اخر الاخبار

بعد إعلان مجلس الوزراء عن البدء بتسليم قطع أراض للمواطنين، ضمن أول وجبات حملة “داري”، التي أطلقها قبل ستة أشهر لحل أزمة السكن، عاد الحديث مجددا عن مدى قدرة هذه الحملة على حل أزمة السكن العميقة، خاصة وهي تتعلق بـ 186 ألف قطعة أرض مقابل الحاجة الى ملايين الوحدات السكنية، واستحقاق ملايين المواطنين الذين لم يشملوا بذلك.

وأثيرت تساؤلات كبيرة حول ما إذا كانت هذه الأراضي الموزعة مشمولة بالخدمات الأساسية، أو ان هناك خطة لشمولها بهذه الخدمات في القريب العاجل، وهل انها ستصبح مدناً تسكن أم مجمعات مهجورة خارج المناطق الحضرية. 

توزيع أراض سكنية

ويشير بيان صدرعقب جلسة مجلس الوزراء، الى أن “حملة داري تتابع من قبل مكتب رئيس الوزراء ووزارة الإسكان والاعمار والبلديات وهيئة المستشارين”. ونقل البيان عن الكاظمي قوله “أنه تم تخصيص أكثر من نصف مليون قطعة أرض في عموم المحافظات، تقدم للأستفادة منها مايقارب ثلاثة ملايين مواطن، فتم فتح باب المنافسة عليها”. وأوضح البيان “ بعد ستة أشهر، جرى فرز الأراضي، ووضعت خطة لتقديم الخدمات لها، لتكون أرضاً مخدومة بالمجاري، وشبكة من الكهرباء، والإنترنت، والطرق المعبدة. وقبل أسبوعين، تم الإعلان عن تسليم مايقارب (85) ألف سند أولي للمواطنين، وبعدها بأسبوعين تم تسليم بحدود (101) ألف سند أولي للمواطنين، فصار المجموع بحدود (186) ألف قطعة أرض تم تسليمها للمواطنين”، مضيفاً “بقي أكثر من 300 ألف قطعة أرض، سيحصل جميع المتنافسين قريباً على سند لها، في تجربة مهمة حققت مبدأ العدالة والشفافية”.

الحاجة الفعلية 3.5 مليون وحدة سكنية!

من جهة مكملة، تشير الدراسات التي أعدّتها الأمم المتحدة، الى حاجة العراق الى 3.5 مليون وحدة سكنية، فيما يزداد هذا العدد سنويا نتيجة الارتفاع المستمر لعدد السكان في العراق والذي يصل نحو قرابة المليون في السنة الواحدة.

وفي هذا السياق، يقول المهندس المختص ببناء المدن، أحمد جبار، لـ”طريق الشعب”: “أن توزيع قطع الأراضي مهم جدًا لكنه لن يحل أزمة السكن بطريقة جوهرية. يجب أن تستمر المشاريع الوزارية الأخرى، حيث أن وزارة الاعمار لديها في كل محافظة مشروع سكني، بعضه من المشروعات المنخفضة الكلفة وبعضه من المشروعات الإستثمارية التي تستهدف أصحاب الدخول المتوسطة والعليا. أما الحملة الجديدة (داري) فتستهدف من هم تحت خط الفقر وذوي الدخول المنخفضة. لقد طالت أزمة السكن مختلف الشرائح وباتت تشكل أزمة حقيقية للمواطنين، لذا يجب أن تبقى كافة المشاريع مستمرة لشمول أكبر عدد ممكن من المواطنين، ناهيك عن ملاحظات جادة بشأن سياسة الدولة في هذا الجانب، حيث لم تكن هنالك دراسة شاملة تشكل منهاجاً تعتمده حكومة بعد أخرى، ولهذا فأن المخاوف كثيرة من مستقبل هذه الحملة التي يمكن أن تتوقف ببساطة مثل الكثير من المشاريع، خصوصا وأن الحكومة التي تبنت الحملة، باتت حكومة تصريف أعمال”.

وتابع المهندس قائلا لـ”طريق الشعب”: “نأمل أن تساعد الحملة على تخفيض أسعار العقارات التي تشهد غلاءً جنونيا. ففي البصرة التي تشهد فشلا خدميا كبيرا، تصل أسعار بعض العقارات في مركز المدينة إلى ربع او نصف مليون دولار، وكذلك الحال في محافظات عديدة، أما في بغداد فتصل أكثر بكثير وهي أغلى من عواصم دول مجاورة آمنة ومستقرة وفيها من الخدمات ما لا تمتلكه بغداد”، مستأنفاً حديثه بالقول “أفضّل أن يتم تحفيز وتنمية المدن الصغيرة في الأقضية والنواحي مما يساهم في التوجه نحو هذه المناطق والتخفيف من أزمة السكن وضمان بعض الخدمات الأساسية فيها التي لا تجعلها متفاوتة مع مراكز المدن التي تشهد ارتفاعا هائلا في الأسعار”.

حل أزمة صغيرة

أما الباحث في الشأن الاقتصادي، علي تويج، فأكد أن مبادرة داري تقلل هموم فئات معينة بحسب ما حددته الحكومة، لكن أزمة السكن باتت مشكلة حقيقية لمختلف شرائح وطبقات المجتمع باستثناء الفاسدين الذين يشترون ما طاب لهم بمبالغ خيالية، داعيا إلى أن تضع الحكومة خططاً وقوانين، تضمن الحد من ارتفاع أسعار المجمعات السكنية التي باتت مشاريع للربح الفاحش.

وأوضح تويج لـ”طريق الشعب”، أن “الجميع يتمنى انخفاض أسعار العقارات في بغداد وباقي المحافظات، ويدعمون أي إجراء حكومي يمكنه الحد من ارتفاع الأسعار، لذلك فالحاجة للسكن ليست خاصة بشريحة أو طبقة واحدة، بل باتت مشكلة عميقة للأغلبية. إضافة إلى ذلك، فأن توزيع الأراضي في حملة داري بمناطق بعيدة وغير مخدومة سيدفع المواطنين الى بيعها بأسعار بخسة، كما حصل مع موظفي النظام السابق، الذين تسلموا قطع أراض غير مخدومة، بقيت إلى اليوم منسية ولم تصبح بيوتا أو مجمعات سكنية. يجب أن توضع قضية الخدمات في أولوية التفاصيل، وبذلك سنضمن حل جزء من المشكلة وتخفيض أسعار مناطق سكنية في مراكز المدن”. ويضيف “أن الحكومات وعلى مدار 18 عاما لم تستطع رسم خطة تنموية للإسكان والتعمير سواء في المدن الرئيسة أو النائية ولم تستطع أيضا مناقشة ملفات الفساد بمجال الاستثمار في البناء أو في أي مجال آخر”.