اخر الاخبار

تعاني المحافظات الجنوبية في العراق، وبالأخص المناطق الزراعية منها، من أزمة مائية خانقة، حيث أدى الجفاف إلى تدمير الزراعة وفقدان مصادر الرزق، ما تسبب في تدهور الحياة اليومية، وتلوث المياه، وهجرة السكان.

هذه الأزمات تهدد الأمن الغذائي ومستقبل تلك المناطق بشكل خطر.

الجفاف يهدد الحياة

وأبدى الصياد عباس النوري، من إحدى قرى محافظة المثنى، قلقه البالغ إزاء تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة انخفاض مستويات المياه. وقال النوري لـ "طريق الشعب": "أصبحنا نواجه أوضاعًا مأساوية في الفترة الأخيرة، خصوصاً في الأيام الحالية. نحن نضطر لشراء الماء من السيارات الحوضية، وبسبب ذلك تدهور حالنا وتدمرت مصادر رزقنا. كما لم نعد قادرين على الصيد بسبب تدني مستوى المياه إلى حد أصبح من الصعب حتى السباحة فيها".

وأضاف النوري، "نعاني كثيراً في الأرياف. المياه أصبحت شبه ملوثة وغير صالحة للاستخدام. إن استمر هذا الحال لسنة أخرى، فإن الجفاف سيقضي علينا تماماً، حيث لن نجد ما نشربه أو ما نطعمه لماشيتنا".

ولفت إلى أن الفلاحين والمزارعين وصلوا إلى مرحلة اليأس وفقدان الأمل من الحلول التي تقدمها الحكومة، ما جعلهم يفقدون مصدر قوتهم، بالإضافة إلى فقدان الكثير من الأبقار والأغنام والماعز، نتيجة العطش وانتشار الأمراض الحيوانية.

الجفاف في ذي قار

في محافظة ذي قار، وثق الناشط البيئي سعد زامل، عبر الصور، الجفاف الحاصل في منطقة الإصلاح وسيد الدخيل.

واكد زامل ان هناك مناطق انعدم فيها الماء بشكل نهائي مثل قرية النواصر والدخالة والصفافعة.

وقال لـ "طريق الشعب" أن "المناطق التي تم ذكرها تعيش على مياه الصهاريج "الدناكر"، بينما تحاول بعض المناطق ان تتدبر عيشها من خلال الآبار المائية".

وتساءل عن دور الجهات الحكومية قائلاً: "نسمع بوجود مفاوضات بين العراق والبلدان المتشاطئة، ولكن لم نرَ نتائج ملموسة حتى الآن".

من جهة أخرى، اشتكى سجاد جارالله، من سكان منطقة السكك في ذي قار، من انقطاع المياه المتكرر بسبب رداءة محطات المياه وقدمها.

وأشار إلى وجود مناطق تعاني من شح المياه وتلوث ما هو متوفر منها، مثل الفهود والكرمة والفضلية.

وأوضح، أن "الكثير من المناطق تعتمد على المياه التي تصلهم عبر صهاريج المياه "الدناكر"، أو يقومون بشرائها من المحال التجارية، أو العودة لحفر الآبار التي تكلف العائلة نحو 100 ألف دينار كل 14 يوماً".

ميسان: أزمة حادة

وفي محافظة ميسان، قال المهندس الاستشاري ماجد الساعدي، مدير زراعة ميسان، إن "الجفاف أصبح أحد أكبر التحديات التي تواجه المحافظة في السنوات الأخيرة، خاصة في المناطق القريبة من الأهوار."

وأضاف الساعدي، أن "منطقتين رئيسيتين تضررتا بشدة هما جزيرة سيد أحمد الرفاعي ومنطقة البغيلات، حيث تمتد مساحة هذه المناطق لأكثر من 900 ألف دونم."

وأوضح، أن "الزراعة في هذه المناطق انعدمت بشكل كامل بعد أن كانت مزدهرة ومصدراً رئيسياً للإنتاج الزراعي في المحافظة". وأشار إلى أن "العديد من أهالي هذه المناطق اضطروا إلى الهجرة بسبب الجفاف".

المشاكل في الديوانية

وفي محافظة الديوانية، قال عضو لجنة الخدمات إياد الميالي إن "الديوانية تُعد من المحافظات الزراعية المهمة في العراق، حيث تشتهر بزراعة الحنطة والشعير، وكذلك محصول الشلب، خاصةً أصناف العنبر والياسمين."

وأكد الميالي أن المحافظة تحتاج إلى "كميات كبيرة من المياه خلال موسم الصيف لزراعة الشلب، وكميات أكبر لزراعة المحاصيل الشتوية مثل الحنطة والشعير."

وأشار الميالي إلى أن "العديد من المساحات الزراعية في المحافظة تعرضت للجفاف والتصحر بسبب شح المياه، ما أدى إلى جفاف العديد من الأنهار وخروجها من الخدمة، خصوصاً في المناطق النائية."

وأضاف أن "نهر الفرات غير كافٍ لري المساحات الزراعية الشاسعة في المحافظة، بينما تزداد نسبة الملوحة في نهر شط العطشان، ولا تستفيد منه إلا ناحية الشنافية."

تحذيرات الخبراء

وتحدث الخبير المائي والزراعي تحسين الموسوي عن التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في ملف المياه، مشيرًا إلى أن "الوضع يزداد تعقيدًا مع مرور الوقت."

وأوضح الموسوي لـ "طريق الشعب"، أن "العراق يعتمد بشكل كبير على المياه القادمة من دول المنبع مثل تركيا وسوريا وإيران، وأي تراجع في المفاوضات مع هذه الدول ينعكس سلبًا على العراق بشكل مباشر."

ولفت إلى أن "الوضع الحالي لا يشهد أي تطور إيجابي في هذه المفاوضات، بل على العكس، هناك تراجع مستمر نتيجة زيادة الطلب العالمي على المياه في ظل انخفاض العرض."

وأضاف الموسوي أن "الجفاف الشديد في السنوات الأخيرة كانت له آثار مدمرة على البيئة والزراعة، ما تسبب في هجرة السكان ونفوق أعداد كبيرة من المواشي، وتدهور التنوع البيولوجي، ما يهدد النظام البيئي في البلاد."

واعتبر أن "المناطق الأكثر تضررًا تشمل جنوب بغداد، البصرة، ميسان، ذي قار، الديوانية، وبعض المناطق في أعالي بغداد." ووصف الوضع بـ "الموت التدريجي" نتيجة فقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وازدياد التصحر، وتفاقم مشكلة التلوث.

وانتقد الموسوي السياسات المائية الحالية في العراق، واصفاً إياها بالقديمة وغير الفعالة. وأكد أن "العراق يفتقر إلى ثقافة الحفاظ على المياه وتطبيق تقنيات حديثة مثل الري بالرش والتنقيط، وتغيب عنه برامج إعادة تدوير المياه مثل مياه الصرف الصحي."

وأضاف أن "تحلية مياه البحر قد تكون جزءًا من الحل لمشكلة نقص المياه في العراق، لكنها تتطلب استراتيجيات وسياسات متكاملة لتطبيقها بشكل فعّال."

وحذر الموسوي من أن "العراق يواجه تهديدًا خطيرًا على مستوى الأمن القومي والأمن الغذائي نتيجة نقص المياه"، مشددًا على أن "البلاد دخلت مرحلة "الإجهاد المائي" وفقًا لتصنيفات دولية، حيث يستهلك العراق كميات من المياه تفوق الموارد المتاحة." وأعرب عن أسفه لأن صناع القرار لم يعوا حجم الخطر الذي يواجه البلاد، داعياً إلى ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بدءاً من المواطنين وصولاً إلى أعلى مستويات السلطة، لمعالجة هذا الملف الحيوي الذي يتعلق بحياة ومستقبل العراق.

سياسات تركيا وإيران تهدد العراق

بدوره، حذر عضو لجنة المياه والزراعة والاهوار النيابية، ثائر مخيف، من مخاطر جسيمة تهدد مستقبل العراق المائي نتيجة تصرفات دولتي تركيا وإيران، مشيراً إلى أن هاتين الدولتين لم تحترما القوانين الدولية المتعلقة بالأنهار المشتركة، ولم تحترما سيادة العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم.

وقال مخيف، إن "تركيا وإيران قامتا ببناء سدود عديدة على الأنهار المشتركة، ما يعرض مستقبل العراق المائي للخطر في حال لم يتم التوصل إلى حوار جاد لتنظيم هذا الملف".

وأوضح، أن الحوار المطلوب يجب أن يكون "فنياً ووطنياً، بحيث يكون المحاور متمكناً فنياً ولديه حب للوطن، وألا يجامل على حساب مصلحة العراق".

وأشار إلى أن "الوضع المائي في العراق مقلق للغاية"، لافتاً إلى أن "الموسم الزراعي الماضي شهد إنتاجاً وافراً بواقع ستة ملايين طن من الحنطة بفضل الأمطار التي هطلت في وقتها المناسب، وليس بسبب توفر المياه الكافية من الأنهار".

وأكد مخيف، أن "العراق يعاني منذ زمن بعيد من غياب تنظيم مياه الأمطار وحصادها بشكل فعال، ما يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة منها".

واختتم مخيف تصريحه بالتأكيد على "ضرورة التحرك العاجل لحل أزمة المياه في العراق من خلال حوار جاد مع الدول المجاورة، وتنظيم الموارد المائية الداخلية بشكل أفضل".

عرض مقالات: