اخر الاخبار

تستكمل “طريق الشعب” سلسلة تقاريرها لتسليط الضوء على الواقع الراهن لمختلف المحافظات. وبعد الحديث عن نينوى والديوانية وما فيهما من تفاصيل كثيرة، يستعرض هذا التقرير، واقع محافظة صلاح الدين، المحافظة المثقلة بمشاكل كبيرة، وتركات من مخلفات الإرهاب وتفشي الفساد والفشل الخدمي.

محافظة غنية

وتعتبر محافظة صلاح الدين واحدة من المحافظات الغنية بمواردها الطبيعية، ومميزاتها الجغرافية. ويضم تقسيمها الإداري أقضية عديدة منها: سامراء، تكريت، بيجي، طوز خورماتو، الدجيل، الشرقاط، بلد، الضلوعية، فضلا عن الكثير من النواحي والمناطق المهمة.

وتشتهر المحافظة بوجود مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء والمئذنة الملوية وقصر العاشق وقصر الخلاقة العباسية وجامع أبو دلف. ومن الآثار أيضا، مدينة آشور التاريخية في الشرقاط وتطل من جهة الشمال على سهل فسيح في نهايته المدينة، وسور تكريت ودير الراهبات من الكنائس والقبة الصليبية. فالمحافظة تمتاز بمقومات سياحية يمكن أن تشكل فارقا لها لو جرى الاهتمام بهذا الجانب. وبلغ تعداد المحافظة 1,723,546 مليون نسمة في العام الماضي، وذلك بحسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء.

وتحتوي مناطق المحافظة على مواقع نفطية وفيرة في حقول علاس وعجيل وحقول للغاز الطبيعي والكبريت في الشرقاط، وآبار نفطية في ناحية الاسحاقي، إضافة إلى آبار ومواقع أخرى منتشرة في مناطق عدة. أن قسما كبيرا منها لم يُكتشف حتى الآن. وتوجد مصافي للنفط متلكئة مثل مصفى بيجي الذي تعرض إلى النهب، ولا يعمل الآن في كامل طاقته. بينما الحال نفسه مع مصفى الصينية الذي يتعرض للحرائق والاستهداف الصاروخي بين فترة وأخرى.

ويقول مراقبون إن الثروة النفطية والغازية للمحافظة لو تم استثمارها بشكل صحيح، فستتحول صلاح الدين إلى إحدى كبريات المناطق النفطية في البلاد، فضلا عن قدراتها الزراعية.

تعقيدات الملف الأمني

تجاوزت محافظة صلاح الدين عقبات خطرة جدا. فهي إحدى ضحايا الإرهاب والفشل الأمني، ودفعت ضريبة كبيرة بعدما عبث تنظيم داعش الإجرامي بأمنها وحياة مواطنيها.

وبعد التضحيات الكبيرة وخوض القوات الأمنية والمتطوعين معارك شرسة لاستعادة مناطق المحافظة المغتصبة، عاد الأمن تدريجيا ليستقر نسبيا، لكنه لم يستتب تماما. وتتوالى الأنباء بين الحين والآخر عن تعرض مكان ما إلى هجوم إرهابي دامي.

ويعزو أهالي المحافظة تعكر صفو المشهد الأمني إلى غياب التنسيق والفساد والصراع السياسي الذي يتحكم بمجريات الأحداث هناك.

وفي المحافظة صراع شبه معلن بين جهات سياسية للسيطرة على مناطقها. وتختلف أدوات الصراع من منطقة إلى أخرى، كالاعتماد على الأذرع المسلحة، أو النفوذ، أو المواقع الرسمية أو العشائرية وغيرها من الوسائل الكثيرة. بينما يؤكد الأهالي أن هناك محاولات للتغيير الديموغرافي ببعض المناطق، وعقبات سياسية وأمنية تحول دون عودة عدد من النازحين والمهجرين على حد سواء.  ويؤكد خبراء أمنيون أن هذا الخلل ناتج عن التراخي الأمني، ووجود ثغرة كبيرة في عملية جمع المعلومات الأمنية، وأيضا ضعف التنسيق الأمني بين الأجهزة المسؤولة عن جمع المعلومات والتشظي ووجود أكثر من طرف عسكري، ما جعل المحافظة وكأنها منطقة صراع ونفوذ لجهات عدة.

وتتكرر الأحداث الدامية في المحافظة بين فترة وأخرى، مثل الجريمة التي وقعت في قرية البو دور التابعة لمدينة تكريت، والتي راح ضحيتها 8 مواطنين أبرياء. فالهجمات ضد القوات الأمنية والمدنيين تتكرر وتثير القلق لدى أهالي المحافظة ومناطق مجاورة لهم كمناطق في ديالى مثلا.

وواحد من الصراعات التي يتحدث عنها ناشطون في المحافظة، ويقولون أنها تنعكس على الأمن وخدمة المواطنين، هو التنافس على منصب المحافظ؛ حيث تطفو على السطح خلافات شديدة بين أطراف متنفذة بشأن المواقع المهمة.

وعلى سبيل المثال، شكا أهالي مكحول قبل فترة وجيزة ما تعرضوا له من استهداف “ممنهج” وتهجير قسري من مناطقهم وتشريدهم ونقلهم إلى الصحراء دون أن توفر لهم أبسط مقومات الحياة، وسط صمت من الجهات الحكومية المسؤولة.

واستنكر الاهالي التحجج بـ”خطورة الوضع الأمني”. وبحسب الأهالي، فأن العناصر الإرهابية غالبا ما تتخذ المناطق الصحراوية منفذا للتسلل باتجاه العراق، وهناك تقصير في معالجتها، والمواطنون يدفعون ضريبة التخبط الأمني والصراع السياسي داخل المحافظة.

ويرى الناشطون في المحافظة، أن مواصلة العمليات الأمنية لإنهاء الإرهاب في صلاح الدين كفيلة بقطع خط الإمداد لعناصر داعش وخلاياه النائمة في ديالى والطارمية شمالي بغداد.

خدمات رديئة وإعمار معطل

وتقف المحافظة أمام تحديات جسيمة لمرحلة ما بعد التحرير؛ فالجانب الخدمي ما زال دون المستوى المطلوب والفساد منتشر بشكل كبير خصوصا في ملف إعادة إعمار المناطق المحررة.

وفي تصريح سابق لعضو في لجنة النزاهة النيابية، فإن “شبح الفساد والمحاصصة الحزبية ساهم في إيقاف مشاريع صلاح الدين لإعادة الإعمار، وتمت سرقة المنح الدولية والحكومية، فقد تسلمت المحافظة ما يقارب 170 مليون دولار من الحكومة الاتحادية في بغداد”. وتطال تهم فساد محافظين ومسؤولين كبار في المحافظة.

وكواقع حال على ملف إعمار المناطق المحررة، فإن قضاء مثل بيجي تعرض إلى دمار كامل نتيجة العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الارهابي، وما زال ركام المنازل والبنايات على حاله، فيما تغيب الجهود عن وضع لمسات واضحة لمثل هذه المنطقة وغيرها، المتضررة بفعل الإرهاب والحرب.

وفي مناشدات مستمرة، يتهم مواطنون المحافظ بالكيل بمكيالين في التعامل مع الأقضية والنواحي. والإشارة هنا مفادها أن السلطة المحلية عملت على تعبيد شوارع بعض الأقضية وتأهيل مدارسها وبعض بناها التحتية، فيما تم تجاهل المناطق الأخرى، وذلك من منطلق مناطقي يتعلق بالنفوذ والمصالح لا العدالة وحقوق المواطنة.

إشكالية الفساد

ووفقا لنائب سابق عن المحافظة، فإن المعالجات في المحافظة لا تخلو من المحسوبية. وأن موضوع معالجة الفساد أصبح ايقونة مستخدمة من الكثيرين لكن دون جدوى.

ويقول يوسف، “حين نتكلم عن موازنة المحافظة وتوزيعها على المشاريع نجد فيها اشكالية من خلال التوزيع لمناطق دون أخرى، وهناك اكثر من علامة استفهام على هذا الأمر خصوصا انه لا توجد هناك مناقصات على المشاريع في المحافظة الا ما ندر”.

وقررت محافظة صلاح الدين، العام الماضي، إن تأسيس مجلس أعلى للإعمار، بهدف النهوض بالواقع العمراني والخدمي. لكن مواطنون يقولون ان شيئا لم يتحقق، قياسا بما هو مطلوب القيام به.

وفي آخر مرة شهدت المحافظة أمطارا غزيرة، غرقت المناطق السكنية، ما دفع إلى تعطيل الدوام الرسمي هناك وفرض حظر جزئي للتجوال، وبالتالي تعطيل حياة المواطنين؛ فعلى الرغم من توفير ميزانيات ضخمة للحكومة المحلية، إلا أنها ذهبت لجيوب الفاسدين، بحسب تأكيدات، دون تقديم خدمات. وكما يقول الأهالي، إن الأمطار الأخيرة خير دليل على ذلك؛ كونها كشفت حجم تهالك البنى التحتية.

مراقبون أكدوا أن مبالغ طائلة، وميزانيات ضخمة خصصت للمحافظة، لكنها لم تدر خيرا، بسبب جشع وفساد حكومتها المحلية، فلا تطوير للخدمات ولا البنى التحتية.

ووفقا لنائب آخر، فهنالك نقص حاد في الخدمات. وأن صلاح الدين “تدار بشكل سيئ جداً، وتعاني من عدم المساواة في تقسيم الخدمات بين الأقضية والنواحي”.

ويقول إن “المحافظة باتت في المؤخرة بسبب واقعها المرير. دخلنا عام 2022 ونحن نعاني من عدم وجود أبسط الخدمات التي يحتاجها المواطن”.

ملفات فساد واختلاسات وسوء ائتمان وإدارة، بهذه الاتهامات يمكن تلخيص الأجواء التي تسود محافظة صلاح الدين بعد انتشار وثائق تتحدث عن عقود وتلزيمات بأرقام مالية ضخمة تجاوزت المليارات، لمشاريع وملفات وهمية وتنفيعات شخصية.

وانتشرت مؤخرا وثيقة تتهم محافظ صلاح الدين عمار الجبوري بشراء أجهزة تعفير (تعقيم) بأكثر من 2 مليون دولار، في وقت لا تتجاوز أسعار هذه الأجهزة الـ900 مليون دينار عراقي (أكثر من 600 ألف دولار). ويؤكد أحد نواب المحافظة ، أن صلاح الدين تحتل النصيب الأكبر من الفساد، مشيرا إلى أن المحافظة ومنذ 10 سنوات “مثقلة بالمشاريع الوهمية”.

وتفيد الأرقام المتداولة بشأن ملفات الفساد، ان هناك أكثر من 13 ملف فساد في المحافظة، وأبرزها تأهيل وصيانة الكهرباء، وتركيب كاميرات حرارية، ومستشفى قسطرة القلب، وصفقة وضع حاويات نفايات.

وبحسب الأنباء، فأن “مركز قسطرة القلب كلفته ملياران و800 مليون دينار عراقي، في الوقت الذي تم إقرار المشروع بقيمة 5 مليارات، أي تمت مضاعفة السعر تقريباً”. وتم إبرام أكثر من عقد لتجهيز كاميرات تعمل على الطاقة الشمسية في المحافظة، الأول كان بقيمة 28 مليار دينار عراقي. والثاني بـ 15 مليار دينار، مع المقاول نفسه. وتناقل مدونون صورا تظهر الكاميرات نفسها دون تحقيقها الغاية المطلوبة، إذ أنّ غالبيتها لا يعمل، بحسب قولهم.

وخلال الاستقصاء عن مركز السرطان في المحافظة، فأن المشروع تم انشاؤه بقيمة 16 مليار دينار عراقي، إلا أنّ الوثائق تثبت وضع المشروع في قائمة المحافظة بقيمة 25 مليار دينار عراقي، ومن ثم تم إبرام العقد بزيادة أكثر من 3 مليارات، وهي مبالغ مرصودة لمشروع لم ينفذ بعد. وتؤكد المصادر أنه “تم إقرار مشروع إنشاء مركز للسرطان في صلاح الدين منذ حوالي سنة ونصف السنة، ولكن تحول المشروع إلى قسم داخل مستشفى تكريت التعليمي الذي قامت بإنشائه إحدى المنظمات الدولية أساساً، في وقت ساهمت المحافظة في جزء بسيط فقط من التجهيزات”.

فشل ملف الكهرباء

وبالنسبة لملف الكهرباء، فقد تم إبرام عقد بين المحافظة وأحد المقاولين لتجهيز مواد كهربائية لصيانة الشبكات في عموم المحافظة بقيمة حوالي 14 مليار دينار عراقي، في حين لم يشعر سكان صلاح الدين بأي تحسن لو بسيط في التيار الكهربائي، بحسب ما ذكره أكثر من مواطن داخل المحافظة.

وتشهد صلاح الدين عمليات إرهابية كثيرة جدا تطال أبراج الطاقة الكهربائية، مقابل عجز أمني للحد من هذه العمليات التي يعتقد البعض أنها تنفذ من أجل غايات معينة. وتنقل وكالات الأنباء عن أحد أعضاء مجلس محافظة صلاح الدين السابق قوله أن “الوثائق المتداولة جميعها صحيحة، ويمكن اعتبار ملفي الكهرباء ومركز السرطان من الأكثر فسادا”. وشدد على أنّه “بالنسبة للكهرباء تحديداً، فالصعوبة تكمن بأنّ الأوراق سليمة من حيث الشكل، إلا أنّ هناك تلاعباً في أصل المبلغ، وإنجاز المشروع صفر”.

ويحمل ناشطون وأهالي المحافظة، الرقابة المالية مسؤولية هذا الفساد الهائل، كونها لم تدقق حتى الآن أياً من الوثائق، ولم تحقق ولم تستدع أي مسؤول في صلاح الدين”.  وهناك رأي آخر مفاده بأن “ما يحصل ليس مرتبطاً بالفساد وحسب، وإنما هناك مخططات لتجريد المحافظة من الأمن والمستلزمات الأساسية للحياة. وكذلك استمرار الهجمات والتغييب القسري والقتل، هو لجعل الأهالي في حالة خوف وتبعية”.

مشاريع كثيرة جدا

وقد حرم الفساد وهدر المال العام ونقص التخصيصات المالية طيلة الاعوام الماضية، محافظة صلاح الدين من التنعم بـ 1500 مشروع خدمي، كان قد تعرض أغلبها للتلكؤ والاندثار، وفقا لنائب عن المحافظة.

وبعد فوضى الأمن ودخول تنظيمات داعش الإرهابية للمحافظة، توقفت اغلب المشاريع، ولم تسعف الموازنات المالية التقشفية في اكمالها بعد التحرير.

ويؤكد محافظ صلاح الدين “وجود ملفات فساد يجري العمل على احصائها لغرض إحالتها الى الجهات المختصة”.  وشملت المشاريع التي شابها الفساد، بحسب المحافظ، “جميع القطاعات، ومنها التربية والصحة والبنى التحتية الخاصة بمياه الصرف الصحي خصوصا في مدينة سامراء التي توقف العمل فيها لفترة طويلة”.  وبخصوص الأبنية المدرسية، يقول المهندس باسل فاضل علوان، ان مديرية تربية صلاح الدين “اشّرت خلال الاعوام الماضية تلكؤا في بعض مشاريع الابنية المدرسية، بسبب نقص السيولة المالية”. مديرية تربية صلاح الدين تؤكد، بدورها، وجود ألف مدرسة تعمل بنظام الدوام المزدوج في المحافظة، لافتة إلى أن عدد الطلاب في الصف الواحد يصل أحيانا إلى أكثر من 80 طالبا، رغم تفشي فيروس كورونا. كما أن هناك أكثر من 400 مشروع متلكئ لإنشاء البنى المدرسية الجديدة والمحالة منذ العام 2014.