يفتقد الكثير من الأطفال العراقيين حقهم الأساسي في الترفيه، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو في خارجها، حيث يعانون من نقص كبير في البنية التحتية التي تدعم الأنشطة الترفيهية، ما يحرمهم من التمتع بطفولتهم بشكل صحي.
ففي المدارس، تغيب المسارح ودروس الرياضة، ما يحول يومهم الدراسي إلى ساعات طويلة من التعليم النظري الممل بالنسبة لهم، من دون أي فُرص للترويح عن النفس أو التعبير عن إبداعاتهم. بينما لا يجدون خارج أسوار تلك المدارس الكئيبة، أماكنَ مخصصة للعب أو نشاطات ترفيهية، تلبي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية. هذا النقص في الترفيه ينعكس سلباً على نموهم وتطورهم، ويضع العراقيل أمام بناء جيل متوازن ومبدع.
دعوة لتوفير بيئات مشجعة
علي حاكم، مؤسس المدرسة الحرة وهو ناشط في مجال التعليم، يؤكد الأهمية البالغة لمرحلة الطفولة في حياة الإنسان، حيث تتشكل فيها غالبية قدرات الطفل على الإبداع والاكتشاف، وفقاً لقوله، إلى جانب بناء سلوكه وشخصيته.
يقول حاكم في حديث مع مراسل “طريق الشعب”، أن “المجتمع بشكل عام يركز بشكل مفرط على التعليم والتحصيل الدراسي خلال هذه المرحلة، ما يؤدي إلى إهمال الأنشطة الترفيهية والإبداعية الضرورية لتطوير شخصية الطفل”.
ويضيف حاكم، أن “المؤسسات التعليمية الحكومية أصبحت تقتصر على التعليم الأكاديمي فقط، ما يجعل الطالب ينفر منها بسبب الروتين والواجبات المنزلية”، مشيرا الى ان “الأنشطة الترفيهية مثل المسرح، ودروس الرياضة والفنون، والأنشطة اللامنهجية تشهد تراجعاً ملحوظاً، ما يؤثر سلباً على تطور الأطفال بشكل متوازن”.
ويشدد على ضرورة دمج الفن في المسيرة التعليمية لتحقيق توازن بين التعليم الأكاديمي وتطوير شخصية الطفل، معتبرا “هذا التكامل يمكن أن يسهم في بناء جيل قادر على الابتكار والتفاعل الإيجابي مع محيطه”.
ويدعو حاكم المؤسسات التعليمية إلى توفير بيئات مشجعة على الإبداع من خلال تعزيز الأنشطة الفنية والثقافية والترفيهية، مشيرا الى أن “القطاع الخاص يجب أن يلعب دوراً مهماً في تقديم مشاريع تعليمية وترفيهية غير رسمية تكون ممتعة للأطفال؛ اذ أن الكثير من الأساليب التعليمية الناجحة في الدول المتقدمة تعتمد على الربط بين اللعب والترفيه والتعليم، ما يجعل المدارس مكاناً جذاباً للأطفال”.
ويشير الى، أن “بعض الدول تعمل على تحويل المدارس إلى مراكز ترفيهية خلال العطلة الصيفية، ما يعزز رغبة الأطفال في الذهاب إلى المدرسة حتى في أوقات الإجازة، حيث إن مثل هذه المبادرات تسهم في بناء علاقة إيجابية بين الطفل والمؤسسة التعليمية، ما ينعكس إيجاباً على تحصيله الدراسي وتطوره الشخصي”.
وفي سياق حديثه عن التجارب الدولية، يذكر حاكم أن العديد من الدول الخليجية والعربية والأجنبية تشارك في بطولات عالمية وفعاليات تستهدف فئة الأطفال، بينما تقل هذه المشاركات في العراق، مؤكدا الحاجة الماسة لتطوير برامج وطنية تعنى بالطفولة في العراق، تنطلق من المؤسسات الحكومية وتنتقل إلى القطاع الخاص لتعزيز الأنشطة الترفيهية واللامنهجية.
ويختتم حاكم بالتأكيد على أن بناء طفولة صحيحة يتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، لتوفير بيئات تعليمية ترفيهية تسهم في تنمية قدرات الأطفال وصقل شخصياتهم بشكل متوازن ومستدام.
الترفيه.. طريقة سليمة للنمو
الأكاديمي حيدر ناصر، يقول لـ”طريق الشعب”، أن “الترفيه يُعد الطريقة الأمثل التي تساعد على تطور الطفل ونموه السليم، بالإضافة إلى تكوين شخصيته المتميزة والتعبير عن ذاته واكتشاف مواهبه ومهاراته.
ويضيف، ان “الترفيه يُمكّن الطفل من اكتشاف الجديد من حوله، وزيادة خبراته وإدراكه وقدراته الجسدية والحركية والاجتماعية، مما يجعله مستمتعاً بالحياة ومستعداً ليكون منتجاً”، مبينا أن “الترفيه يتضمن أنشطة عديدة، فردية وجماعية، تساعد الفرد على التخلص من الطاقة السلبية والتوترات، وتوجهها نحو أنشطة إيجابية تلبي احتياجاته وتشعره بالرضا والراحة النفسية، مما يعينه على إنجاز مسئولياته وزيادة إنتاجيته. اذ أن الترفيه يسهم في تجديد الهمة والقضاء على الملل والفراغ”.
ويوضح ناصر، أن الأنشطة الترفيهية المدرسية تساعد التلاميذ على استخدام إبداعاتهم وتطوير خيالهم وبراعتهم وقوتهم البدنية والمعرفية من خلال اللعب والمشاركة مع أصدقائهم، منبها الى ان هذه الأنشطة تسمح للتلاميذ باستكشاف عالم يمكنهم إتقانه والتغلب على مخاوفهم.
وينوه بأهمية البرامج الترفيهية التي تطبقها بعض المدارس وتأثيرها الإيجابي في نمو الطلاب نمواً متزناً متكاملاً.
ويُعرب ناصر عن قلقه من غياب الأنشطة الترفيهية بالمؤسسات التربوية، خاصة في ظل ما يشهده الوسط التربوي من كوارث وارتفاع في نسبة تعاطي المخدرات، مشيرا الى ان تراجع التعليم في العراق لا يعود فقط إلى الأساليب التقليدية السائدة منذ سنوات طويلة، بل يتأثر أيضاً بغياب وسائل الإيضاح مثل شاشات العرض والمختبرات وغيرها.
ويقول ناصر، ان تنوع أشكال الترفيه، مثل الصيد، الرسوم المتحركة، السينما والمسرح، الكوميديا، الرسوم الهزلية، الرقص والموسيقى، القراءة، والألعاب، يشكل أهمية بالغة في تكوين شخصية الفرد، مضيفا انها وسائل غير مكلفة، لكنها تترك أثرا كبيرا في نفوسهم.
ويواصل ناصر إحصاء فوائد الأنشطة الترفيهية للأطفال، مبينا انها مهمة في بناء الوحدة الأسرية، الحفاظ على صحة الجسم، استخدام الحواس الخمسة، زيادة الوعي الذاتي، تقدير البيئة، وتحسين العلاقات.
وعي الكوادر التربوية؟
سارة جاسم، ناشطة اجتماعية، تقول أن “هذه الأنشطة المختلفة تلعب دوراً أساسياً في صقل شخصية الطالب وتعزيز مداركه بطرق غير تقليدية، وهو ما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من التعليم الفعال”.
وتعبر سارة في حديث مع “طريق الشعب”، عن أسفها بسبب الاستغلال غير المثمر لمادتي التربية الفنية والرياضية في المدارس: “تستبدل هاتان المادتان عادةً بدروس علمية أخرى، بحجة التأخر عن المنهج الدراسي. وهذا الاستبدال يسهم في تجاهل الأهمية الكبيرة لعامل الترفيه، الذي يساعد الأطفال على تطوير مهاراتهم الاجتماعية وتعزيز قدراتهم البدنية”.
وتضيف سارة، ان هناك نقصاً في الوعي بين الكوادر التربوية حول أهمية اللعب كحق أساسي من حقوق الطفل، مشيرة الى ان “المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل، تنص على حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب والأنشطة الترفيهية المناسبة لسنّه”.
وتؤشر سارة مشكلة أخرى تتعلق بالسفرات المدرسية التي غالباً ما تكون غير مجانية: “هذا الامر يمنع بعض الأطفال من المشاركة بسبب الوضع المادي الضعيف لأسرهم أو بسبب مخاوف الأهل على سلامة أبنائهم، ما يؤدي إلى رفض المشاركة في هذه الأنشطة”.
وترى، أن “العطل المدرسية أيضاً لا تُستثمر بشكل صحيح، حيث يقوم بعض أولياء الأمور باستخدامها كوقت إضافي للدراسة أو كعقوبة للأطفال الذين أخفقوا في بعض المواد الدراسية. وفي بعض الحالات، تُستخدم العطل كفرصة للحد من الأنشطة الاجتماعية والبدنية للأطفال، ما يجعلهم يقتصرون على استخدام الهواتف المحمولة والعزلة المجتمعية”.
وتقترح الناشطة الاجتماعية على وزارة التربية القيام باستغلال العطل الربيعية والصيفية لتنظيم برامج ترفيهية وتعليمية، بالتعاون مع القطاع الخاص، لتطوير المهارات البدنية والإبداعية للأطفال من خلال الفن والرياضة والموسيقى.
عن الطفولة في العراق!
من جانبه، تحدّث الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد عيد عن انعكاسات السياسات الاقتصادية على واقع الطفولة في العراق، مشيرا الى أن “تدهور الوضع المعيشي وانخفاض مستوى الدخل يؤثران بشكل كبير على الطفولة. ويظهر ذلك في نواحٍ متعددة مثل الوضع الاجتماعي، التعليم، الصحة، والمشاكل الأمنية، بالإضافة إلى تزايد نسب الفقر.”
ويضيف عيد لـ “طريق الشعب”، “أن التحديات الاقتصادية في العراق تضع الأطفال داخل دائرة الخطر من احتمالية استغلالهم ماديا وجنسياً، واستخدامهم في أعمال خطرة، وربما اندماجهم مع عصابات منظمة ومجموعات تسول تديرها مافيات متنفذة”.
ويخلص عيد الى القول: “على الرغم من أن العراق يمتلك موارد ومقومات كبيرة يمكن أن تساعد في مواجهة الصدمات الاقتصادية التي تعاني منها العائلات، فإن سوء الإدارة وضعف القيادة، وانتشار السلاح المنفلت، والتراخي في تطبيق القانون، تشكل عوامل مقلقة ومخيفة تؤثر سلباً على أمن وسلامة المجتمع، بما في ذلك الأطفال”.