اخر الاخبار

تفاقمت في العراق خلال الفترة الأخيرة ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية. ويأتي هذا جراء تفاقم  الأزمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدمتها معضلة ارتفاع نسب الفقر.

وتحوّلت عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية مع مرور الوقت إلى ظاهرة، ارتباطا بانتشار العصابات المتخصصة فيها، مقابل استعداد الكثيرين من المواطنين لبيع بعض أعضائهم في سبيل مواجهة تدهور أوضاعهم المعيشية.

وكشف تقرير نشره مجلس القضاء الأعلى في 26 تموز الماضي، عن اعتقال عصابة تقودها امرأة، كانت قد نفذت نحو 250 عملية اتجار بالأعضاء البشرية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. ونقل التقرير عن اعترافات العقل المدبر والمعتقلين الآخرين، أن “العصابة تشكلت عام 2017، وضمت خمسة أشخاص أنشأوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ونفذوا عبرها مهمات لاستدراج أشخاص للتبرع بأعضائهم مقابل مبالغ مالية كبيرة، ثم بيعها”.

تنشط في المناطق الفقيرة

يوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، أن “تشكيلات الوزارة، خاصة المديرية المعنية بمتابعة حالات الاتجار بالبشر، ألقت القبض على أفراد في عصابات ومجموعات متخصصة في بيع الأعضاء البشرية، بعدما كشفت طرق الاحتيال والأساليب التي تستخدمها للإيقاع بالضحايا”.

ويشير في حديث صحفي إلى أن غالبية هذه العصابات تنشط في المناطق التي يعيش سكانها تحت خط الفقر، والتي تعاني أوضاعها تدهوراً كبيراً، مبينا أن “أساليب الاحتيال التي تتبعها هذه العصابات للإيقاع بضحاياها، كثيرة، منها ترغيب الأشخاص ببيع أعضائهم البشرية عبر إغرائهم بمبالغ مالية كبيرة جداً، مع ضمان خضوعهم لعمليات جراحية في مستشفيات بعد تزوير وثائقهم الشخصية، لإيهام إدارة المستشفى بأن المتبرع قريب للمريض، باعتبار أن القانون العراقي يسمح لأقارب المريض التبرع بأعضائهم له”.

الكلية مقابل 40 ألف دولار!

نقلت وكالة أنباء “العربي الجديد” عن أحد ضحايا عصابات بيع الأعضاء البشرية، قوله أن سمساراً متعاونا مع عصابة، أقنعه ببيع كليته مقابل مبلغ 40 ألف دولار.

ويضيف الضحية الذي يسمي نفسه استعارة بـ أبو يزن، ويبلغ من العمر 31 عاما، قوله أنه “لم يخطر في بالي يوماً أن أبيع كليتي للحصول على مبلغ مالي اعتقدت بأنه سيغيّر حياتي نحو الأفضل. فالمال نفد في النهاية، وخسرت صحتي”.

ويوضح مضيفا “لست الضحية الأولى، ولن أكون الأخيرة في ظل انتشار أفراد العصابات قرب المستشفيات، ووجود سماسرة داخل المستشفيات نفسها”، مؤكدا أن “جرائم بيع الأعضاء البشرية تشكل تجارة مربحة جداً تدُرّ على العصابات آلاف الدولارات، من دون بذل جهود كبيرة”.

وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت عام 2012 قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28، بهدف الحد من انتشار هذه الجرائم ومعالجة آثارها ومعاقبة مرتكبيها.

ضحايا كثرٌ وأطباء سماسرة!

ونقلت وكالة الأنباء أيضا عن مصدر أمني يعمل في دائرة الطب العدلي ببغداد، قوله أن “عمليات الاتجار بالبشر وبيع الأعضاء البشرية أصبحت ظاهرة خطرة نظرا لضحاياها الكثر”، مبينا أن “الدائرة التي أعمل فيها تتسلم بين حين وآخر جثة أو جثتين من الجنسين وبأعمار مختلفة، مقطعة الأوصال، وعليها آثار عمليات جراحية. ثم يتبين أن عصابات سرقت أعضاءً من هذه الجثث”.

ويضيف المصدر الذي لم تعلن وكالة الأنباء عن اسمه، قوله أنه “أصبح بيع الأعضاء البشرية تجارة رائجة في العراق بعد تفشي الأمراض والأوبئة، خصوصاً الفشل الكلوي”.

ويؤكد أنّ “أفراد هذه العصابات ينتشرون قرب المستشفيات بهدف تشكيل حلقات متصلة تتعاون مع سماسرة من أطباء وموظفين داخل المؤسسة الصحية”.

إلى ذلك، تذكر الناشطة المدنية في مجال حقوق الإنسان، حسنة الجنابي، أن “المنظمات الإنسانية والجهات المعنية لا تملك أيّ إحصاءات عن عدد ضحايا الاتجار بالبشر، لكن المعلومات التي نتلقاها تؤكد أن العدد كبير جداً. فالظاهرة تنتشر في المجتمع بتأثير تردي الأوضاع المعيشية، الامر الذي يجبر الناس على بيع أعضاء من أبدانهم في سبيل تحسين واقعهم المعيشي، في حين تخالف العصابات التي تعمل في هذه التجارة البشعة كل الشرائع والأعراف والقوانين”.

وتضيف في حديث صحفي، أن “العراق تنتشر فيه أنواع مختلفة من الاتجار بالبشر، مثل استخدام الأطفال لممارسة أعمال لا تناسب أعمارهم وبنيتهم، أو الاتجار بالفتيات والنساء والأطفال لأغراض التسوّل أو الدعارة أو ترويج المخدرات، فضلا عن تجارة الأعضاء البشرية”.

وتحدد الجنابي دوافع هذه التجارة بـ “تحقيق مكاسب مادية، والمساهمة في نشر الجريمة والفساد داخل المجتمع، ورسم صورة سوداوية عن الحياة في العراق. فإظهار تفكك المجتمع وانهيار قيمه يخدم جهات خارجية تتطلع إلى تحقيق مآربها المشبوهة وأطماعها الأزلية في هذا البلد”.

وتدعو الناشطة المواطنين إلى “الابتعاد عن أي ممارسات غير قانونية وغير إنسانية، والتبليغ عن عمليات الاتجار بالأعضاء التي يسمونها التبرع بالأعضاء، وتجري غالباً في أماكن غير مرخصة”.