اخر الاخبار

تعود بين آونة وأخرى قضية فرض الحجاب على الفتيات في المدارس الى الواجهة، لتشغل الرأي العام، برغم عدم وجود أي قانون ينص على ذلك. 

ويشير ناشطون ومعنيون بالشأن التربوي الى أن هذه السلوكيات قد تكون فردية ونابعة من محاولة ترسيخ قيم التطرف لتحقيق مكاسب سياسية، منبهين الى تأثيرها السلبي برغم محدوديتها واستهجانها من قبل الكثيرين.

سلوك متطرف

وكان الشارع العراقي قد تفاعل، خلال الأسبوع الماضي، مع قضيتين تتعلقان بفرض الحجاب على الفتيات، تمثلت أخطرها فيما حصل لتلميذة في محافظة الموصل، وأدى الى وفاتها. 

ورغم تعدد ملابسات القضية واسباب الوفاة، فقد أكد ناشطون من داخل المحافظة وجود هذه الظاهرة بشكل عام في المدارس ومعاناة الأهالي منها، ونبّهوا إلى ضرورة مواجهة هذه السلوكيات والقضاء على مفاهيم التطرف المختلفة.

ويعلّق المعلم في إحدى مدارس المحافظة، محمد عبد الله، على الأمر فيقول لـ"طريق الشعب": "أنا كمعلم خدمت في أكثر من سبع مدارس ابتدائية بين محافظتي بغداد ونينوى، وشاهدت لأكثر من مرة حالات عقوبة بدنية أو نفسية لتلميذات لا يرتدين الحجاب، وعندما كنت احاجج المعلمة أو مديرة المدرسة بشأن هذا التصرف الترهيبي، وطبيعته غير المعتمدة على اي نص قانوني، كنت أجابه بالصمت، بسبب افتقادهم حجة مقنعة". 

وبيّن المعلم، أنّ هذا السوك "نابع من عقد وتناقضات نفسية ممزوجة بالتشجيع على هذه الحالات من قبل جهات متطرفة نافذة، تعمل على فرض سلوكيات وقوالب اجتماعية ثابتة، لغرض الكسب السياسي وتثبيت نفسها في السلطة، عبر خلق بيئة اجتماعية تؤيد ما تقوم به".

ويدعو المعلم الجهات المعنية ووزارة التربية إلى "إحالة كل من يقوم بهذه التصرفات إلى التحقيق ليكون عبرة للآخرين، فهؤلاء الأنفار لا يفقهون سلوك التعليم الايجابي ولا يحترمون خصوصيات الآخرين، خاصة وان فرض الحجاب على الفتيات أمر غير مقبول قانونيا وشرعيا كونهن فتيات صغيرات". 

ولا يتمنى المعلم عبد الله، أن يجري شمول جميع الكوادر التعليمية بهذا النفس الثيوقراطي "انما هذه تصرفات شاذة، ولا علاقة لها بمهنتنا المقدسة".

اجراءات غير تربوية

أما القضية الثانية، فتمثلت في دعوة إدارة إعدادية النصر في بغداد لعوائل الطالبات للحضور إلى المدرسة، لإبلاغهم بعدم ارتداء بناتهم الحجاب. 

وخاطبت إدارة المدرسة في تبليغها، الذي طالعته "طريق الشعب"، أولياء أمور الفتيات، بالقول ان "بعض طالبات المدرسة خلعن الحجاب ويحضرن إلى الدوام بدونه ضمن صفوف الرابع والخامس والسادس الإعدادي، وتخلي المدرسة مسؤوليتها من هذا الأمر اذا ما تم تصوير الفتيات وهن في الخارج"، مضيفة "نطلب من حضراتكم الحضور للمدرسة وإعلامنا بأن بناتكم غير محجبات وكتابة تعهد حول ذلك". لكنها أردفت كلامها بأن "مدينة الشعلة، مدينة الشهداء والمواكب، لا ترضى بهذه الظاهرة غير المقبولة، والمدرسة لا ترضى أن تحضر الطالبات بدون حجاب".

ودان ناشطون ومعنيون بالشأن التربوي هذا السلوك، معتبرين اياه سلوكاً منافياً للقيم التربوية، ومخالفاً لأخلاق المهنة والقوانين العراقية. 

ووصفت الطالبة هدى ياسين القضية بأنها من "الأمور المسكوت عنها"، معتبرة ما حصل خلال الأيام الماضية، "أمراً جيداً لأنه سلّط الضوء على الانتهاكات الذي تتعرض له الفتيات في المدارس".

وأوضحت ياسين لـ"طريق الشعب": "كنت قبل سنوات طالبة في مدرسة تل الزعتر في ديالى، وتعرضت مراراً للترهيب بسبب هذا الموضوع، حيث كانت تفرض المدرسة علينا الحجاب، رغم أني لا ارتديه كبقية أخواتي وارتديته لاحقا لقناعتي الشخصية، وليس بسبب التخويف والإجبار الذي يمارس بكثرة داخل المدارس للأسف الشديد". 

وزادت ياسين "كانت بعض المّدرسات ينتمين لجهات متنفذة، ويعملن على فرض الحجاب كأمر حزبي أو توجيه يجب تنفيذه، وهذا ما نسمعه بين الحين والآخر، وهو أمر له صبغة سياسية، حيث أن الحجاب في المدارس يجب أن يكون جزءا من الحرية الشخصية والخيار الشخصي الذي لا علاقة للآخرين به".

من جهته، أكد التدريسي في إحدى مدارس بغداد، عقيل علي، أن الكوادر التدريسية "تحرص دائما على ايصال المعلومة إلى الطالب وتوجيهه اذا ما مارس سلوكاً غير مقبول، ولا تتدخل بخصوصيات الطلبة وعائلاتهم. إن ما يحصل بشأن الحجاب هو ممارسات فردية من بعض المتطرفين، يدينه أغلب المدرسين والمعلمين". 

وأكد أن "وزارة التربية لطالما حذرت من هذا الأمر وتوعدت الذين يقومون بهذه الممارسات بالعقوبات والتحقيق لكن أحيانا تحصل في مدارس بعيدة ولا يمكن منعها بشكل قاطع والأسباب معلومة جيدا".

تسييس القضية

وفي هذا الصدد، تقول الباحثة الاجتماعية زينب خلف إن "هناك تدريسيين لديهم انتماءات سياسية أو اجتماعية متطرفة، وينعكس الأمر داخل المدارس ليشوه الجهد الجبار الذي تبذله إدارات المدارس لتعليم الطلبة والتلاميذ وتربيتهم".

وتشير خلف أثناء حديثها لـ"طريق الشعب"، إلى أن "وزارة التربية مطالبة بتكثيف جهودها واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق هؤلاء الذين يعتدون على الحريات الشخصية، خصوصا وأن الدستور العراقي والقوانين تكفل هذه الحرية وتصونها". 

وتبين الباحثة أن "الحكومة والبرلمان في مرات عدة، وعلى لسان اعضائها، أكدوا أن فرض الحجاب أو أية قضايا شخصية هو أمر ممنوع ويخالف الدستور، لذلك أرى أن الكثير من هذه السلوكيات تقف وراءها رغبات سياسية".

عرض مقالات: