يُصنف العراق من بين أكثر المناطق تأثراً بالاحتباس الحراري وأكثرها تلويثاً للهواء على مستوى العالم؛ حيث تواجه البلاد تدهوراً بيئياً مستمراً، انعكس بشكل واضح في حياة السكان وصحتهم.
وفي ظل هذا الوضع، تفتقر البلاد إلى سياسات بيئية جادة وفعالة لمواجهة هذه المشاكل، والى بنية تحتية، ما يفاقم من آثارها السلبية.
العراق الخامس عالميا
فاضل الغراوي، رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان ذكر في بيان له، أن “تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ارتفع من حوالي 278 جزءًا في المليون في عام 1750 بداية العصر الصناعي، إلى 427 جزءًا في المليون في عام 2024”.
وأضاف، ان “عام 2021 سجل انبعاثات في تركيز ثاني أوكسيد الكربون في العراق بنسبة 177.8 مليون طن، في حين شهدت السنوات الثلاث الماضية لغاية 2024 تسجيل 27.1 مليون طن، اي ان انبعاثات الغاز زادت سبعة اضعاف. وتزيد الان سنويا بنسبة 4.88 في المائة”.
وفي حديث للغراوي مع “طريق الشعب”، قال إن “العراق جاء في المرتبة الخامسة في أكثر الدول تلوثا بانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون ومؤشرات الاحتباس الحراري، في حين تأتي العاصمة بغداد في المرتبة 13 لأكثر المدن تلوثا بانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون”.
وأرجع الغراوي أسباب ارتفاع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العراق، الى مخلفات النفط والكهرباء والنقل، حيث تحتل الغازات المصاحبة لحقول النفط المرتبة الأولى بنسبة 450 في المائة.
وعزز الغراوي حديثه بتقرير لوكالة ناسا، جاء فيه أن “غالبية الانبعاثات تأتي من الصين والولايات المتحدة وجنوب آسيا”.
وطالب الغراوي الحكومة والجهات المعنية بإطلاق المبادرة الوطنية للغابات، وإلزام المحافظات بزراعة الطوق الأخضر ومصدات الرياح، داعيا إلى الاستثمار في المناطق الصحراوية، ووضع سياسات بيئية ومناخية لتقليل نسبة انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون.
ويعد المصدر الرئيس لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون هو حرق الوقود، لكن في العراق يعد الغاز الناتج من عملية انتاج النفط مصدراً آخر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وبحسب وكالة الطاقة الدولية IEA ينتج العراق في السنة 17 مليار متر من الغاز المصاحب، والذي يعتبر مصدراً لتلوث الهواء في المدن المنتجة للنفط.
غياب السياسات البيئية!
وألقى خالد الجابري، رئيس مؤسسة أصول للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، الضوء على الوضع البيئي في العراق، وخاصة في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري.
وأكد الجابري، أنّ “العراق يعد من الدول المتضررة من التغيرات المناخية، وليس المسببة لها”، مشيرا الى أن البلاد تولد أقل من 1 في المائة من الغازات الدفيئة حول مستوى العالم.
ولفت خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى أن “منطقة البصرة شهدت سابقًا ارتفاعًا في مستويات الغازات الدفيئة، نتيجة لحرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط، إلا أن الحكومة عملت على معالجة هذه المشكلة”، وفقا له.
وأضاف الجابري، أن “العراق لا يمتلك البنية التحتية الصناعية الكبيرة التي تسهم في انبعاثات الغازات الدفيئة، كما هو الحال في الدول الصناعية الكبرى”، موضحا أن “العراق ملتزم باتفاقية باريس للمناخ، حيث تم تصديق القانون رقم 31 لعام 2020، والذي يتضمن التزامات تجاه البيئة”.
وأشار إلى أن “تطبيق هذه الالتزامات بشكل كامل يتطلب بنية تحتية قوية وتفاصيل فنية معقدة، والتي يعمل العراق على تحقيقها تدريجيًا”.
وتطرق إلى مشكلة إزالة الأشجار في بغداد ومدن أخرى، مشيرًا إلى أن هذا الأمر “ساهم في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري”، وأوضح أن “نسبة الغطاء النباتي في العراق منخفضة جدًا، ما أدى إلى تقليص المساحات الظلية التي تساعد في تخفيف درجات الحرارة.
وشدد على ضرورة زيادة المساحات الخضراء وزراعة الأشجار، حيث تساهم بشكل كبير في تلطيف الأجواء وتقليل الحرارة داخل المدن.
كما تحدث الجابري عن التخطيط العمراني في المدن، مبينا أن “عدم التنظيم الجيد للمباني والتوسع العمراني غير المخطط له قد أدى إلى زيادة الحرارة داخل المدن، وهو ما يعرف بظاهرة “جزيرة الحرارة الحضرية”. مشددا على أهمية إعادة النظر في التصميمات العمرانية وزيادة المساحات الخضراء لتحسين البيئة المعيشية وتخفيف آثار التغير المناخي.
وفي ختام حديثه، دعا الجابري إلى ضرورة تبني سياسات بيئية صارمة والعمل على تعزيز الغطاء النباتي في مختلف مناطق العراق كخطوة أساسية نحو التخفيف من آثار الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، مشددًا على أهمية تضافر الجهود لتحقيق هذا الهدف.
مشاريع للطاقة النظيفة
وتحدث مدير بيئة الأنبار قيس ناجح عن الجهود التي تبذلها مديرية البيئة في المحافظة، لتعزيز استخدام الطاقة النظيفة ومحاولة خفض مستوى انبعاثات الكاربون، مشيرا إلى أن “أحد أدوار المديرية هو تشجيع استخدام الطاقة المتجددة كبديل للطاقة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وذلك بهدف تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون”.
وأوضح ناجح لـ “طريق الشعب”، أن “المديرية تعمل على منح الموافقات البيئية للمشاريع التي تعتمد على الطاقة الشمسية”. وذكر أنه “تم منح موافقة بيئية لمشروعين لإنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الخلايا الشمسية في قضاء الرمادي، بطاقة إجمالية تبلغ 350 ميغاوات. بالإضافة إلى ذلك، تم منح الموافقة لإنشاء معمل لإنتاج الألواح الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 750 ألف لوح سنويًا في قضاء الرمادي. هذه المبادرات تأتي ضمن جهود المحافظة لتعزيز الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”.