في ثمانينات القرن الماضي، كانت وسائل النقل العام مثل مصلحة نقل الركاب شائعة وفعّالة في تيسير التنقل داخل المدن. ولكن، مع مرور الوقت، شهدت هذه الوسائل إهمالاً متزايداً، ما ساهم في تفاقم مشكلة الازدحام المروري الذي تعاني منه معظم محافظات العراق اليوم، بالإضافة الى مشاكل بيئية واقتصادية.
تتجلى الأزمة بشكل خاص في مراكز المدن، حيث يزداد الازدحام بسبب الاعتماد المكثف على السيارات الخاصة وقلة وجود وسائل النقل العام.
في عام 1938، أسست الدولة العراقية، مصلحة نقل الركاب وتم ربطها بأمانة بغداد، واستوردت لها باصات نقل، وبسبب ارتباطها بأمانة بغداد كان العراقيون يطلقون على هذه الباصات اسم “الأمانة”، وكذلك سميت بالمصلحة بعد أن تحوّلت إلى مصلحة لنقل الركاب، بعيداً عن الأمانة. وعندما تحوّلت إلى منشأة، أصبح الناس يطلقون على الباصات اسم المنشأة، وجميع هذه التسميات ما تزال دارجة حتى الآن.
خطة الوزارة
وعزمت وزارة النقل تفعيل نظام النقل الجماعي في البلاد، وستكون محافظة نينوى المحطة الأولى، تليها بقية المحافظات تباعاً.
وقال مدير الإعلام والاتصال الحكومي ميثم الصافي، أن "الوزارة تعتزم تفعيل النقل الجماعي، وهو أحد مشاريع وزارة النقل التي تم إطلاقها بالتزامن مع خطة الحكومة لفك الزخم المروري في بغداد"، لافتا الى ان هذا المشروع تواجد في بغداد فترة الستينات والسبعينات، ثم تراجع نسبيا في فترة نهاية الثمانينات وكان شبه معدما في فترة التسعينات".
وتابع الصافي حديثه لـ "طريق الشعب"، انه "ما بعد عام 2003، كان المشروع ضمن خطط الوزارات وكذلك الحكومات المتعاقبة، الا ان التحديات أمام تطبيق هذا المشروع، وقفت عائقاً امام تنفيذ المشروع"، مؤكدا ان "الحكومة الحالية تعمل على تفعيل مشروع النقل الجماعي، حيث تم افتتاح 34 خطًا في بغداد من أصل 72 ضمن الخطة الموضوعة، ويأتي المشروع على حزمتين؛ الأولى انتهت الثانية ابتدأت قبل فترة".
فيما يخص المحافظات، قال: "كانت هناك جولة لوزير النقل بشأن تفعيل خطوط النقل الجماعي في المحافظات. وان أبرز المحافظات التي تم الاتفاق على تفعيل النقل الجماعي فيها هي المثنى وذي قار ونينوى وصلاح الدين وكركوك النجف والبصرة"، موضحاً ان هذا المشروع يعتبر مهما ويسهم في فك الزخم المروري ويعتبر وسيلة نقل مناسبة للمواطنين من ذوي الدخل المحدود. كذلك يخفف من آثار التلوث البيئي سواء في بغداد أو المحافظات".
وبيّن ان هناك اكثر من 600 باص بطابق واحد وطابقين لدى الشركة العامة للمسافرين والوفود، حيث تسعى الشركة لتشغيل هذه الباصات في كافة أنحاء العراق. وضمن الخطة الموضوعة، افتتح الوزير عددا من خطوط النقل الجماعي في عدد من الجامعات والكليات. وتعمل الوزارة حالياً على التواصل مع عدد من الجامعات الأخرى لشمول طلبتها بخدمة النقل العام.
وبين الصافي أن "خطة الـ ٧٢ خطا تشمل جميع مناطق العاصمة بغداد، ففي حال افتتاحها جميعا لن تكون هناك حاجة لاستخدام وسيلة نقل أخرى داخل بغداد.
واشار الى ان الوزارة فاتحت ايضا عددا من المؤسسات الحكومية والاهلية لتزويدهم بعدد من الباصات وحافلات النقل لموظفيها بهدف تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة والمساهمة في تخفيض الزخم المروري في بغداد".
وأضاف، ان "هذا المشروع هو جزء من مشروع أكبر يسمى "مشروع النقل الجماعي"، والذي يشمل أيضًا مترو بغداد، وهو أحد المشاريع المهمة التي تقع تحت مسؤولية أمانة بغداد، مع إمكانية مشاركة وزارة النقل كجهة قطاعية فنية في هذا المشروع. بالإضافة إلى ذلك، هناك مبادرات أخرى مثل مشروع التكسي النهري، وإعادة تفعيل الخطوط السككية القديمة سواء في بغداد أو المحافظات الأخرى.
التأثير الاقتصادي
يقول الخبير الاقتصادي همام الشماع: أن "غياب النقل العام أدى ويؤدي إلى هدر كبير في الاقتصاد العراقي. هذا واضح من خلال العدد الكبير من السيارات التي تستهلك وتستنزف الوقود، ما يكلف الدولة والمواطنين مئات الملايين يوميا".
وأضاف الشماع لـ "طريق الشعب"، أن "النقل العام في العراق كان موجودًا منذ الخمسينات بشكل متطور ومتمكن، مما كان يُعد مصدر فخر للركاب والخطوط الأهلية الخاصة. كانت هناك أيضًا مشاريع للنقل النهري، ولكن جميع هذه الأنظمة اندثرت مع اندثار الحكومات الوطنية المتتابعة في العراق."
وأشار إلى أن "العراق يعيش حاليًا في ظل نظام حكم يسمى ديمقراطيا، إلا أنه لا يخدم بأي شكل من الأشكال المصلحة العامة بل يعترض على تطوير الاقتصاد ويهدر موارد العراق لصالح الجيوب الخاصة".
كما أوضح الشماع أن "الاختناقات المرورية، التي يُنفق عليها مليارات الدنانير لمحاولة حلها، تُعد نوعًا آخر من أنواع الهدر في الموارد الاقتصادية. ولولا غياب النقل العام لما ازدادت أعداد السيارات الخاصة بهذه الكثرة".
وختم الشماع حديثهُ بالقول: ان "غياب النقل العام في العراق له تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد ويعطل الكثير من الأعمال والنشاطات الاقتصادية. من الضروري إعادة النظر في سياسات النقل العام وتطويرها لخدمة المصلحة العامة وتقليل الهدر الاقتصادي."
وتعد وسائل النقل في العراق احد الملوثات الكبيرة للبيئة، تأتي بعد ملوثات النفط من ناحية التلوث الهوائي، فضلا عن الضوضاء وما تسببه من تلوث سمعي، وحتى البصري بالنسبة للمركبات الصغيرة التي باتت تنتشر في شوارع بغداد منها (التكتوك والستوتة).
تحسين النقل العام
ومن المعروف أن استخدام السيارات يؤثر سلبًا على البيئة بسبب الانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها. هذه الغازات تسهم بشكل كبير في ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى تغيرات مناخية تهدد البشرية. ومع تزايد أعداد السيارات في جميع الدول، تتزايد كمية هذه الغازات التي تؤثر سلبًا على البيئة، يقول گشبين إدريس علي، رئيس منظمة هسار البيئية.
ويضيف علي لـ "طريق الشعب"، أن "الجهود العالمية تركز على الانتقال إلى السيارات الكهربائية أو السيارات الصديقة للبيئة كنهج مستدام"، ومن هنا، يتوقع بأن تنفيذ هذا المشروع سيكون ناجحًا. ومع ذلك، يشير إلى أن العراق يواجه تحديات كبيرة في هذا المجال، حيث ما زال متأخرًا عن الدول الأخرى.
ويصف علي الوضع الحالي بأنه "كارثي"، ويؤكد أن أحد أهم الخطوات التي يجب اتخاذها هو "تحسين نظام النقل العام. حاليًا، يعاني العراق من نقص في وسائل النقل العام، مما يدفع كل أسرة لامتلاك سيارة خاصة لقضاء الأنشطة اليومية. وهذا بدوره يزيد من الضغط على مدننا".
ويؤكد، أن "الخطوة الأولى يجب أن تكون تحسين نظام النقل العام، ثم التفكير في كيفية استخدام السيارات الصديقة للبيئة في العراق"، مشددا على أن "الحلول يجب أن تكون مصممة بشكل استراتيجي من قبل الحكومة وبمشاركة القطاع الخاص والمنظمات المحلية".
ويشير علي إلى أن "تحسين النقل العام يعد خطوة أساسية، تليها مرحلة التفكير في السيارات الصديقة للبيئة. كما يوضح أن هذه الجهود يجب أن تكون مدعومة بالتشريعات التي تساند هذه الاستراتيجية، بالإضافة إلى زيادة الوعي لدى الناس لمساعدتهم على المساهمة في هذه المبادرة".
ويطالب علي بتضافر الجهود بين الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات المحلية لتحقيق هذه الأهداف البيئية الهامة. حيث يرى أن التعاون بين هذه الأطراف هو المفتاح لتحقيق التغيير الإيجابي المطلوب لمستقبل بيئي أفضل للعراق.