في أول ظهور له بعد الاتهامات التي لاحقته في قضية "سرقة القرن"، ظهر المتهم المكفل نور زهير، على شاشات التلفزيون ليعلن عن استعداده لخوض محاكمة علنية يكشف فيها كل الأسماء المتورطة.
في حديثه، وصف زهير الاتهامات بـ"الكذبة"، مشيرًا إلى أن ما يُعرف بسرقة القرن لا يتجاوز كونه محاولة للتأثير على الرأي العام من خلال حملات مبرمجة تقوم بها بعض وسائل الإعلام.
تتعلق هذه القضية باختلاس مبلغ ملياري ونصف المليار دولار من أموال الامانات الضريبة، وهو ما يعادل مليارات الدنانير العراقية. وقد أظهر تقرير مدققي الحسابات، الذي حصلت عليه وكالة أسوشيتد برس ونشرته صحيفة "الغارديان" لأول مرة، أن السرقة كانت مدبرة بعناية من قبل شبكة واسعة تشمل مسؤولين وموظفين في الخدمة المدنية ورجال أعمال لهم صلات قوية بفصائل سياسية مؤثرة في العراق.
لا معلومات إضافية
في ظل هذه الفضيحة، تواصل مراسل "طريق الشعب" مع هيئة النزاهة للحصول على بعض التفاصيل المتعلقة بالقضية، إلا أن الهيئة امتنعت عن التصريح، مكتفية بترك الأمر للقضاء العراقي ليأخذ مجراه. وفي هذا السياق، صنفت منظمة الشفافية الدولية العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة على مؤشرها لعام 2021 للحوكمة النظيفة، مما يعكس عمق توغل الفساد في مؤسسات الدولة وخارجها.
ورغم تعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني باتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد، إلا أن قلة من الناس يتوقعون محاسبة أي مسؤول كبير أو زعيم سياسي. في هذه الأثناء، يبقى السؤال قائمًا حول ما إذا كانت العدالة ستأخذ مجراها، أم أن المحسوبية والفساد المتجذرين سيظلان العائق الأكبر أمام تحقيق ذلك.
الإفلات من العقاب!
وأكد رئيس هيئة النزاهة الأسبق، موسى فرج، أن ما قاله نور زهير في لقائه على قناة الشرقية يثبت صحة ما كان قد أكده مراراً حول قضية "سرقة القرن"، مبينا أن هذه "السرقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل استمرار بيئة الفساد التي تعتمد على اختيار المسؤولين وفقاً للمحاصصة والولاء الحزبي، دون مراعاة الكفاءة والمهنية".
وأوضح أن "هؤلاء المسؤولون غالباً ما يفتقرون إلى القدرة على أداء مهامهم الوظيفية باستقلالية وحياد، بل يكونون أحياناً منخرطين في ممارسة الفساد لخدمة مصالحهم الشخصية أو لخدمة مصالح حزبية ضيقة".
وأضاف فرج في حديثه لـ"طريق الشعب" أن "تعيين الموظفين على أساس الولاء الحزبي دون النظر إلى الشروط المهنية، إلى جانب عجز المنظومة العقابية عن فرض قوانين فعالة وأدوات تنفيذها، يشكل بيئة خصبة للفساد والفاسدين"، داعيا الى "توسيع نطاق التحقيقات والمساءلة في سرقة أموال الأمانات الضريبة ليشمل كل من سهل أو تواطأ في ارتكابها".
وأشار إلى أن "نور زهير، كما ظهر في لقائه، لم يكن أكثر من مجرد "ساعي توصيل"، حيث كان يشتري صكوكاً أصولية جاهزة صادرة من جهات رسمية، ويقتصر دوره على مراجعة المصرف لصرفها واستلام مبالغها، دون أن يكون له علاقة مباشرة بمعاملة الحصول على تلك الصكوك".
وأضاف فرج أن "زهير يدعي أنه لم يرتكب سرقة لأموال الدولة بحجة أن الأموال كانت مستحقة للشركات الأجنبية. لكنه تجاهل حقيقة أن الأمانات الضريبية المسروقة قد تكون إما مسروقة من الحكومة دون أن تصل لمستحقيها من الشركات الأجنبية، أو أنها باتت من حق الحكومة بسبب مضي مدة خمس سنوات دون أن تُطالب بها الجهات ذات العلاقة".
وأكد فرج أن "اللقاء كشف عن ضعف الجهات الحكومية والتحقيقية وجهاز مكافحة غسيل الأموال في تتبع الأموال التي يدعي زهير دفعها للشركات ذات العلاقة عبر وسيط لم يُفصح عنه، مع عدم وجود متابعة من الجهات الرسمية لهذا الوسيط".
وختم فرج بالإشارة إلى أن "ما يثير التساؤل هو عدم توجيه أي شكوى ضد نور زهير من قبل الحكومة أو الشركات التي تعود لها الأمانات، وهو ما يزيد من احتمالية إفلاته من العقاب".
توسيع نطاق التحقيقات
وفي ذات السياق، يقول النائب محمد البلداوي إن الموضوع قد تجاوز مداه الطبيعي وأصبح محط اهتمام كبير، رغم أن هؤلاء الأشخاص يجب الا يُذكرون إلا في سجلات السجون والمحاكم. إذ استولوا على أموال الشعب في غفلة من الزمن.
وأضاف البلداوي لـ"طريق الشعب" ان "هؤلاء كانوا جزءًا من شبكة داخل الحكومة، وقد اتضح أن جميع المتورطين فيها هم لصوص ومبتزون ومرتشون".
أكد البلداوي أن "السرقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ أن ملفات الفساد ملأت رفوف هيئة النزاهة والمحاكم. ومع ذلك، فإن هيئة النزاهة اليوم تأخذ على عاتقها القصاص من هؤلاء"، مضيفًا: "نحن نؤمن أن هذا القضاء وهذه المؤسسات قادرة على المواجهة، بشرط أن يتم تقديم الدعم والإسناد لها من قبل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وكذلك الرئاسات الثلاث".
وشدد البلداوي على أن "هذا يتطلب أيضًا موقفًا من أبناء الشعب العراقي المخلصين". وفيما يتعلق بما صرح به نور زهير، والاعترافات التي وردت في كلامه، يشير إلى أنها "تؤكد بشكل واضح وصريح أن هذه الجريمة تمت بمساعدة مجموعة من الفاسدين، وبالتالي فإن مكان هؤلاء اليوم هو السجن".
وشدد النائب على "ضرورة توسيع نطاق التحقيقات للتأكد من صحة ما ورد في أقوال المتهم نور زهير، وللتعرف على جميع المتورطين في هذه الجريمة، أو الذين حاولوا التستر عليها"، موضحا انه "إذا تحقق ذلك، فستضاف قائمة جديدة من المتهمين إلى القضية. أما إذا لم يتحقق، فستُضاف تهمة جديدة إلى سجل المتهم، الذي ظهر في مقابلة تلفزيونية حاول من خلالها تخويف البعض وترهيبهم".
تهديد وابتزاز
وعلق الخبير القانوني أمير الدعمي على حديث المتهم بالقول ان "المقابلة تضمنت نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق باستخدام التهديد والابتزاز تجاه السياسيين من خلال التلميح بكشف الأسماء والحديث عن محاكمة علنية. أما النقطة الثانية، فكانت بمثابة تحدٍ واضح للقضاء، حيث أشار زهير إلى احتمال عدم إجراء المحاكمة، ملمحًا في الوقت نفسه إلى وجود جزء ثانٍ من اللقاء، مما يوحي بثقته بأن المحاكمة لن تتم أو أنه متأكد من البراءة".
وأضاف الدعمي لـ"طريق الشعب": "لقد ظهر نور زهير بمظهر القوي، ولم يكن ضعيفًا كما قد يتوقع البعض. ما طُرح في المقابلة لا يتماشى مع أحكام المادة 444 من قانون العقوبات العراقي، التي تتعلق بجرائم السرقة، والتي قد تصل عقوبتها إلى سبع سنوات، وفي الظروف المشددة قد تصل إلى عشر سنوات."
وتابع: "نحن الآن في انتظار موعد المحاكمة المقرر في 28 من الشهر الجاري، حيث وعد زهير بالحضور. أعتقد أن هذا اليوم قد يحمل في طياته مفاجآت، سواء في حال حضوره أو عدمه، وستكون هناك تطورات غير متوقعة".
فرصة ذهبية
المحلل السياسي محمد زنكنة يقول: "كل ما صدر عن نور زهير من حديث في لقاء متلفز ينطبق عليه المثل القائل (شر البلية ما يضحك)."
وأشار زنكنة في حديثه مع "طريق الشعب" إلى أن "نور زهير استغل فرصة ذهبية لاستخدام الأموال التي استولى عليها، سواء كانت قد استولى عليها أو قُدمت له على طبق من ذهب من قبل الدولة، لإجراء عملية قص المعدة."
وأضاف زنكنة أن "زهير أكد أن هذه الأموال التي حصل عليها ليست أموال الدولة، وهو ما يضع الدولة أمام مسؤولية كبيرة بشأن واجباتها تجاه الأموال العامة التي من المفترض أن تكون ملكًا للدولة، وبالتالي ملكًا للشعب."
وأوضح زنكنة أن "تصريحات زهير تضعف موقف أولئك الذين يهاجمون إقليم كردستان، إذ يتضح أنهم إما شركاء معه بشكل أو بآخر، أو يسعون للحصول على دعمه، أو حتى يطمحون فقط إلى نيل كلمة ترحيب منه. ومع ذلك، سرعان ما ينقلبون عليه بمجرد أن تتخذ الدولة موقفًا ضده."
اختتم زنكنة حديثه قائلاً: "كشفت تصريحات نور زهير عن زيف ادعاءات البعض بالمثالية والشرف وحماية حقوق الشعب وأمواله، بينما يعاني هذا الشعب المسكين من الضعف وقلة الحيلة".