

واضاف ( ابو علي) : “تختلف الاسعار من مادة الى اخرى حسب اهميتها والطلب عليها من قبل المعامل ويتراوح سعر الطن الواحد من الحديد الخردة بـ(70) الف دينار اما النحاس فبـ(6000) دينار للكيلو غرام الواحد والالمنيوم (1000) دينار للكيلو الواحد وعلى ضوء هذه الاسعار نقوم بشراء الخردة والنفايات من العمال الصغار، اما أسعار معامل التدوير فلا تختلف كثيراً عن الاسعار السابقة فقط نضيف اليها هامشا من الربح”. 

إحصائيات

يذكر ان متسوى النفايات ارتفع بشكل ملفت للنظر والعراق ليس استثناء فعلى المستوى العالمي مثلاً بلغ مستوى توليد نفايات ما بعد الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية ١٦٠ مليون طن من النفايات الصلبة في العام أي ٤٣٩ ألف طن يومياً مما يمثل تحديات بيئية وهندسية خطيرة. وقد ازداد هذا المعدل إلى ما بين ١٨٠ و ٢٠٠ مليون طن سنوياً من عام ١٩٨٨ إلي عام ١٩٩٥ ؛ أي بمعدل ١٨١٤ إلى ١٩٠٥ غرام في اليوم للفرد الواحد وفي عام ٢٠٠٠ وصلت كميات النفايات إلى ٢١٦ مليون طن سنوياً أي بمعدل ١٩٩٦ غرام في اليوم للفرد الواحد؛ أو ما يعادل ٧٢١ كيلوغرام من القمامة سنوياً. تلي الولايات المتحدة الأمريكية أستراليا حيث ينتج الفرد الواحد ٦٩٠ كيلوجراما وبعدها نيوزيلندا حيث يتخلص الفرد سنوياً من ٦٦٢ كيلوجراما من النفايات. والمتوقع أن إنتاج الفرد في مدن المملكة العربية السعودية سنوياً من القمامة لن يقل عن ذلك المعدل بكثير؛ في المتوسط؛ فإنتاج القمامة في المملكة في ازدياد مطرد، والسبب ليس فقط ازدياد عدد سكان المملكة، ولكن لتغيير العادات الغذائية. 

خسائر

الى ذلك فأنه لا توجد احصائيات رسمية في العراق تقدر الخسائر الناجمة عن تجاهل تدوير النفايات الا ان هناك دراسة اقتصادية صادرة عن جامعة الدول العربية في القاهرة قدرت حجم خسائر الدول العربية الناجم عن اهمال إعادة تدوير المخلفات بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، موضحة أن كمية المخلفات في الوطن العربي تبلغ نحو 89.6 مليون طن سنوياً وتكفي لاستخراج نحو 14.3 مليون طن ورق قيمتها ملياران و145 مليون دولار وانتاج 1.8 مليون طن حديد خردة بقيمة 135 مليون دولار، بالإضافة لحوالي 75 ألف طن بلاستيك قيمتها 1.4 مليار دولار، فضلاً عن 202 مليون طن قماش بقيمة 110 ملايين دولار وكذا إنتاج كميات ضخمة من الأسمدة العضوية والمنتجات الأخرى بقيمة تتجاوز مليارا و225 مليون دولار.

وفي دراسة اخرى اعدت في مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة أن الخسائر العربية لإهمال تدوير المخلفات لا تقف عند حد قيمة المنتجات التي يمكن الحصول عليها من عمليات إعادة التدوير وإنما تمتد إلى تكلفة دفن هذه المخلفات ومقاومة الآفات والحشرات الناتجة عنها، موضحة أن الدول العربية تنفق في هذا المجال نحو 2.5 مليار دولار سنوياً لمقاومة الأضرار الناتجة عن حوالي 1353 مليون طن من المخلفات الحيوانية و196.5 مليون طن من المخلفات الزراعية مقابل 18870 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، مشيرة إلى أن إجمالي ما يتم جمعه من هذه المخلفات لا يوازي سوى 50% من حجمها . وأن تكلفة جمع ودفن هذه المخلفات تتجاوز 850 مليون دولار، فضلاً عن 1.7 مليار دولار أخرى لمقاومة الآثار البيولوجية والصحية والنفسية لتلك المخلفات.

اما محلياً فبالكاد نجد من يهتم بهذا الجانب حيث تدفن اغلب النفايات تحت الارض مما يؤدي ذلك الى تسرب سمومها الى التربة والهواء الامر الذي يؤدي الى اضرار لايمكن تداركها في المستقبل.