اخر الاخبار

في مثل هذه الأيام وقبل ستة أعوام، انضمت الأهوار العراقية إلى لائحة التراث العالمي، لكن واقع الحال وبعد مرور هذه السنوات يظهر أن الجفاف والمشاكل البيئية الكثيرة آخذة بتهديد “جنة عدن” الساحرة، وتدفع بالكثير من أهلها الذين ولدوا في وسط المشحوف، الى التفكير بالهجرة والتسليم بموت كل شيء، وهم يلاحظون أن الإجراءات الحكومية لم تكن بمستوى الأخطار المهددة.

وتحاول آفة الجفاف أن تبتلع هور الحويزة، الأمر الذي يزيد من صعوبة موقف البلاد أمام اليونسكو والمنظمات الدولية، نتيجة الفشل في انعاش هذه المناطق المهمة.

واقع حال هور الحويزة

الكثير من الأهالي الذين يسكنون قرب هور الحويزة، أحد أهم أهوار محافظة ميسان، هاجروا بسبب الجفاف المستمر وباعوا قطعانهم وممتلكاتهم حيث باتت المعيشة صعبة، وفقا للمشهد الحالي.

وقللت وزارة الموارد المائية، في وقت سابق، من أهمية تعرض هذا الهور إلى الجفاف وأوضحت أنه مجرد “جفاف موسمي”.

ويقول المتحدث باسم الوزارة، عون ذياب، إن “هور الحويزة تعرض للجفاف، كسائر جميع الأهوار التي يمكن أن تتعرض إلى جفاف موسمي، وهو ليس شيئا غريبا، فقبل أن توجد سدود أو خزانات، كانت الأهوار تجف صيفا وترفد بمياه إضافية في الشتاء”.

أما الناشط البيئي في محافظة ميسان، أيمن سالم، فيقول إن الجفاف بات أمرا واقعيا، وهو ليس بالبساطة التي تتحدث بها الجهات الرسمية.

وأوضح سالم لـ”طريق الشعب”، أن جفاف هور الحويزة “يهدد أرزاق الأهالي الذين أصبحوا عاجزين أمام ظاهرة الجفاف وتلوث الأنهر المغذية وموت المواشي بسبب ذلك”، مضيفا أن “مصدر الرزق الرئيس لسكنة هذه المنطقة مرهون بتربية الحيوانات وصيد الأسماك، لكن ذلك أضحى عقيما بسبب الجفاف والتلوث، وأصبح رزق الناس شحيحا ما دفع الكثير منهم إلى الهجرة صوب المدينة، وهذا الأمر يحمل الكثير من الإشكالات المستقبلية، الى جانب الآنية”.

وسجلت وزارة البيئة مئات الحالات من التسمم بسبب تلوث مياه الأهوار هذا العام، فضلا عن التجاوزات على حصص مياه القرى المجاورة للهور، قابل ذلك غياب واضح لتحركات الحكومة لإنقاذ الوضع، بحسب ما يقول الأهالي.

وتابع سالم قائلا: “أن استمرار هذا الحال المأساوي، يحرج العراق كثيرا أمام اليونسكو الذي اشترط عدة قضايا لإبقاء الأهوار ضمن التراث العالمي، منها توفير الكميات الملائمة من المياه”.

وتقف أمام البلاد تحديات جسيمة خصوصا فيما يتعلق بظاهرة التصحر. وتفيد التقارير الدولية بأن العراق واحد من خمس دول هي “الأكثر ضررا من التصحر ولا توجد هناك مساحات خضراء أو سياسات رشيدة لتقليل الضرر”.

مطالب الأهالي كثيرة

رحيم علي، وهو يسكن بالقرب من المنطقة، يقول أن مطالبات واسعة تحدث بها الأهالي في وقت سابق شملت كري الأنهر وتنظيفها وتوفير المياه ومعالجة حالات التلوث الفظيعة وانقاذ هور الحويزة، ولكن لا من مجيب.

وأشار علي خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى أن “أي استجابة حكومية لهذه المطالب لم تكن موجودة. وأصبح الجفاف يأكل من مساحات الهور حتى تحول إلى منطقة شبه جافة والشباب يتوجهون صوب المدينة بحثا عن العمل رغم صعوبة الحصول عليه”، لافتا إلى أن “المواطنين استبشروا خيرا بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي عاقب الأهوار لسنوات طويلة، وعادت الحياة في البداية إلى سابق عهدها، ونشط الصيد وتربية الحيوانات، ولكن سرعان ما حل الجفاف مجددا على المنطقة”.

وبحسب مدير منظمة طبيعة العراق، الناشط والباحث البيئي جاسم الأسدي، فان جزءا من أسباب جفاف الأهوار تعود إلى تغاضي وزارة الموارد المائية عن الأهوار وسوء إدارتها للمياه.

ويشير الأسدي في حديث صحفي إلى أن محافظات في الفرات الأوسط تستحوذ على كميات من المياه من أجل الري، تفوق الحصص الممنوحة لها، مما يؤدي إلى حرمان المحافظات الجنوبية مثل البصرة، ميسان وذي قار من حصصها المائية.

ووفقا لناشطين بيئيين ومهتمين بهذا الشأن، فان جذر المشكلة يعود إلى غياب النظم والقوانين الوطنية التي من شأنها تنظيم توزيع المياه على المحافظات بشكل عادل. وكان السبب الرئيسي للاقتتال بين القبائل الجنوبية عام 2018 هو التجاوزات على المياه. وهناك بطبيعة الحال أسباب أخرى تقف وراء أزمة العراق المائية وهي سياسات كل من تركيا وإيران من جانب، وتناقص الهطول المطري لفصلين متتاليين جراء تغير المناخ الذي تأثر به العراق أكثر من غيره من البلدان في المنطقة.

مناطق الأهوار وعلى مدار سنوات طويلة، تعرضت إلى الكثير من الانتهاكات. وبدأت في عمليات التجفيف التي مارسها نظام البعث خلال فترة التسعينات. ثم حلّ عليها بعد 2003 موجات جفاف شديدة التأثير، مما أدى إلى هجرة سكانها والتوجه إلى المدن، وكانت الموجة الأقسى من بينها عام 2016.

مناشدة رسمية

وناشدت مديرية زراعة ميسان، أخيرا، الجهات المعنية بإيجاد الحلول السريعة لإنقاذ هور “أم نعاج” في ناحية بني هاشم من خطر الجفاف، الذي سيؤثر على الأهالي والثروة الحيوانية فيها.

وقال رئيس قسم تنمية وإنعاش الأهوار في المديرية، ماجد جمعة الساعدي، في تصريح طالعته “طريق الشعب”، إن “خفض مناسيب المياه في الاهوار بسبب قلة الاطلاقات المائية سيؤدي الى جفافها ما يؤثر على الاحياء المائية من الطيور والاسماك الى جانب الأهالي والحيوانات الذين يعيشون قربها”، مبينا أن “الأسباب التي دعت الى انخفاض مناسيب المياه تعود الى قلة تساقط الامطار والتوجه للحفاظ على الخزين المائي بالاضافة الى التجاوزات الحاصلة على الانهر”.

وأضاف، أن “انخفاض مناسيب المياه في الاهوار سيؤدي الى اضرار كبيرة”، مطالبا “وزارة الموارد المائية بايجاد حلول سريعة لانقاذ هور الحويزة (ام نعاج) في ناحية بني هاشم”.

وكان مركز انعاش الأهوار والأراضي الرطبة في ميسان، قد ناشد وزارة الموارد المائية الالتفات الى واقع الاهوار ووضع الحلول السريعة قبل تفاقم الأزمة. وأوضح رئيس المركز المهندس سلام الموسوي، أن “انحباس المطر يؤدي الى مشاكل خطيرة على مناطق الاهوار (سكان - حيوانات - اسماك) من جفاف مستمر وملوحة المياه، ما يؤدي الى تداعيات خطيرة على جميع الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والزراعية”.