تعد محافظة البصرة واحدة من أغنى مدن العالم نفطيا، وبرغم أن هذه الثروة تعتبر نعمة كبيرة للبلاد، إلا أنها أصبحت نقمة على سكان المحافظة، الذين يعانون من ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، وعلى رأسها السرطان.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن التلوث البيئي الناجم عن صناعة النفط، بالإضافة إلى المخلفات السامة من الحروب المتعاقبة، لعبت دورًا كبيرًا في زيادة نسب الأمراض الخطرة في المنطقة. وبالإضافة إلى الإشعاعات المتسربة من الأسلحة القديمة والمخلفات العسكرية، تشهد البصرة تدهورًا مستمرًا في نوعية الهواء والماء، ما يزيد من معاناة السكان المحليين.
وبرغم أن البصرة تُعد محركًا اقتصاديًا رئيسيًا للبلاد، إلا أن التحديات الصحية والبيئية التي يواجهها أهلها تحتم تدخلًا عاجلًا للحد من تأثيرات التلوث الصناعي وتفعيل الإجراءات الوقائية، بهدف حماية السكان وضمان حقهم في بيئة نظيفة وآمنة.
التلوث يتفاقم شتاءً
تقول وجدان المالكي، عضو مجلس محافظة البصرة، إن “التلوث البيئي في البصرة يشكل مشكلة كبيرة يعاني منها السكان المحليون”.
ويضيف المالكي لـ “طريق الشعب”، أن “التلوث الناتج عن حرق الغاز المصاحب لاستخراج المشتقات النفطية يؤدي إلى انبعاثات كربونية تلوث الجو”.
وتشير إلى أن “هذا التلوث يتفاقم مع سقوط الأمطار شتاء، حيث تتراكم السموم في التربة التي تصبح ملوثة وتؤثر على المزروعات والمياه”.
وتحذر من أن “هذه الأجواء الملوثة تؤدي إلى انتشار أمراض متعددة في البصرة، منها أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو، وأمراض العيون مثل الماء الأبيض، وأمراض أخرى كمرض السكري الذي تعتقد أنه مرتبط بضعف المناعة بسبب هذه الملوثات”، لافتة الى ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض السرطانية والفشل الكلوي، خصوصاً في المناطق الشمالية من البصرة حيث تتواجد شركات النفط ومعامل حرق النفايات.
وتؤشر المالكي غيابا ملحوظا للدعم الحكومي من اجل مكافحة هذه الملوثات، معربة عن أملها في أن تتمكن الشركات العاملة في حقول النفط في الرميلة من القضاء على الغاز المصاحب بحلول عام 2026.
وتتطرق المالكي إلى دور البصرة كممول أساسي لخزينة الدولة بسبب النفط، لكن بالمقابل لا ترى أية جهود حكومية لتقديم الرعاية الصحية أو بناء مؤسسات طبية تعالج الأمراض المتزايدة بسبب التلوث.
وتجد أن الشركات النفطية في شمال البصرة يفترض بها أن تبني مستشفى لمعالجة الأمراض، لكن المشروع لم يتقدم بسبب خلافات حول قطعة الأرض.
وتخلص المالكي التأكيد على الحاجة الملحة للقضاء على هذه الملوثات بأسرع وقت، مشددة على أن تأثيرات التلوث لن تقتصر على البصرة فقط، بل ستتراكم لتؤثر على البيئة العراقية بشكل عام لسنوات طويلة.
مخلفات الحروب
وفي ظل تزايد القلق بشأن تدهور البيئة في محافظة البصرة، يحذر الخبير البيئي في جامعة البصرة، الدكتور شكري الحسن، من أن المنطقة لم تعد آمنة للعيش بسبب التلوث المستشري الذي يهدد النظام البيئي.
ويقول الحسن، أن “الأنهار التي كانت تشكل أساس البيئة الصالحة للتنوع الأحيائي أصبحت الآن غير صالحة للاستخدام البشري، ما يزيد من معاناة السكان المحليين”.
وأشار الحسن في حديث لـ “طريق الشعب”، إلى أن “ملوحة التربة وانقراض الكائنات الحية أصبحا من الظواهر المقلقة في البصرة، ما يضع ضغوطاً إضافية على الحياة اليومية للسكان”، مشيرا الى أن “التلوث ما زال في تزايد فيما يستمر تدني مياه شط العرب بسبب صرف مياه الصرف الزراعي والمخلفات الصناعية والمياه الثقيلة، دون أي معالجة، الأمر الذي حوّل الشط إلى مكب يجمع كل أنواع الملوثات”.
وكشف الحسن عن أن مخلفات الحروب، التي أصبحت بمثابة “مقبرة كبيرة” لمخلفات الذخائر، تمثل مصدراً خطيراً لتلوث البيئة في البصرة.
وذكر أن “هذه الملوثات تسهم في زيادة نسبة الإشعاع في المناطق التي تتركز فيها، خاصة في قضاء شط العرب والمناطق الأخرى جنوب وشرقي المدينة”.
كما أشار إلى أن الألغام القديمة تتحول إلى معادن ثقيلة، مما يؤدي إلى تلوث التربة بشكل كبير. وتؤثر هذه العوامل سلباً على حياة السكان المحليين.
وعلى الرغم من هذا الوضع المأساوي، يبدي الحسن تفاؤلا بإمكانية القضاء على التلوث من خلال خطوات فعّالة مثل “إيقاف مصادر التلوث أو إنشاء محطات معالجة كبيرة ومتطورة”.
لكنه شدد على أن الإجراءات الحالية غير كافية، وأن هناك حاجة ماسة لتفعيل القوانين والتشريعات لحماية البيئة في البصرة.
في ختام حديثه، دعا الحسن جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني، للعمل معًا لإنقاذ بيئة البصرة، معتبرًا أن هذه الخطوات ليست ضرورية فقط لحماية الطبيعة، بل هي أيضًا لمصلحة السكان المحليين وضمان مستقبلهم الصحي.
ملوثات صناعية وزراعية
الناشط في مجال البيئة، علي قاسم يقول أن “محافظة البصرة تعد من المدن التي تحوي أنواعا عديدة من الملوثات”، وبين ان احد الأنواع هو تلوث المياه، بسبب المجاري والملوثات الصناعية والزراعية”.
ويضيف قاسم لـ “طريق الشعب”، أن “كمية المجاري التي ترمى في شط العرب تقدر وفق مراقبين، 7 متر مكعب في الثانية، وهو رقم خطر جداً”، مشيرا الى ان “مياه العديد من المناطق في البصرة ملوثة بمادة الكادميوم وملوثات بيئية أخرى مختلفة”.
ويشير الى ان اخطر الأنواع يتمثل بتلوث الهواء من حرق الغاز المصاحب لحرق النفط، موضحا ان “ذلك يؤثر بشكل مباشر على صحة المواطن”.
وكان وكيل الوزارة لشؤون الغاز عزت صابر إسماعيل، قال الشهر الجاري، ان معدلات مشاريع استثمار الغاز المصاحب سترتفع الى قرابة 70 بالمئة مع نهاية العام الحالي 2024.